صالح النعامي
بغض النظر عن الموعد الذي ستجرى فيه الانتخابات التشريعية القادمة في إسرائيل، فإن ما بات مؤكدا هو أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد منح اليمين الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص حزب الليكود الحاكم سلاحاً دعائياً «فتاكاً»، لا يضمن فقط استمراره في سدة الحكم، بل سيسهم في جعل المعارضة اليسارية تبدو في نظر الجمهور الإسرائيلي غير ذات صلة.
فقد نسف السيسي مصداقية الحجج التي استندت إليها المعارضة الإسرائيلية، والتي اعتبرت أن بقاء بنيامين نتنياهو في الحكم يمثل «تهديداً لمجرد بقاء إسرائيل» بسبب تبنيه سياسات توسع دائرة العزلة الإقليمية والدولية. فقد استندت المعارضة الإسرائيلية في دعايتها خلال الانتخابات الأخيرة على عرائض وقعها المئات من جنرالات في الاحتياط، عدت بقاء بنيامين نتنياهو في الحكم خطراً « قومياً « لأن سياساته أثارت حفيظة دول مؤثرة في العالم ويمكن أن تدفعها لاتخاذ قرارات تؤثر سلباً على مكانة الكيان الصهيوني الدولية.
لكن لا يوجد أي احتمال أن تعود المعارضة الصهيونية لمثل هذا التكتيك الدعائي بسبب ما أقدم عليه السيسي مؤخراً. فقد طرح عدد من قادة الليكود حجة تبدو بسيطة لكنها متينة، حيث قال الوزير الليكودي زئيف إلكين: «كيف يمكن أن نعتبر إسرائيل في عزلة في الوقت الذي لا تتردد أكبر دولة عربية في التدليل على تقاربها معنا بشكل غير مسبوق».
وبدون أن يتحدث عن ذلك صراحة، فإن إلكين في الواقع يشير إلى ما كشفت عنه قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة والتي ذكرت أن السيسي يتحدث مرتين شهرياً مع نتنياهو. ولم يفت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن تشير إلى أن السيسي هو أكثر قادة العالم الذين يداومون على الاتصال بنتنياهو. ليس هذا فحسب، بل تبين أن السيسي يواظب على الاتصال برئيس هيئة أركان الجيش وقادة عسكريين آخرين في تل أبيب.
وفي اليمين الإسرائيلي يشيرون إلى إعلان السفير الإسرائيلي في القاهرة مؤخراً من أنه التقى السيسي عدة مرات وأن أبواب كل المؤسسات المصرية مفتوحة أمامه، إلى جانب تنافس نخب مؤيدة لنظام السيسي على الدعوة للتطبيع مع إسرائيل. ولا حاجة للتذكير بأن نخب اليمين الصهيوني تحاول من خلال هذه الأطروحات توظيف سلوك السيسي في التدليل على نجاح الإستراتيجية التي يتبعها نتنياهو واليمين بشكل عام، على اعتبار أن التشبث بمواقف اليمين تدفع العرب لتعميق التطبيع والتعاون مع إسرائيل وليس العكس.
ولا حاجة للقول إن تكريس هذا الخط الدعائي، والذي للأسف يماثل الحقيقة، يعني إضفاء صدقية على خطاب اليمين الصهيوني. اللافت أن هناك في اليمين الصهيوني من يرى أنه يتوجب توظيف المديح الذي خلعه السيسي على القدرات القيادية لنتنياهو في حضور قادة التنظيمات اليهودية الذين سارعوا لإبلاغ رئيس الوزراء الإسرائيلي به في الحملة الانتخابية القادمة.
فحسب هذا المنطق، فإن الدعاية الانتخابية لليكود ستضمن إشارات لامتداح السيسي للقدرات « القيادية العظيمة « لنتنياهو وتأكيده على أن قائد الليكود لا يصلح فقط لضمان نهضة وتقدم إسرائيل فحسب، بل المنطقة والعالم أجمع. إن أكثر من عبر عن توظيف مواقف السيسي الأخيرة هو وزير التعليم الصهيوني المتطرف نفتالي بنات، الذي وجه كلامه لقوى المعارضة اليسارية والنخب الإعلامية التي تنتقد سياسات نتنياهو في الأراضي الفلسطينية المحتلة قائلاً: « لا يمكنكم أن تكونوا ملكيين أكثر من ملك، كان يتوقع منكم أن تسلكوا على الأقل سلوك السيسي الذي يرأس الدولة الأكبر في العالم العربي، والذي لا يرى في سياساتنا تجاه الفلسطينيين مبرراً لاتخاذ إجراءات سلبية ضدنا، بل على العكس، فإنه يوثق التعاون بيننا وبشكل غير مسبوق».
لكن التوظيف الإسرائيلي اليميني لمواقف السيسي لا يقتصر على الداخل، بل تعداه للخارج. فهناك ما يؤشر على أن الكيان الصهيوني سيوظف هذه المواقف في مواجهة حركة المقاطعة الدولية «BDS»، التي تنظر تل أبيب إلى أنشطتها كتهديد وجودي. وحسب منطق نائبة وزير الخارجية الصهيونية تسيفي حوطبيلي، فإنه لا يوجد ما يبرر أن تستجيب دول العالم لدعوات «BDS»، في الوقت الذي تعزز الدولة العربية الأكبر من علاقاتها مع تل أبيب.
وفي إسرائيل يشيرون إلى أن الدبلوماسية الصهيونية ستوظف مواقف السيسي في تحقيق مزيد من الاختراقات في أفريقيا وفي أوروبا الشرقية، حيث أن تل أبيب باتت تشير إلى مظاهر التقارب مع مصر من أجل تشجيع دول هذه المناطق على تعميق علاقاتها معها.
المصدر: فلسطين الآن
ملاحظة: المقالات التي تنشر على الموقع تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.