حوار حول الدعوة والدعاة
بسم الله الرحمن الرحيم
حوار مع الداعية د. يونس الأسطل
حوار/ إبراهيم الزعيم:
تزداد سعادة الداعية عندما يشعر بأن جهده قد أثمر في هداية الناس
لابد من تبليغ الدعوة عن طريق الفنون الأخرى كالسينما والمسرح وغيرها
بدأ بمزاولة الوعظ والخطابة مبكرا، تأثر بالعديد من العلماء، يعجبه الداعية الحافظ لكتاب الله والملم بالسنة النبوية، لم يشغله العمل السياسي عن الدعوة التي منحها فكره وجهده، انه الداعية الإسلامي د. يونس الأسطل _النائب في المجلس التشريعي_، وحتى نتعرف أكثر على ضيف زاوية "زاد الداعية" كان لنا هذا الحوار.
د. يونس الأسطل... كيف كانت بدايتكم مع الدعوة إلى الله؟
نشأت في بيت مسلم، وقد كان والدي يؤم الحي ويخطب بهم الجمعة من كتاب قديم، فحبب إلينا القرآن الكريم، واتجهت إلى حفظه متأثرا بشقيقي الكبير الذي حاول أن يدرس القراءات السبع فألم بأكثرها، وهذا أدى إلى تعلقي بالقرآن فحفظت الكثير منه مبكرا، فوقع الاختيار علي لإمامة الحي وأنا في الأول الثانوي، وهو ما شجعني لاختيار دراسة الشريعة في المدينة المنورة على الرغم من قبولي في كلية الهندسة جامعة عين شمس، وبدأت أتعود على الخطابة والدرس أثناء الدراسة، ومنذ تخرجي عام 1989 والى اليوم لم أنقطع عن الخطابة والوعظ إلا في فترات الابتعاث لشهادتي الماجستير والدكتوراة، وقد زكى أهليتي اشتغالي بالجامعة الإسلامية مدرسا في كلية الشريعة وأصول الدين منذ عام 1980.
ما هي الفوائد التي يجنيها الداعية من مزاولة الخطابة والوعظ؟
الفوائد كثيرة، ومنها ترسيخ ما لديه من علوم، وزيادة الإيمان، حتى لا يكون ممن يقولون ما لا يفعلون، أو يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، أو يخالفون ما ينهون عنه، والشعور بالارتياح للقيام بفريضة شرعية لا تقل عن الأركان الواجبة، ثم السعادة النفسية حينما يمارس عملا انتدب الله له الأنبياء وهم خيرته من خلقه، ثم تزداد سعادة الداعية عندما يشعر بأن جهده قد أثمر في هداية الناس، فيكون بذلك سبباً في إنقاذهم من التيه في الدنيا ومن الجحيم في الآخرة، بالإضافة إلى الإيمان بأن الدين هو أقوى سلاح في معركتنا السياسية والعسكرية، أما السياسية فلأن حقائق الدين تنير الفكر وتكسب تجربة الأمم السابقة، وأما العسكرية فلأن العقيدة أقوى سلاح في المعركة لأن الذين يظنون أنهم ملاقو الله يقولون {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة:249).
بمن من الدعاة تأثر د. يونس الأسطل؟
في البداية صادقت الشيخ سليم شراب _رحمه الله_ فأخذت منه الجرأة في الحق، حيث لم يكن يخاف في الله لومة لائم، فلطالما جر على نفسه المتاعب على الرغم من تحفظي على بعض أساليبه في تغيير المنكر، والشيخ محمد المختار الشنقيطي، وقد كان موسوعة علمية حتى انه ليشار إليه بأنه أعلم أهل المدينة المنورة في السبعينيات والثمانينيات، ثم قدر لي أن أقرأ للشيخ محمد الغزالي كثيرا من كتبه، وقد أعجبت كثيرا بقدرته على توظيف النص القرآني والاقتباس منه حتى لكأني لا أجد أجزل منه عبارة بين المعاصرين إلا القليل، وعلى شاكلته الشيخ د. يوسف القرضاوي، غير أني أفدت من ندواته أكثر مما أفدت من كتبه، وقد كان يعجبني في الشهيد حسن البنا _رحمه الله_ أنه كان يتحدث بالقرآن، فأحببت أن أعتمد أسلوبه في الخطابة، لذلك فاني متى أردت أن أعد خطبة أو درسا أبحث في القرآن الكريم أولاً عما يؤصل الفكرة أو يخدمها، ثم أتجه إلى السنة والسيرة والتاريخ، كما أني تأثرت بغيرهم، بالإضافة إلى حصاد العمر في الثقافة الإسلامية.
برأيكم ما هي الأدوات التي لابد أن يمتلكها الداعية لتحقيق التميز؟
حفظ القرآن الكريم كله أو جله، والإلمام الواسع بالسنة النبوية، ككتاب رياض الصالحين على الأقل، واستقامة اللسان والقدرة على التعبير السليم بالسليقة دون تكلف، ومصاحبة المشاهير من الدعاة ولو عبر تجاربهم المدونة، إن لم يستطع مصاحبتهم الشخصية، وتقييم خطواته الأولى من خلال عرضها على المجربين والانتفاع بنصائحهم، وأن يتوسع في ثقافته العامة، لاسيما في السيرة النبوية وحياة الصحابة والتاريخ الإسلامي، والاطلاع على الخطوط العامة للأفكار المطروحة في عصره، والاعتماد على مكتبة واسعة وشبكة الانترنت.
د. يونس... لابد للداعية الطامح للتغير الارتباط بواقع الناس وملامسة همومهم، برأيكم هل نجح الدعاة في فلسطين في ذلك؟
كثير من الدعاة اقترب من واقع الناس إلى حد كبير، خاصة فيما يتعلق بالحديث عن المقاومة والتحريض على الجهاد في سبيل الله، وفي فضح المخططات السياسية الهادفة إلى تذويب القضية الفلسطينية، ومعالجة الهموم الداخلية، ولعل الإخفاق الجزئي لدى بعض الدعاة يعود إلى قلة البضاعة أحيانا، وضعف الإيمان أحيانا أخرى، مع عدم الاهتمام بمواكبة الأحداث أولا بأول.
هل نجح الإعلام الإسلامي في خدمة الدعوة الإسلامية؟
الإعلام أخطر سلاح في محاربة الإسلام أو في خدمة الدعوة، لأن الله قال {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (التوبة:32)، من هنا فإن ظاهرة الإعلام الإسلامي المرئي والمسموع قد نقلت الدعوة خطوات واسعة على طريق العالمية بعد أن كانت الدعوة قاصرة على المنبر والمحراب والنشرة المتواضعة، وعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حققته وسائل الإعلام فإنها لا زالت في حاجة إلى جهود مضنية لتطوير وسائل الدعوة بما يناسب لغة العصر وثقافته، أعني الاتجاه إلى تبليغ الدعوة عن طريق الفنون الأخرى، كالمسرح والمسلسلات والرسم، وغيرها من الوسائل المعاصرة التي تشد الجماهير أكثر من الخطابة والكتابة.
هل نجح الدعاة في استغلال التقدم التكنولوجي؟
لا شك أن المستوى الإعلامي للدعوة لم يصل إلى المستوى المنشود على الرغم من انتشار الفضائيات الإسلامية ومواقع الانترنت ووسائل الإعلام الأخرى، فالدعاة في حاجة إلى تجديد أساليب الخطاب ليكون مواكبا للغة العصر، حتى لقد تنبأ الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بأن يكون الفتح الإسلامي القادم فتحا دعويا أكثر منه عسكريا.
لاشك أن هناك معيقات تقف في وجه الداعية، ما هي هذه العقبات؟
المعيقات كثيرة، أولها أن التخصصات الكثيرة في العلوم الشرعية تجعل الثقافة مجزوءة، من هنا يبرز الداعية في جانب ويظهر ضعفه في جانب آخر، السبب الآخر هو أن العمل السياسي لا زال مغلقا أمام كثير من الدعاة نظرا لغياب الحكومات التي تحتضن الدعاة بصورة مثلى، وقلة الإمكانات المادية لدى كثير من الدعاة، لأنهم في أحسن الأحوال موظفون ورواتبهم لا تكاد تفي باحتياجاتهم، لذلك لا يتمكن هذا الداعية من امتلاك وسائل الدعوة المختلفة، بالإضافة إلى الحرب التي تشن على الفكر الإسلامي من داخل الشعوب الإسلامية متمثلا ذلك في أكثر الأنظمة وفي جهات علمانية تشوه صورة الدعاة ولو زورا حتى يزهد الناس في بضاعتهم.
من الداعية الذي يعجب د. يونس الأسطل؟
يعجبني الداعية المتصف بالصفات التالية: المتقن لحفظ القرآن الكريم، الملم بالسنة النبوية وعلومها، القادر على فهم السيرة والتاريخ الإسلامي، المتكلم للعربية بطلاقة دون لحن فاحش، الذي ألمس فيه الإخلاص والحكمة، لأنه من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، والذي يتمتع بجملة من الأخلاق، كالتواضع وعدم التعالي على الناس، والمهتم بشؤون الناس الخاصة كاهتمامه بشؤونهم الدينية أو يزيد.