أحمد درويش عبد السيد
لكل زرع طيب ثمرة طيبة ، وقد أثمر اهتمام الإسلام بالإنسان ، وحرصه على تنمية مهاراته في مختلف المجالات ، ودعم روح الإبداع لديه ثماراً طيبة ظهرت في العديد من الاكتشافات والابتكارات والمخترعات التي سبق بها المسلمون العالم ، وكانت سبباً في نفع البشرية على مر العصور ، ومنهلاً عذباً ينهل منه العلماء والباحثون والمفكرون ، فتعلموا وطوروا وخدموا البشرية في شتى المجالات ، وبمشيئة الله تعالى سوف نذكر بعضاً من هذه الاكتشافات والابتكارات والمخترعات وذلك كما يلي:
أول مستشفى:
أول من أنشأ المستشفيات بالصورة التي نراها الآن هم المسلمون ، حيث قدموا أفضل الخدمات الطبية الممكنة بحسب زمنهم لكل الناس وبالمجان ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن من واجبهم توفير العلاج للمرضى مهما كانوا .
وتم بناء أول مستشفى منظم في القاهرة عام 872هـ ، وهو مستشفى "أحمد بن طولون" الذي كان يقدم العلاج والدواء مجاناً لجميع المرضى ، وكان يوفر حمامات منفصلة للرجال والنساء ، وكان به قسم خاص للمرضى النفسيين .
وكانت إدارة المستشفى تتسلم من المرضى ملابسهم لتقوم بحفظها بعد أن يُعطوا ملابس خاصة بالمستشفى استعداداً لإقامتهم بالمستشفى ، وكان لكل مريض سجل طبي خاص .
وازدهرت مثل هذه المستشفيات بسبب تنافس حكام المسلمين على بناء المراكز الطبية الأرقى في أرجاء العالم الإسلامي حتى وصلت هذه المستشفيات صقلية وشمال إفريقيا ، وكانت تمول من الأوقاف الخيرية ومن خزينة الدولة .
أول مدرسة للصيدلة:
المسلمون هم أول من أنشأ مدرسة للصيدلة في العصور الوسطى ، وهم أول من أنشأ صيدلية ، فضلاً عن وضع الكثير من مبادئ علم الصيدلة .
أول إزالة للمياه البيضاء:
أجريت أول عملية لإزالة إعتام عدسة العين (المياه البيضاء) في العراق في وقت مبكر في القرن العاشر الميلادي ، ولم يخل كتاب طبي للمسلمين منذ ألف سنة من التعرض لبعض جوانب أمراض العيون ، وكان أطباء العيون المسلمون منذ القرن العاشر حتى القرن الثالث عشر الميلادي يجرون العمليات الجراحية ويقومون بالتشريح والبحث وكتابة النتائج التي توصلوا إليها في كتبهم ودراساتهم .
رائد جراحة التجميل:
يعد الجراح المسلم أبو القاسم الزهراوي رائد جراحات التجميل ، حيث مارس ذلك في القرن العاشر الميلادي ، وأن معظم الأدوات التي اخترعها هذا العالم المسلم لا تزال تستخدم حتى اليوم في جراحات التجميل ، وتحدث الزهراوي في موسوعته الطبية "التصريف لمن عجز عن التأليف" عن عملية جراحية لإزالة ورم الأنف ، والتعامل مع جراحات العيون والآذان والأسنان .
الأدوات الجراحية :
قدم الزهراوي في موسوعته الطبية "التصريف لمن عجز عن التأليف" أكثر من 200 من الأدوات الجراحية ، حيث بين فيها متى وكيف يستخدم كل منها .
المجلات والكتب الطبية :
كتب المسلمون العديد من المجلات الطبية المختلفة منذ 1000 سنة ولا تزال موجودة إلى الآن ، كما ألفوا العديد من الكتب التي تمت ترجمتها إلى اللغة اللاتينية ، منها كتاب "القانون" لابن سينا الذي ظل مرجعاً رئيسياً لعدة قرون .
أول فرشاة أسنان :
قبل اختراع معجون الأسنان بدهور كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعلم المسلمين كيفية تنظيف أسنانهم بالسواك ، وقد ثبت حديثاً احتواء السواك على مواد تفيد في حماية الأسنان وتطييب النفس .
الكيمياء:
الكميائيون المسلمون هم أول من اخترعوا عمليات تقطير خالصة تمكنهم من فصل المواد الكميائية بصورة كاملة ، بالإضافة إلى ذلك فقد طوروا أنواعاً عديدة من التقطير مثل التقطير الجاف ، والتقطير الهدّام ، والتقطير البخاري .
وقد اخترعوا أيضاً أدوات تقطير مثل المعوجة والإمبيق والمِقْطر ، هذا بالإضافة إلى ابتكار عمليات كميائية مختلفة وما يزيد عن 2000 مادة كميائية .
العمليات الكميائية :
* جابر بن حيان أول من اخترع العمليات الكميائية الآتية في القرن الثامن :
التقطير الخالص . الترشيح . التبلور ، التَمَيّع Liquefaction ، التكرير ، الأكسدة والتبخير .
* قام أبو بكر الرازي باختراع العمليات الكميائية الآتية في القرن التاسع :
التقطير الجاف . التكليس Calcination . التحليل ، التصعيد ، التلغيم Amalgamation ، التشميع ، بالإضافة إلى طريقة لتحويل المادة الكميائية إلى عجينة سميكة أو مادة صلبة قابلة للانصهار .
* وهناك عمليات كميائية أخرى أُخترعت من قبل علماء مسلمين آخرون مثل :
التقطير الهدّام ، وقد أُخترعت في القرن الثامن لإنتاج القار من البترول . التقطير البخاري على يد ابن سينا في بدايات القرن الحادي عشر لإنتاج الزيوت الأساسية Essential Oils . تكرير المياه .
أدوات معملية :
الإنبيق والمِقْطر على يد جابر بن حيان في القرن التاسع . المعوجة على يد جابر بن حيان . مقياس الحرارة أو الترمومتر ، وترمومتر الهواء في القرن الحادي عشر على يد ابن سينا . قارورة المختبر والمِثْقًلًة أو مقياس الكثافة (البكنومتر) Pycnometer على يد أبو الريحان البيروني . ميزان الموائع ، والميزان القبّانيّ على يد عبد الرحمن الخزيني .
صناعة العطور :
بدأت صناعة العطور على يد جابر بن حيان ويعقوب بن إسحاق الكندي . أجري الكندي أبحاثاً مكثفة وتجارب على دمج نباتات مختلفة ومصادر أخرى لإنتاج العطور . استخراج الشذي من خلال التقطير البخاري على يد ابن سينا في القرن الحادي عشر .
القهوة :
تم اكتشاف البن لأول مرة في اليمن في القرن التاسع الميلادي ، حيث ساعد المتصوفة على البقاء حتى وقت متأخر من الليل يصلون ويتعبدون ، وتم إحضاره إلى القاهرة في وقت لاحق ثم سرعان ما انتشر في كل أنحاء الخلافة الإسلامية ، وبحلول القرن الثالث عشر وصلت القهوة إلى تركيا ، لكن حتى القرن السادس عشر لم تكن حباتها تغلى بعد في أوروبا التي لم تعرفها إلا بعد استقدام تاجر إيطالي للقهوة لبيعها في مدينة البندقية .
الموسيقى :
اخترع المسلمون العود والعديد من آلات الموسيقية ، كما أن النوتة الموسيقية تستخدم حتى الآن أبجديات عربية .
المسلمون والفلك :
كان الفلك محور اهتمام علماء المسلمين منذ أكثر من ألف سنة ، وتعد الإنجازات التي حققها المسلمون في هذا المجال أساساً للتطور الذي طرأ بعد ذلك على هذا العلم في أوروبا ، وعلى الرغم من أن البولندي كوبرنيكوس هو مؤسس علم الفلك الحديث ، لكن المؤرخين أثبتوا أخيراً أن معظم نظرياته اعتمدت على نظريات نصير الدين الطوسي وابن الشاطر ، فنظرية الكواكب والنماذج لابن الشاطر مطابقة تماماً لتلك التي أعدها كوبرنيكوس بعده بأكثر من قرن ، الأمر الذي أثار جدلاً حول كيفية حصول كوبرنيكوس على تلك المعلومات ، وأطلق مؤرخو علم الفلك على الفترة الزمنية من القرن الثامن إلى القرن الرابع عشر الميلادي اسم "الحقبة الإسلامية" ، حيث أن أغلبية الدراسات المتعلقة بالنجوم في هذه الفترة كانت تتم في العالم الإسلامي .
كما قام الفلكيون المسلمون بتطوير العديد من الأدوات الفلكية ، بالإضافة إلى أنواع متعددة من الأسطرلابات ، هذه الأدوات استخدمها المسلمون في مجالات شتى مثل الفلك والتنجيم والأبراج والملاحة ومعرفة الوقت وتحديد اتجاه القبلة وما إلى ذلك .
أول مرصد.. إسلامي :
حيث أعطى الخليفة المأمون الذي حكم بغداد خلال الفترة بين 813 / 833م ، أهمية خاصة لعلم الفلك ، وبنى أول مرصد في الإسلام ، بل يمكن القول إنه بنى أول مرصد في العالم أو في التاريخ .
رصد النجوم .. الإسطرلاب :
إن كلمة "إسطرلاب" هي كلمة عربية الأصل ، وهي الآلة المستخدمة لرصد النجوم ، وقد استخدمها علماء الفلك المسلمون على نطاق واسع ، وظلت معروفة في العالم الإسلامي حتى القرن التاسع عشر الميلادي ، وذكر عبد الرحمن الصوفي ، وهو واحد من أشهر علماء الفلك في العالم الإسلامي في القرن العاشر الميلادي في كتاباته العديد من أسباب استخدام الإسطرلاب .
الأسطرلاب النحاسي على يد محمد الفزاري في القرن الثامن . أسطرلاب يعمل بتروس ميكانيكية على يد ابن سمح . أسطرلاب ملاحي يستعمل نظام الإحداثيات القطبية . الأسطرلاب المتعامد على يد أبو الريحان البيروني في القرن الحادي عشر . أسطرلاب عام لجميع خطوط العرض على يد إبراهيم بن يحيى الزرقالي في القرن الحادي عشر في الأندلس . الأسطرلاب الكروي في القرن الرابع عشر . كرات سماوية يمكن من خلالها حساب ارتفاع الشمس والمطلع المستقيم والميل الزاوي للنجوم ، صنعت في القرن الحادي عشر .
الحاسبات التناظرية :
البلانيسفير على يد أبو الريحان البيروني في القرن الحادي عشر . حاسوب تناظري لتقويم قمري شمسي ميكانيكي يعمل بتروس على يد أبو الريحان البيروني . طبق الاقتران ، وهي آلة حسابية استخدمت لتحديد الوقت الذي سيحدث فيه الاقتران الكوكبي ، صنعت على يد غياث الدين الكاشي في القرن الخامس عشر .
الساعات الفلكية :
قام الفلكيون والمهندسون المسلمون بإنشاء أنواعاً مختلفة من الساعات الفلكية عالية الدقة لاستخدامها في مراقباتهم :
قام الجزري بابتكار ساعة فلكية ضخمة تعمل بقوة الماء والتي تعرض أجسام متحركة تمثل الشمس والقمر والنجوم ، هذه الساعة كانت تعرض أيضاً دائرة الأبراج والمدار الشمسي والقمري ، وكان بها أيضاً خاصية فريدة هي مؤشر ينتقل عبر قمة ممر دخول ويجعل أبوباً تفتح تلقائياً كل ساعة . قام تقي الدين محمد بن معروف باختراع الساعة القابلة للملاحظة ، والتي وصفها على أنها "ساعة ميكانيكية بها ثلاثة أقراص تعرض الساعات والدقائق والثواني" ، وكانت تستخدم في الأغراض الفلكية ، وبخاصة حساب المطلع المستقيم للنجوم ، وتعتبر هذه الساعة من أهم الابتكارات في الممارسة الفلكية في القرن السادس عشر ، حيث أن الساعات السابقة لها لم تكن دقيقة بما يكفي لاستخدامها في الأغراض الفلكية .
الساعات الشمعية :
الساعة الشمعية هي شمعة رفيعة عليها علامات ذات مسافات ثابتة (عادة تكون مرقمة) ، وعندما تُحرق تدل على مقدار الزمن الذي مضي ، وعلى الرغم من أن الساعات الشمعية لم تعد تستعمل الآن ، فهي تقدم طريقة ذات كفاءة جيدة للدلالة على الوقت في الليل أو الأيام الغائمة .
وصف الجزري أعقد ساعات شمعية عرفت حتي الآن ، هذه الساعات صممت على أساس استخدام شمعة كبيرة ذات وزن ومقطع عرضي ثابت وذات معدل احتراق معروف ، موضوعة في غلاف حديدي مع غطاء ملائم ، الجزء السفلي من الشمعة يرقد في إناء عميق له حلقة جانبه متصلة بثقل موازن من خلال بكرة ، كلما احترقت الشمعة ، كلما دفعها الثقل إلى أعلى بسرعة ثابتة ، في حين وجود آلة ذاتية التشغيل تعمل من الإناء الذي هو في أسفل الشمعة .
أول محاولة طيران.. كانت إسلامية :
كان عباس بن فرناس هو أول شخص يقوم بمحاولة جادة لإنشاء آلة طيران ، وكانت رحلته الأولى في قرطبة عام 852م ، وكان ابن فرناس متعدد المواهب ، فقد كان شاعراً وعالماً في الفلك ، لكن شهرته كانت من بناء آلة طيران هي الأولى من نوعها قادرة على حمل الإنسان في الهواء ، وقفز بها من مئذنة الجامع الكبير في قرطبة ، ورغم فشل هذه المحاولة فقد واصل العمل على تحسين تصميمه .
تقنية الكاميرا :
في العصور القديمة ، آمن إقليدس وكلاوديوس بطليموس بأن العين تبعث أشعة ضوئية تمكننا من الرؤية ، وكان أول من أدرك أن الأشعة الضوئية لا تنبعث من العين بل تدخل إليها هو العالم المسلم الحسن بن الهيثم في القرن العاشر ، والذي يعد أباً لعلم البصريات ، وهو يعد أيضاً أول من نقل علم الفيزياء من الممارسة النظرية الفلسفية إلى الممارسة العملية ، عن طريق تطويره للمنهج العلمي .
الكاميرا ذات الثقب :
المصطلح (كاميرا) أتٍ من كلمة قمرة العربية وتعني ثقب يبعث الضوء في مكان مظلم ، وأول وصف لها عن ابن الهيثم .
وكان الحسن بن الهيثم أول من صنـع الكاميرا ذات الثقب بعد أن لاحظ الطريقة التي يمر بها الضوء خلال ثقب في مصراعي نافذة .
المقالة من كتاب (تركة المصطفى ﷺ وشريعة الإسلام) جـ3 للمؤلف.