كيف نعالجُ الأزماتِ بالثقةِ المطلقة و التوكل على الله..


تم النشر 01 إبريل 2016


عدد المشاهدات: 2323


بقلم:د.ياسر فوجو – أستاذ مساعد بكلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة

تعصِفُ بشعبِنا في هذه الأيامِ أزماتٌ كثيرةٌ ومؤثّرةٌ في كثيرٍ من الأمورِ الحياتيةِ،والإنسانُ المسلمُ لابدَّ من أنْ يعالجَ تلكَ الأزماتِ بالثقةِ في اللهِ تعالى،ووِفق منهجِ الشرعِ، وضوابطِه؛ من هنا لابدَّ من بيانِ بعضِ تلكَ الأزماتِ، وكيفيةِ التغلُّبِ عليها، والتي منها:

أولاً: أزمةُ الاختلالِ الواقعِ في وزنِ الأمورِ بالميزانِ الصحيحِ، فسوءُ التقديرِ واختلالُ النظرِ؛ يؤدّي إلى وقوعِ الأزماتِ؛ لذا فإنّ الله تعالى بيَّن في كتابِه العزيزِذلك الاختلالَ محذّراً عندما قال:﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ  وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾، فالكثيرُ من الناسِ يظنُّ أنّ العطاءَ دليلُ إكرامٍ، وأنّ المنعَ دليلُ إهانةٍ، فاللهُ سبحانه وتعالى قال: (كّلا) بمَعنى أنّ هذا الميزانَ، وهذه الرؤيةَ خاطئةٌ؛ فلا يُعدُّ العطاءُ في المالِ والولدِ والمنصبِ والسلطةِ والأمنِ دليلَ إكرامٍ..

ياسر فوجوفقد تكونُ هذه الأشياءُ نقمةً على المسلمِ، كما لا يُعدُّ المنعُ والخوفُ والجوعُ والمرضُ دليلَ إهانةٍ، فقد تكونُ هذه الأشياءُ دليلَ إكرامٍ، وإنْ كانت في ظاهرِها مصائبَ؛ إذن كلٌّ من العطاءِ والمنعِ اختبارٌ من اللهِللمسلمِ؛يُؤجَرُ عليها في كلِّ الأحوالِ، وهذه الآيةُ توضّحُ المنهجَ الصحيحَ لوزنِ الأمورِ بميزانِ الشرعِ، وليس بميزانِ الإنسانِ المعوجِّ.

ثانياً: أزمةُ التوكّلِ على اللهِ،لو نظرنا إلى الواقعِ الفلسطيني؛ لوجدنا أنه غايةٌ في السوءِ.. وذلك وِفقَ الحساباتِ الحسيّةِ، لكنْ لابدَّ من أنْ نُوليَاهتماماً للحساباتِ المعنويةِ؛ لأنّ الأشياءَ المحسوسةَ، والمعطياتِ الواقعيةَ في واقعِنا تقولُ بأنّ الوضعَ سيءٌ؛ بل بالغٌ في الصعوبةِ، لكنْ بمقتضَى الحساباتِ المعنويةِ نقولُ: إنّ اللهَ تعالى يسمعُ ويرى، وما يَعصِفُ بنا هو من قدَرِ اللهِ، وقدَرُ اللهِ في كلِّ الأحوالِ خيرٌ للمسلمِ، وهذا ما حدثَ مع أصحابِ موسى -عليه السلام- عندما نظروا للأمورِ الحِسيّةِ؛ فلم تكنْ لصالحِهم؛ لأنّ البحرَ أمامهم، والعدوَّ من خلفِهم، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ  قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾، وعندما نقرأُ هذه الآيةَ؛ نشعرُ بأنها تعطي وصفاً دقيقاً لِما يَحدثُ في قطاعِ غزة، فالبحرُ من الغربِ، والأعداءُ يحيطونَ بنا من الجهاتِ الثلاثِ الأخرى، ولكنْ كيف تَعاملَ سيدُنا موسى -عليه السلام- مع الواقعِ المحسوسِ المُعقّدِ؟ قال: كَلاّ التي تعلّمَها من اللهِ تعالى في  مناسبةٍ سابقةٍ، عندما قال لربِّه: ﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ  قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾…

فتعلّمَ كلمةَ”كلاّ” التي تَعني التوكُلَ على اللهِ، والثقةَ في اللهِ، واللجوءَ إليهِ في السرّاءِ والضراءِ؛ لذا عندما احتاجَ إليها في الحصارِ من قِبلِ فرعونَ وجنودِه فوراً استعملَها؛ لذا لابدّ لنا أنْ نستعملَ هذا السلاحَ عندَ الحاجةِ إليه، فلا نلجأُ إلى الأممِ المتحدةِ، ولا إلى مجلسِ الأمنِ، ولا إلى جامعةِ الدولِ العربيةِ؛ بل نلجأُ إلى اللهِ الذي بِيَدِه مقاليدُ السمواتِ والأرضِ، إنه نِعمَ المَولَى ونِعمَ النصير.

المصدر موقع مجلة السعادة الثريا




- انشر الخبر -