الصَّحابِيَّاتُ… كَيْفَ رَبَّيْنَ أبناءَهُنّ؟ أ.د. خالد يونس الخالدي


تم النشر 12 مارس 2016


عدد المشاهدات: 2443


الصَّحابِيَّاتُ… كَيْفَ رَبَّيْنَ أبناءَهُنّ؟ أ.د. خالد يونس الخالدي

أ.د. خالد يونس الخالدي رئيس مركز التأريخ الفلسطيني

ربت الصحابيات أبناءهن تربية إيمانية جهادية، فأنجبن جيلاً هزم إمبراطوريتي الفرس والروم، وأخرج الناس من الظلمات إلى النور.

وقد بدأت تربيتهن لأبنائهن حتى قبل أن يحملن بهم، إذ كنّ يعقدن النية قبل الحمل على إنجاب مجاهدين في سبيل الله، استجابة لإرشاد النبي القائل: ” قال سليمان بن داود-عليهما السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة، أو تسع وتسعين، كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون” .!

وحرصن على إرضاعهم من حليبهن مدة كافية، وألّا يحملن حمل غيل قبل أن يأخذ أولادهن نصيباً وافراً من الرضاعة، حتى تصح أبدانهم، وتكون قادرة على تحمل أعباء الجهاد، وقد فعلن ذلك استجابة لأمر النبي القائل:” لا تقتلوا أولادكم سراً، فوالذي نفسي بيده إن الغيل ، ليدرك الفارس على ظهر فرسه حتى يصرعه” .

ومن أجل إنجاب أبناء أذكياء أقوياء؛ اهتمت الصحابيات بغذائهن أثناء مرحلة الحمل استجابة لتوصية النبي القائل:” أطعموا حبالاكم اللبان ، فإن يكن في بطن المرأة غلام خرج عالماً غازياً ذكي القلب شجاعاً سخياً، وإن يكن ما في بطنها جارية حسن خلقها” . ودفعنهم إلى تعلم القرآن الكريم، قناعة منهن بأثره الكبير في صناعة المؤمنين الرجال، فهذه أم الفضل بنت الحارث تسمع ولدها يقرأ (والمرسلات عرفا) ، فتقول مشجعة له:” يا بني لقد ذكَّرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب” . كما علّمنهم سيرة رسول الله وغزواته، ليتأسوا بجهاده، فهذه أم خارجة بن زيد تقول: ” كنت يوم الخندق ابنة سنتين، وكانت أمي تخبرني بعد أن أدركت، عن أمرهم في الخندق” ، وكانت تدخل على خالتها نسيبة بنت كعب، وتقول لها: يا خالة أخبريني، فتخبرها أم عمارة عن خروجها يوم أحد مع رسول الله تسقي المجاهدين، وتذبُّ عن رسول الله، وترمي بالقوس .

وعوَّدت الصحابيات أبناءهن على العبادة منذ صغرهم، لكي لا يجدونها شاقة عندما يكبرون، فقد ذكرت الربيع بنت معوذ أنهن كنَّ يصوِّمْنَ صبيانهن، ويذهبن بهم إلى المساجد، ويجعلن لهم اللعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطوهم إياها . كما نشَّأنهم على الخلق الحسن، فهذه أم عبد الله بن بسر تغرس في ولدها الصغير عبد الله خلق الكرم والعطاء، فقد أرسلت معه إلى رسول الله بقطف من العنب، ثم تابعت ما فعل ولدها، فذهبت إلى رسول الله وسألته:” هل أتاك عبد الله بقطف؟ فقال: لا، ويروي عبد الله الحادثة فيقول:” فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآني قال: غُدَرٌ غُدَر” .

كما ربينهم على كتم الأسرار، فعن أنس بن مالك قال: كنت مع الغلمان فمرَّ علينا النبي عليه السلام، فسلم علينا، ثم بعثني في حاجة، وجلس في ظلٍّ حتى أتيته فأبلغته حاجته، فلما أتيت أم سليم، قالت: ما حبسك اليوم؟ قلت: بعثني النبي في حاجة، قالت: ما هي؟ قلت: إنها سر، قالت: فاحفظ سر رسول الله، قال: فما حدثت بها أحداً قط . وكانت الصحابيات يدفعن أولادهن إلى بيعة رسول الله، استعجالاً بالخير لهم، ورغبة في أن يصبحوا مجاهدين في سبيل الله عندما يبلغوا سن الرشد، فقد روى البخاري في صحيحه، أن أم عبد الله بن هشام زينب بنت حميد ذهبت به إلى رسول الله فقالت:” يا رسول الله بايعه، فقال رسول الله: هو صغير، ومسح رأسه ودعا له” ، وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاء عبد الله بن الزبير وهو ابن سبع سنين أو ثمان ليبايع رسول الله، وأمره بذلك الزبير، فتبسم رسول الله، حين رآه مقبلاً، وبايعه” . كما دفعن بأبنائهن إلى ميادين المعارك، فهذه عفراء بنت عبيد تدفع بأبنائها السبعة للجهاد في معركة بدر ، وكان لولدها الصغير معاذ، ومعه معاذ بن عمرو بن الجموح، شرف قتل أبي جهل ، وهذه امرأة دفعت لابنها بالسيف يوم أحد، فلم يطق حمله، فشدته على ساعده بنسعة ، ثم أتت به النبي فقالت: يا رسول الله هذا ابني يقاتل عنك، فقال النبي:” أي بني ها هنا، فأصابته جراحة، فصرع، فأتى النبي، فقال: أي بني، لعلك جزعت؟ قال: لا يا رسول الله” .

ولكي يكون أبناؤهن مجاهدين أشداء على الكفار، ربتهم أمهاتهم على الخشونة، وأبعدنهم عن التنعم والترف، عملاً بوصية النبي القائل:” إياكم والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين” ، فهذه صفية بنت عبد المطلب تنشئ ولدها الزبير على الفروسية، وتجعل لعبه في بري السهام وإصلاح القسي . كما ربينهم على الثبات على الحق إذا ما تعرضوا لأذى المشركين، فهذه أم عبد الله [ ذو البجادين]، يأتيها ولدها عبد الله مسلماً وقد جرده المشركون من إزاره، فقطعت بجاداً لها قطعتين، فائتزر بواحد وارتدى الآخر، وهو الذي قال عنه رسول الله:” إنه أواه”، لأنه كان يكثر من ذكر الله بالقرآن والدعاء، ولما مات يوم تبوك، دفنه رسول الله بيده، ثم استقبل القبلة رافعاً يديه يقول:” اللهم إني أمسيت عنه راضياً فارض عنه” .

ما أحوجنا إلى أمهات يقتدين بالصحابيات، ويصنعن جيلاً يحرر الأرض والمقدسات.




- انشر الخبر -