حقيقة التواضع
مَن ادَّعى التواضع ونفسه حيَّةٌ بعدُ، كانت دعواه كاذبة؛ فلا تواضُعَ على الحقيقة حتى تموتَ النَّفس الأمَّارة!
وقد يتواضع الرَّجل ظاهرًا وفي نفسه أنَّه أعظم الخلق؛ فهذا متكبِّر في صورة متواضع!
وقد يتكبَّر ظاهرًا وفي نفسه أنَّه لا شيء؛ فهذا متواضعٌ في صورة متكبِّر!
من أجل هذا نسَب القرآنُ الكِبْرَ إلى الصُّدور، وهي محلُّ القلوب، فقال: ﴿ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ﴾ [غافر: 56]!
ومن النَّاس من يصف نفسه بالفقير والخادِم والذَّليل ونحو هذه العبارات، وأفعالُه أفعال الملوك، وإذا نِلتَ منه قال لك: أتدري فيمَن تتكلَّم؟ ألَا تعلم مَن أنا؟ فأين التواضع؟!
ورحِم الله مالكَ بن دينار، فقد قالت له امرأةٌ: يا مُرائي! فقال لها: عرفتِ اسمي الذي أضَلَّه أهل البصرة!
وكان عطاء الخراساني إذا نزَل بالمسلمين بلاء قال: ما يصيبهم هذا إلَّا بذنبي، لو مات عطاء لاستَراح النَّاس!
فهؤلاء قومٌ ماتَت نفوسهم؛ فهم المتواضِعون حقًّا، جعلَنا الله منهم بمنِّه وكرمه؛ آمين