في الذكري الثامنة والأربعين لمعركة الكرامة الخالدة بقلم:د. جمال عبد الناصر محمد أبو نحل


تم النشر 20 مارس 2016


عدد المشاهدات: 1753


في الذكري الثامنة والأربعين لمعركة الكرامة الخالدة

مراحل طويلة ومريرة من الكفاح والجهاد والصمود والمواجهة، خاضها شعبنا الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني؛ ولايزال إلى اليوم في انتفاضة وهبة المسجد الأقصى المبارك يُقوم كوكبة من الشهداء الأبطال الأكرمُ منا جميعًا، وقوافل من الجرحى والأسري البواسل لأنه شعب تّواق للحرية والكرامة والتحرير والخلاص من هذا الاحتلال الصهيوني الاستيطاني الغاصب الفاشي.   إن الأيام دول بين الناس يداولها الله عز وجل بينهم ليبلوكم أيُكم أحسن عملاً؛ ومن الأعمال الخالدة والباسلة المُضيئة المُشرقة في حياة شعبنا الفلسطيني المكافح وأمتنا العربية والإسلامية معركة الكرامة التي جاءت بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب الأيام الستة وإن شئت فقُل الساعات الِست في عام 1967م؛ حيث يصادف غدًا الاثنين، الذكرى (48) لمعركة الكرامة التي أعادت للأمة العربية، تلك المعركة التي وقعت في 21 آذار 1968، بين الفدائيين الفلسطينيين الأبطال من حركة فتح ومعهم فرقة المدرعات من الجيش الأردني ومن جهة، أخري القوات الصهيونية المعتدية ، بالقرب من مخيم الكرامة على الضفة الشرقية لنهر الأردن؛ وتعود أسباب تلك المعركة المجيدة العمليات العسكرية التي كانت تقوم بها مجموعات من المقاتلين الفدائيين الفلسطينيين بمنطقة الغور الشرقي لنهر الأردن حيث قامت بتنفيذ العديد من العمليات العسكرية التي أرّقت قوات الاحتلال، وأقلقت مضاجعهم؛ وأخذ جيش الاحتلال الكبر والزهو والغرور بعد هزيمة الجيوش العربية وبرزت مقولة الجندي الصهيوني الذى لا يُقهر ، فأعلن قادة دولة الاحتلال الصهيوني أنها ستقوم بنزهة قتالية لتدمير الفدائيين الفلسطينيين، ولاحتلال مرتفعات البلقاء والاقتراب من العاصمة عمّان وضم أجزاء جديدة من الأردن وتحويلها إلى جولان أخرى لتخلص من الهجمات المستمرة التي كان يقوم بها أبطال معركة الكرامة أبطال حركة فتح بقيادة القائد الرمز الشهيد ابو عمار ياسر عرفات أنداك.

لقد كان الهدف من تلك الحرب هو كسر شوكة المقاومة الفدائية الفلسطينية وكذلك إسكات الجبهة المقاومة للفدائيين والعمليات التي تنطلق من الحدود بين فلسطين المحتلة والأردن وكذلك إلى إرغام الأردن على قبول التسوية والسلام الذي تفرضه إسرائيل وبالشروط التي تراها وكما تفرضها من مركز القوة، ومحاولة الصهاينة وضع موطئ قدم لهم على أرض شرقي نهر الأردن باحتلال مرتفعات السلط وتحويلها إلى حزام أمنى صهيوني لدولة الاحتلال المُجرمة.

وفي بداية العام 1968م هددت إسرائيل بعمل مضاد إذا ما استمرت نشاطات الفدائيين الفلسطينيين عبر نهر الأردن، وقامت بتكثيف نشاط الدوريات الإسرائيلية في الفترة ما بين 15-18 آذار 1968 بين جسر الملك حسين وجسر دامية، وكذلك الطلعات الجوية لطائراتها فوق وادي الأردن، وتمهيدا للهجوم الواسع نفذت قوات الاحتلال الصهيوني هجمات عديدة متواصلة تركزت بشكل رئيسي على القصف الجوي والمدفعي على طول الجبهة الأردنية طوال أسابيع عديدة سبقت بداية المعركة عند الساعة 5:25 من فجر ذلك اليوم، كما مهدت لذلك بإجراءات واسعة النطاق في المجالات النفسية والسياسية والعسكرية عمدت بواسطتها إلى تهيئة المنطقة لتطورات جديدة يتوقعونها كنتائج لعملياته العسكرية شرقي نهر الأردن. واستمرت المعركة ست عشرة ساعة في قتال مرير على طول الجبهة، ومن خلال مجرى الحوادث وتحليل العمليات القتالية اتضح أن القوات الإسرائيلية المهاجمة بنت خطتها على ثلاثة مقتربات رئيسة ومقترب رابع تضليلي لتشتيت جهد القوات المدافعة المقابلة، وجميع هذه المقتربات تؤدي حسب طبيعة الأرض والطرق المعبدة إلى مرتفعات السلط وعمان والكرك.. قامت القوات الصهيونية بشنّ هجوم واسع من ناحية الضفة الشرقية لنهر الأردن امتد من جسر الأمير محمد شمالا حتى جنوب البحر الميت، وكان هدف الهجوم حسب ما أعلنت قوات الاحتلال في حينه ‘القضاء على مواقع الفدائيين الفلسطينيين في مخيم الكرامة. وقامت مجموعات من الفدائيين الفتحاويون برصد و مراقبة تحركات قوات الاحتلال ، وتدارست القيادة الأمر واستعدت وتجهزت للمعركة بصورة جيدة واتخذت كافة التدابير الواجب اتخاذها وعلى الأخص المجابهة أو الانسحاب من المواقع المستهدفة لتأتي ضربته في الفراغ وفقا لمبادئ قتال الحرب الشعبية، اتخذ الفدائيون استعداداتهم للتصدي للعدوان القريب ووضعت في حالة استنفار وتعبئة انتظارا للتطورات والعدوان المُنتظر والمتوقع قدومهُ. استبسل وصمد الفدائيون في معركة الكرامة والتي كانت نقطة تحول كبيرة بالنسبة لحركة فتح خاصة والمقاومة الفلسطينية عامة، وتجلى ذلك في تقدم الاف الشباب للإنظام لصفوف الفدائيين، ولا سيما من قبل المثقفين وحملة الشهادات الجامعية، والتظاهرات الكبرى التي قوبل بها الشهداء في المدن العربية التي دفنوا فيها، والاهتمام المتزايد من الصحافة الأجنبية بالمقاومة الفلسطينية، ما شجع بعض الشبان الأجانب على التطوع في صفوف حركة فتح.

كما أعطت معركة الكرامة معنى جديدا تجلى في المظاهرات المؤيدة للعرب والهتافات المعادية التي أطلقتها الجماهير في وجه وزير خارجية إسرائيل آبا ايبان أثناء جولته يوم 7/5/1968 في النرويج والسويد، حيث سمعت آلاف الأصوات تهتف ‘عاشت فتح؛ ووفق التقارير العسكرية التي تم تداولها بعد معركة الكرامة ، بلغت خسائر جيش الاحتلال 70 قتيلاً وأكثر من 100 جريح و45 دبابة و25 عربةً مجنزرة و27 آلية مختلفة و5 طائرات.

أما الثورة الفلسطينية فقد فقدت 17 شهيداً في حين فقدّ الجيش الأردني20 شهيداً و65 جريحاً و10 دبابات و10 آليات مختلفة ومدفعين فقط . وقد أكدت الموسوعة الفلسطينية ومؤسسة الدراسات الفلسطينية في "الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1968" صحة تلك الأرقام؛ وبعد انتهاء المعركة صدرت العديد من ردود الفعل كان أبرزها، قول الرئيس الشهيد القائد الرمز ياسر عرفات إن ‘معركة الكرامة شكلت نقطة انقلاب بين اليأس والأمل، ونقطة تحول في التاريخ النضالي العربي، وتأشيرة عبور القضية الفلسطينية لعمقيها العربي والدولي، وفي المقابل، قال رئيس الأركان الإسرائيلي في حينه حاييم بارليف، في حديث له: "إن إسرائيل فقدت في هجومها الأخير على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران، كما أردف قائلاً:" ‘إن عملية الكرامة كانت فريدة من نوعها ولم يتعود الشعب في (إسرائيل) مثل هذا النوع من العمليات، وبمعنى آخر كانت جميع العمليات التي قمنا بها تسفر عن نصر حاسم لقواتنا؛ كما علق أحد كبار القادة العسكريين العالميين، رئيس أركان القوات المسلحة في الاتحاد السوفياتي في تلك الفترة المارشال جريشكو، بقوله: ‘لقد شكلت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ العسكرية العربية، وكان للمعركة أثر كبير على معنويات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية خصوصاً بعد حرب67 وزادت شعبية الفدائيين وحركة فتح خصوصًا؛ نتمنى أن تعود اللحمة العربية من جديد في ظل التحديات الجسام والعظيمة التي تعترض طريق الأمة العربية؛ وأملنا إنهاء الانقسام الأسود، وأن تعود الوحدة الوطنية الفلسطينية، و أن نرتقي لمستوي تضحيات دماء الشهداء والجرحى والأسري الأبطال؛ عاشت ذكري ال (48) لمعركة الكرامة والتي أعادت للأمة العربية والإسلامية الكرامة.

الكاتب المفكر العربي والإسلامي

 بقلم/ د. جمال محمد أبو نحل




- انشر الخبر -