لم تكن هذه السنة سهلة بالنسبة للملكة العربية السعودية، فقد انتهت على غير ما يرتجى، إذ لم تنجز معظم الوعود التي قطعها ولي العهد محمد بن سلمان على نفسه، فظلت إما تراوح مكانها أو صدر قرار بتأجيلها.
والأسباب من وراء ذلك لا تتعلق على إطلاقها بجائحة كوفيد-19 التي لم ينج من شرها حتى الدول الديمقراطية ذات الاقتصاديات المتينة في العالم، ناهيك عن أن تنجو من أثارها المدمرة البلدان الهشة المعتمدة كليا على النفط مثل المملكة العربية السعودية.
ما زال الوعد بإنهاء اعتماد المملكة العربية السعودية على النفط ينتظر الوفاء به من خلال مشاريع التنويع الصارمة. ومع استمرار أسعار النفط في الانخفاض، لا يوجد أمام القيادة السعودية خيار سوى الاستمرار في السحب من احتياطيها السيادي والاقتراض من أسواق المال العالمية.
لا الاستثمارات الخارجية ولا الأموال المحلية يمكنها تغطية تكاليف مشاريع التنمية الجديدة التي خطط لها ولي العهد. وبغض النظر عن تراجع الطلب على النفط أثناء الجائحة، ما زال ولي العهد لا يستوعب المضامين الكاملة لسوق متغيرة لم يعد النفط السعودي فيها هو المصدر الرئيس للطاقة – إننا بصدد مستقبل مختلف لا احتراق فيه ولا تلوث.
لم تنجح المملكة العربية السعودية في تحقيق مستوى من التنوع يمكن أن يقلص اعتمادها على النفط إلى النصف. وقد تصبح البلد بلا قيمة كمصدر للطاقة؛ لأن أعدادا متزايدة من البلدان الصناعية ستتحول خلال السنوات القليلة القادمة إلى مصادر نظيفة للطاقة.
لا تكمن مشاكل ولي العهد فقط في تراجع الدخل من النفط والإخفاق في إطلاق برامج التنويع التي وعد بها ضمن رؤية 2030. بل سوف يظل مطاردا من قبل شبح انعدام الإجماع على قيادته فيما لو توفي والده، الملك سلمان، في عام 2021.
على المدى القصير، يتوقع أن تتكثف حملة الاعتقالات التي يشنها ضد أقاربه، وأن تصل إلى دائرة أوسع، لتشمل الأمراء المهمشين والساخطين، خاصة الأثرياء منهم. لسوف يجد نفسه مضطرا لأن يمد يده إلى ثرواتهم لمنعهم من الاحتجاج على زعامته، أو ربما يأمر بوضعهم تحت الإقامة الجبرية، كما فعل خلال السنوات الأخيرة.
ولاءات مجهدة
سوف يؤدي التحول الاقتصادي العالمي غير المتوقع بعيدا عن النفط إلى تقييد قدرة المملكة العربية السعودية على الاحتفاظ بولاء مواطنيها إذا لم تعد قادرة على توفير الخدمات الأساسية التي تعودوا عليها. ولعل الضرائب التي فرضت أخيرا على السكان، مثل ضريبة القيمة المضافة، تؤشر على بداية علاقة مضطربة بين الدولة والمجتمع؛ لأن المواطنين الذين لا يشاركون في اختيار الحاكم سيتوقع منهم تمويل خزينة تنقصها الشفافية – في العادة تختفي منها كميات مجهولة لتستقر في جيوب حفنة من الأمراء.
ومن دون تمثيل سياسي ولا شفافية قد يبدأ السعوديون بطرح أسئلة حول الكيفية التي تنفق فيها ضرائبهم، ومن ثم يصرون على أن يكون لهم رأي في أمر توزيعها. فكما أن الحكومة تمنحهم رواتبهم كموظفين عاملين في القطاع العام، لسوف تأخذ نسبة كبيرة من أموالهم لكي تجسر الهوة بين الإيرادات والإنفاق.
لا يبدي النظام أمارات على الاستعداد لإشراك السعوديين في عملية صناعة القرار. وبالتالي فإن الكثيرين منهم سيشعرون بمزيد من التهميش والحرمان. وسرعان ما سيبدأون في طرح أسئلة جادة حول مستقبلهم في مملكة مطلقة ما فتئت تقاوم كل دعوة للإصلاح السياسي.
ولكن قد لا يكون انخفاض إيرادات النفط السعودي بالأمر السيئ بالنسبة للمنطقة العربية، وذلك لأن المملكة العربية السعودية ستكون لديها أموال أقل لتستخدمها في الدفع بالسياسات الرجعية في المنطقة، مثلما فعلت عندما مولت الحراك المضاد للانتفاضات العربية التي انطلقت في عام 2011، وعندما أغدقت القيادة السعودية المال لكي تسحق مسيرة التحول الديمقراطي في المنطقة.
بوجود كميات أقل من النقد في المحفظة السعودية، قد لا يتسنى دعم وإعادة تعزيز الحكم العسكري والسلطوي من مصر إلى البحرين. كما أن الاستمرار في المغامرات العسكرية في اليمن ستكون مخاطره أكبر، وأضراره أعظم، في ظل عدم توفر ما يكفي من المال لتغطية تكاليف هذه الشطحات.
عامل بايدن
بينما سوف يتضرر الكثير من المهاجرين العرب والآسيويين والأفارقة بسبب انكماش قدرة المملكة العربية السعودية على استيراد العمالة الأجنبية، إلا أن الكثيرين في المنطقة سيستفيدون على المدى البعيد، لأن المملكة المطلقة ستتعثر في مساعيها للتدخل، بدعم مالي، دبلوماسيا أو عسكريا، في شؤون المنطقة. سوف يستفيد العالم العربي من انكماش الموارد المالية للسعودية، التي ما فتئت تاريخيا تدعم كثيرا من الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة.
منذ انتخاب جو بايدن رئيسا قادم للولايات المتحدة، فقد النظام السعودي التأييد غير المشروط للرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، الذي بذل كل ما في وسعه لتحصين المملكة العربية السعودية من العدالة الدولية، بعد جريمة القتل التي تعرض لها الصحفي جمال خاشقجي، وأخفق في انتقاد سجل البلد في مجال حقوق الإنسان، ولم يحاول مطلقا وقف الحرب التي تشنها السعودية على اليمن منذ خمسة أعوام.
في عام 2001، سوف تواجه المملكة العربية السعودية إدارة أمريكية جديدة صدر عن كبار القادة فيها ما يكفي من الصخب، بحيث يحق لولي العهد محمد بن سلمان أن يساوره القلق، وله كامل الحق في أن يقلق، ليس فقط إزاء الالتزام الأمريكي بحماية تمسكه بالعرش، وإنما أيضا إزاء عودة واشنطن المتوقعة إلي التفاوض مع العدو اللدود للمملكة العربية السعودية، إيران.
سوف يجد ولي العهد نفسه، وبشكل متزايد، ينجرف إلى أحضان إسرائيل؛ بحثا عن إحساس كاذب بالأمن، ويقوم على النقل السري لتقنيات المراقبة والدفاع إلى الرياض، وشن هجمات على إيران، وغير ذلك من برامج التعاون السري المتنوعة. سوف يسود الرياض إحساس بالأمن المتوهم نتيجة لتعاون أكبر مع إسرائيل، وربما التطبيع. إلا أن الأمن الحقيقي سيبقى بعيد المنال.
الأيام القادمة ستكون أسوأ
كانت سنة 2020 بشكل عام سنة سيئة بالنسبة لولي العهد الطموح. ساءت سمعته على مستوى العالم، وتراجعت قوته الشرائية، وتوقفت أحلامه في فتح المملكة العربية السعودية على العالم ماليا وسياحيا.
ثم جاءت الجائحة لتضخم من توجه كان واضحا للعيان. ولذلك لا يمكن اعتبار كوفيد-19 السبب الوحيد من وراء القلق الذي يشعر به محمد بن سلمان في هذه اللحظة. ولسوف تستمر الظروف التي سببت له المشاكل في البقاء معه طوال 2021، وقد تزداد سوءا.
نقلا عن (ميدل إيست آي)