الثامـــــن مـــــن مــــارس يــــوم المــــرأة العــــالمي
لا شك في أن ما وصل إليه المجتمع الإنساني من تقدير لبعض الأشياء والاعتراف بفضل ذوى الفضل، كل ذلك قفزة وترقي في سلم الأخلاق الإنسانية، لا أحد ينكر ذلك، فالاعتراف بحقوق الطفل والعمال والأمهات والآباء والمرأة .. وما إلى ذلك هو سمو بالأخلاق البشرية ودعوة إلى التواصل والتلاحم بين أفراد المجتمع، وتلطيف للحياة المادية التي طغت بصورة ملحوظة في هذا العصر ومن ضمن هذه الحقوق التي دان بها المجتمع الإنساني حق المرأة.
ومما لا إنكار له أن المرأة في المجتمعات الأخرى المختلفة قد ذاقت الوبال، فكانت في اعتقاد البعض أنها مصدر الشقاء للبشرية، وأنها سبب في طرد آدام من دار النعيم، وكانت في بعض المجتمعات تُباع وتُشترى وتستخدم في الأعمال الدنيئة، حتى أن بعضهم كانت عنده ريبة في أن المرأة هل هي روح إنساني أم لا؟
فجاء المفكرون المعتدلون في تلك المجتمعات ووجدوا أن هذه الأفكار والسلوكيات فيها إجحاف للمرأة، فحاولوا تعديل كفة الميزان، وجعلوا للمرأة حقوقاً كانت مطموسة من قبل، ومن ضمن ذلك أن جعلوا للمرأة يوماً عالمياً في كل سنة وهو اليوم الذي يوافق الثامن من شهر مارس آذار. وذلك لكى لا ينسى المجتمع ما للمرأة من حق.
وطغت هذه الفكرة على المجتمعات البشرية في العالم على اختلاف دياناتها وأفكارها وفلسفاتها، فأصبح الجميع يتغنى بيوم المرأة العالمي، بما فيهم المجتمعات المسلمة.
ونحن بدورنا نتساءل هل أهمل الإسلام حق المرأة أو أي حق للإنسان في المجتمع الإسلامي؟
بالطبع الجواب لا.. وألف لا، فلقد جاء الإسلام ليساوي المرأة بالرجل في كل الحقوق وأعلى من شأنها في كل المجالات، في العلم والعمل والاحترام والتقدير والميراث واحترم رأيها وعقلها وحافظ على شخصيتها.. مثلها مثل الرجل " لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ " النساء 32
لم يغفل الإسلام المرأة في شيء، وإن كان عافاها من بعض الأعمال فما ذلك إلا لأنه ليس من طبيعتها، وتكليفها بذلك فيه جور عليها وظلم لها. لا انتقاص من حقوقها.
فمثلاً جعل القوامة في البيت للرجل وفي ذلك إكرام لها، فالقوامة تعنى المسؤولية العامة وتوفير كل ما يلزم البيت من مأكل ومشرب ومأوى ... إلى غير ذلك، ويلزم القوامة الدفاع عن البيت إن تعرض للاعتداء أو الإهانة ويلزمها اتخاذ القرارات المصيرية التي تكلف متخذها العناء، كل ذلك ألزمه الإسلام بالرجل، لأنه أقدر على ذلك وأجلد واصبر عليه، وعافى منه المرأة وصانها في بيتها كريمة عفيفة لا تبرحه.
أحيانا تتعرض المرأة لفقد العائل وهو الرجل، فتصبح أرملة ذات أيتام، في مثل هذه الحالة نَدب إلى الزواج بها، لتجد عائلاً آخر يعوضها عن عائلها الأول وجعلها تلح على الله عز وجل بالدعاء من أجل ذلك كما كان الحال مع أم سلمة رضى الله عنها عندما استشهد أبو سلمة رضى الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم لها قولي " اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها "، وإن لم تتمكن من الحصول على ذلك العائل فلقد ندب الإسلام إلى المسارعة للسعى على الأرملة وجعل لمن يفعل ذلك الأجر العظيم والدرجات العلا في الجنان ..
أي كرامة أبلغ من ذلك .. كل ذلك أمر بديهي في دين الإسلام لا يحتاج إلى الإيغال في الفكر..
ولكن الشيء الملاحظ أن المجتمعات المسلمة تسارع للاحتفال بهذا اليوم ومجاراة الأمم في ذلك، وكأن المرأة قد كانت مهانة كما هي الحال في مجتمعاتهم وترتفع الأصوات بإحقاق حقوق المرأة وأن المرأة .. والمرأة .. والمرأة ..
نعود ونقول إن الإسلام لا يمنع الترقي في الأخلاق بل يحث عليه، حتى أنه لا يمنع من الإحسان إلى المخالفين في الدين إن لم يتعرضوا للإسلام وأهله بالأذى، " لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " الممتحنة 8
ولكن نقول كيف ينسى المسلم معينه الصافي الذي لا ينضب ألا وهو القرآن الكريم والسنة المطهرة والثروة الهائلة من الفكر الإسلامي والفقه، ثم يروح يستقى أفكاره وعاداته وتقاليده من أفكار اختلطت بالشوائب المختلفة، وما هذا إلا لعدم معرفة المسلم نفسه ودينه حق المعرفة، يرى الفضل عند الآخرين وينسى ما آتاه الله له من خير عظيم وعميم حتى جعل الأمة المسلمة خير أمة أخرجت للناس بما حباها من رسالة عظيمة، " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ " آل عمران110، فلا يكون حالنا كحال بنى إسرائيل عندما قالوا لنبيهم وقد مروا على قوم يعكفون على أصنام لهم " وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ " الأعراف 138