خان يونس - المحطة: وصل أرض الوطن بحفظ الله ورعايته الفنان التشكيلي العالمي الأستاذ الفاضل : محمد حسين محمود "حسين" الأسطل (أبو حسين) قادماً من الولايات المتحدة وذلك مساء يوم الاثنين 8 - 11 - 2021م، في زيارة للأهل والأصدقاء، الحمد لله على السلامة.
كتب عبد الله أبو راشد * عن الفنان التشكيلي الفلسطيني ( محمد حسين الأسطل)، منارة فنية تشكيلية متوهجة بحب فلسطين، ومسكونة بذاكرة مكانها المفتوحة على التراث، ومعنية بأصالة شعبها وانتماءه لأمة عربية إسلامية مؤمنة بقدراتها البقاء والصمود في يوميات الحياة الفلسطينية، لوحاته سجل بصري أمين وصادق لطبقاته الاجتماعية المتنوعة في الريف والمدينة والبداوة اللطيفة، يدونها مقامات سرد بصري بريشته الأنيقة ومقدرته الفنية المحمولة بموهبة مصقولة بمناهل دراسة وخبرة وتجربة، عِبر لوحاته المُعشبة بجماليات الوطن الفلسطيني بجميع أطيافه.
هو من مواليد خان يونس عام 1944 ، تخرج من قسم التصوير في كلية الفنون التطبيقية بجامعة القاهرة عام 1964 ، له مساهمات فنية تشكيلية عديدة في ميادين العروض الفنية الفردية والجماعية داخل فلسطيني والوطن العربي وقارات دول العالم الخمس. يُكرس في لوحاته التصويرية خلاصة تجاربه ومواهبه ودربته، ودوره الكفاحي في معركة الوجود وديمومة الحياة، باعتبارها نموذجا جيداً لذاكرة فلسطينية حافظة.
بائع الشراب
منظر طبيعي
لوحاته أشبه ببانوراما تشكيلية جامعة، وحاشدة لجميع أطياف الوطن الفلسطيني بمناظره الطبيعية وصنائعه الحياتية المختلفة، وبطبيعته ناسه الطيبين، معنية باستلهام صورها السردية من حديث الأرض الفلسطينية الطيبة، المكحلة بمعاول الفلاحين وسكك الحرث، كمقدمة منطقية لمواسم البذر وحصاد التعب المنتظر بعد الجهد المبذول.
تشدو المرور الحنون على جميع مظاهر الشعب الفلسطيني اليومية، تُطرز بيانها البصري في اتجاهات تصويرية واقعية تعبيرية، لا تخلو من تسجيلية محببة للمناطق والأماكن والشخوص، سواء ما قبل نكبة فلسطين الكبرى بفعل الغزوة الصهيونية المقيتة، ما أعقبها من واقع قهري مٌحمل بالتشرد والحنين والمقاومة والاشتياق للعودة المنشودة للشعب الفلسطيني المُشرد وحقه التاريخي والإنساني في فلسطين.
بحر غزة
لوحة قطاف البرتقال
لوحاته مفتونة بصور من التراث الشعبي وصنائعه المختلفة، وهي مجاله الحيوي في وصف أنماط طبيعية من حياة الشعب الفلسطيني، يُدرجها الفنان بيده المقدرة تقنياً، ومُخيلته واسعة الطيف البصري في مجموعات شكلية متجانسة، متوحدة الأسلوب الفني والخصوصية الفردية، متعددة المضامين والمواضيع المطروحة، موزعة في سبعة تجليات شكلية:
الأول منها: معني بإبراز جماليات الوطن الفلسطيني من منظور تصويري للطبيعة الغناء من جبال وهضاب وسهول، وبحر ونهر وسماء، وأوابد تاريخية وحضارية لبيوت ومساجد، تصل الزمن الحاضر بالماضي العريق. تتوخي المطابقة الشكلية في أنفاس تعبيرية متحررة بعض الشيء من القيود، تترك العنان لمستويات الرؤية والتشكيل البصري للمفردات والعناصر الخلوية برشاقة الريشة داخل حيز كل لوحة من لوحاته.
الخبز الفلسطيني
الفلاح الفلسطيني
الثاني: معني بإبراز الجانب الاجتماعي اليومي في حياة القرية الفلسطينية، داخل أحضان الأسر الريفية، مُبرزاً دور النسوة في مسلك العمل المنزلي لاسيما صناعة الخبز على طريقتهم الفلسطينية المتوارثة عبر متواليات الزمن والأجيال، لوحات تصوير مليئة بحيوية العمل الجماعي للنسوة ، ووصف مراحل صنعها، بدءاً من طاحونة القمح المنزلية (أحجار الرحى البازلتية البسيطة)، مروراً بخطوات تحضير العجين، وتجهيزه بما يسمى بقطعة خشبية اسطوانية الشكل (الشوبك)، ومرحلة وضعها على طبق القش الملون، وتهيئة "فرنية" الخبز أي "لطابون" وصولاً لخروج الأرغفة الطازجة والشهية.
الثالث: معني بإبراز جانب مهم من حياة الفلاحين الفلسطينيين، وتسجيل لحظات يومية حاشدة بالجهد والعرق ومتغيرات الأداء البدائية منها والحديثة ومتناسبة وزمنها التاريخي، بدءاً من الحرث والبذر والسقاية والتعشيب، وصولاً لمواسم القطاف والحصاد، عِبر لوحات تعبيرية يرقص اللون فيه على أنغام المساحة والمفردات التشكيلية الحافلة بالأنسنة.
البداوة الفلسطينية
العائلة الفلسطينية
الرابع: معني بإظهار مستويات متعددة من حياة البداوة الفلسطينية، في تجلياتها المحمولة بالبساطة والألفة، ميدانها الخيمة والنخيل وصناعة القهوة العربية ومسالك رعي الأغنام، وتوصيف تعيير واقعي لمجالات عمل يومية متنوعة في حياة البدوي وأسرته لاسيما الحليب ومشتقاته.
الخامس: معني بإبراز جوانب اجتماعية مُفرحة حياة الشعب الفلسطيني، من خلال سلسلة من اللوحات ذات العلاقة بالعرس الشعبي الفلسطيني، والدبكة على وجه التخصيص. عِبر محاكاة وصف طبيعي لحركة الراقصين وتجلياتهم الحركة في مجموعات متجانسة لنسوة وأُخرى لرجال، تفيض في متنها حيوية الشباب وطموحاتهم وتباشير الحياة.
الدبكة الفلسطينية
خيام المقاومة
السادس: تلامس مواضيعه صور النكبة الفلسطينية الكبرى عام 1948، ومظاهر اللجوء المتعددة التي قوامها خيام تشرد داخل الوطن الفلسطيني والمنافي القريبة والبعيدة، والمتحولة من واقع ضياع وحزن وألم، إلى خيامصبر ومثابرة، ومكاناً طيباً لصناعة الأمل، وولادة الرجال المقاومين، وقلاع معنوية ومادية لقوافل المقاتلين الحلمين بالشهادة والتحرير والعودة للأراضي التي هجروا منها، لوحات مشغولة بصناعة الأمل وقانون البقاء.
السابع: معني بخصوصية القدس كمدينة عربية مقدسة، دونها في مجموعة كبيرة من اللوحات والرسوم التي تليق بقيمة ومكانة هذه المدينة العريقة والشامخة في وجه الاحتلال الصهيوني البغيض. بدءاً من لوحته المستلهمة من آيات القرآن الكريم والمأخوذة من سورة الإسراء المباركة، التي تُحدد موقع ومكانة الأقصى المبارك في صلب العقيدة الإسلامية السمحة، من تناغم شكلي ما بين مستويات بصرية داخل اللوحة والتي تقسمها إلى قسمين متكافئين شكلاً ومضموناً، النص القرآني في قسمه المحوري الأول في مقابلة شكلية مع معالم المدينة المقدسة من مساجد وعمائر وأماكن.
من وحي سورة الإسراء
مسجدي القبة والقصى المباركين
ولوحة تُحاكي معالم مدينة القدس مركزة على مسجدي قبة الصخرة المشرفة والأقصى المبارك وما يحيطها من مناظر، فيها تجليات الصورة البصرية المحملة بواقعية تعبيرية وتجريدية تكعيبية، وملونات الشفافة والمتجانسة في حدتها اللونية، ومتوافقة مع خصوصية المشهد وتجلياته الشكلية.
ولوحة تالية مأخوذة من سجل الذكريات ورسم معالم مسيرة الآلام الفلسطينية المتمددة ما بين نكبة فلسطين الكبرى عام 1948 ، ونكبتها الصغرى عام 1967، وتصوير لحقيقة المعاناة وإظهار مدينة القدس المطوقة بواقع الاحتلال الصهيوني، كصورة رمزية عن وطن مُحاصر بأكمله، فيها توصيف بصري صادق لمحنة اللاجئتين الفلسطينيين الذين هُجروا خارج أسوار الوطن الفلسطيني، ليسكنوا الخيام في أماكن اللجوء متعددة الأسماء والأوصاف، اللوحة بعناصرها ومفرداتها الشكلية ومعانيها، تُلخص المعاناة الفلسطينية، وتفتح بوابة الوعي البصري مُشرعة لفهم القضايا السياسية والإنسانية المفصلية المتصلة بالشعب العربي الفلسطيني، وجوهر مسألة الصراع العربي الصهيوني،ودور الحكومات العربية في تكريس وإبقاء واقع التشرد واستلاب الحقوق الوطنية الفلسطيني ومنع إقامة دولتهم الفلسطينية بعاصمتهم الأبدية مدينة القدس الشريف وعودة اللاجئين، وكأنها تعبير صادق عن روح الفنان وأحاسيسه، ومكابدته الشخصيةلمعاني التهجير والهجرة والتنقل ما بين العواصم العربية والأعجمية كلاجئ، ينقلنا من مساحة الجمال والمُخيلة إلى حيز الواقع الفلسطيني المرير.
لوحة عيوننا تنظر إليك كل يوم
عِبر معمارية التكوين الفني في لوحة مُرتكزة على جمالية الفكرة الموضوعية والمسحة التقنية الرابطة ما بين مجموعة من المفردات والرموز والعناصر الموزعة في سطوح اللوحة، مُقسمة في ثلاثة أبعاد بصرية منظورة، الأول واقع التشرد والخيام والشجرة عارية الأوراق والتي تفصل الشعب الفلسطيني مابين داخل ومُشرد عن موطنة بأسلاك شائكة، والثاني مساحة الأرض اليانعة والمخضرة ومدينة القدس في بيوتها المتراصة يتوسطها قبة الصخرة المُشرفة،والثالث السماء الزرقاء العامرة بغيوم الخير والعطاء. فيها وضوح بصري ومعنوي ما بين واقعيين، لاجئون ما زالوا حالمين وممسكين بأمل العودة ومتدثرين زيهم الفلسطيني التقليدي،وآخرون ينظرون عودة الغائبين،صاغها الفنان في لمسة واقعية تسجيلية فاتحة سجلها البصري على واقع شعب وعدالة قضية.