سأل طالبٌ عن "أغطية" فرمم زملاؤه بيته!
عن "جمالٍ" حدثَ في مدرسة "الجِنان" بخان يونس
غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
كانت صدمة الفتى رفيق كبيرة، عندما تقدم عصمت (اسمٌ مستعار) نحوه وصديقيه يزن ومصطفى أثناء الاستراحة بخطواتٍ خجولٍ ليسألهم: هل تملكون أغطيةً لا تحتاجونها في بيوتكم.
عصمت الذي بدأ يتلعثم عندما شاهد الدهشة في عيون زملائه، تراجع بضع خطواتٍ بعد أن ابتلع ريقه، ثم أكمل وهو يمسح عرقه الذي كان يتصبب من جبينه رغم برودة الجو: "في الليل لا نستطيع النوم فالأغطية التي نملكها في بيتنا لا تكفي، إذا كنتم لا تملكون زيادة فأرجوكم لا تخبروا أحدًا بما سألتكم عنه".
تركهم ومضى، ووقف الثلاثة –وهم في الصف الحادي عشر- يحاولون ابتلاع الغصة! "هل هناك أناسٌ بالفعل لا يمتلكون أغطية؟!"، ثم سارعوا إلى معلمٍ يحبّونه يُدعى محمد. أخبروه بما جرى، فاقترح عليهم جمع تبرعاتٍ لشراء أغطيةٍ وكسوة شتاء، ثم توصيلها لعصمت في منزله.
حدثَت هذه القصة في مدرسة (الجنان الثانوية للبنين- ب) قبل أن تبدأ الإجازة النصفية.
الأستاذان محمد مقداد، ومعه محمود كلخ "وهو صاحب مبادرات خيرية فردية، نفذ العديد منها داخل المدرسة"، أخذا ما تم شراؤه بقيمة التبرع، وانطلقا ومعهم زملاء عصمت الثلاثة، إلى بيته ليتعرفوا إلى وضع أسرته عن قرب، لكن الصدمة التي أصابتهم عندما وصلوا، لا تقارن بصدمة طلبه المساعدة أبدًا!
في بيت الفتى الكائن في تعدّيات الحي النمساوي غرب خان يونس جنوب قطاع غزة، يقول الطالب مصطفى "اكتشفنا أن زميلنا يعيش في مكانٍ أقرب إلى الخرابة.. مجرد جدران تستر عائلةً تعيش على تراب، وسقف من الزينكو المهترئ".
يتابع لـ "نوى" واصفًا المشهد: "أما الحمام فحدث ولا حرج، لا باب له! ولا أي معدات يمكن أن تجعل هذه العائلة تحيا بشكل طبيعي".
غادر الجميع بيت عصمت، وقد تملكهم شعور الإحباط، لكن شيئًا ما كان يحركهم من الداخل نحو ضرورة المحاولة لتغيير هذا الواقع: هناك عائلة تعيش في وضعٍ لا إنساني، ولا بد أن تتوفر لها أبسط مقومات الحياة على الأقل.
يقول محمود كلخ صاحب سلسلة مبادرات البركة: "بمساعدة أهل الخير عملنا على ترميم منزل هذه العائلة المستورة، الأب والمعيل الوحيد لها هو من ذوي الإعاقة، بينما الأم مصابة بالسرطان، ويعيش معهما أربعة أطفال في ظروفٍ بعيدةٍ كل البعد عن ظروف الحياة الكريمة".
عشرون يومًا تبدّل خلالها الحال، فقد تم ترميم المنزل بالكامل، وإعادة تهيئته ليصبح قابلًا للعيش. بلاطٌ جديد، شبكة كهرباء ولِدّات، وشبكة صرفٍ صحّي، ومطبخ، وبعض مستلزمات الأسرة من فراشٍ، وأغطية، وأنبوبة غاز، ومِدفأة، وبطارية شحن للإضاءة.
ما إن دخلت أم عصمت المنزل، حتى سجدت لله شكرًا، بينما لم يتوقف لسانها عن الدعاء لابنها وزملائه وأساتذته الذين كانوا "نعم السند" على حد وصفها.
تقول لـ"نوى" بينما تجوب بعينيها الدامعتين أرجاء المنزل: "لا أصدّق أن مياه الأمطار لن تتسرب إلينا من السقف المهترئ مجددًا، لا أصدق أنني لن أبحث عن بقايا شمعة لأضيئ عتمة الليل في بيتي الصغير، لا أصدق أن طفلتي لن تخشى الذهاب إلى الحمام وحدها بعد اليوم، وأننا لن نلتصق ببعضنا البعض بحثًا عن الدفء في ليالي الشتاء الباردة".
تصف السيدة حال أسرتها التي تعتاش على راتب الشؤون، الذي لم يصرف هذا العام سوى مرة واحدة بالقول: "في غالبية الأيام لا نجد ما نأكله، حتى أن كوبونة الخضروات التي وصلتنا من مبادرة البركة جعلتنا سعداء طوال أسبوعين من الزمن".
في كل يوم، كانت ابنتها تطل عليها وهي تطبخ الطعام وتسألها: ترى، ماذا سنفعل عندما تنتهي خضراوات الكوبونة؟ تعقب الأم: "ليس لدينا أي مصدر دخل، وبالكاد يمكنني تدبر ثمن الخبز الحاف".
أما الملابس وكسوة الصيف والشتاء (تزيد) أمر لا يرد على البال أصلًا، بالإضافة لكثير من الأساسيات التي تعدُّ بالنسبة لأفراد الأسرة رفاهية".
اليوم استلَمَت أم العبد وزوجها وأطفالهما المنزل، وقد أعيدت لهم بعض من كرامتهم الإنسانية. الفرحة تزيّنُ وجوههم، رغم أن المنزل جدران وأرض وسقف، وما زال يحتاج إلى الكثير ليصبح بالفعل مصدر أمانٍ واستقرار.
مبادرةٌ قادها تلاميذ، وبدأت بالسعي لتوفير أغطية للشتاء، انتهت ببيتٍ قابلٍ للحياة تبدأ فيه العائلة عامها الجديد بأملٍ يقول "القادم أجمل".
غادر التلاميذ الثلاثة منزل زميلهم، وقد تشكلت في قلوبهم قناعة بضرورة تقصي أحوال زملائهم في المدرسة، وإيمان بأن الإنسان لا بد أن يشعل شمعة، لا أن يكتفي دومًا بلعن الظلام.