عام كورونا... مسيرة الوباء العالمي في سنة 2020


تم النشر 21 ديسمبر 2020


عدد المشاهدات: 2381

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


عام 2020 كان سنة تغير شكل الحياة؛ فمن إغلاق دام أشهراً، إلى حجر منزلي، وإجراءت تباعد جسدي، مُنعت الزيارات المتبادلة، وأوقف التعليم في المدارس وممارسة الرياضة في القاعات والهواء الطلق حتى، وأغلقت دور السينما، ليصبح الأكل في المطاعم حتى شبه غائب. واليوم، وعلى الرغم من مرور عام على بدء الوباء العالمي، ما زالت معدلات الإصابة بالفيروس مرتفعة، لكن من ناحية أخرى، تمكن العالم من التوصل إلى لقاحات عدة، تتخذ مسارها نحو بدء حملات التطعيم، أو متابعة مسار الترخيص أو التجارب. يُعتبر فيروس كورونا الجديد اختباراً غير مسبوق للبشرية، إذ لم يحدث من قبل أن تأثرت حياة كثير من الناس حول العالم بهذا الحجم أو السرعة، ومن المرجح حتى مع انحساره، أن يتغير كثير من المفاهيم في حياتنا وفي أسلوب عيشنا. وحتى اليوم ما زالت هناك علامات استفهام كثيرة من دون إجابات: فكيف ظهر الفيروس؟ وكيف تطور؟ وهل ستعود الحياة إلى سابق عهدها؟ وما هي التغيرات التي ستطرأ على العالم؟

غموض وتحذيرات
شكل 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي علامة فارقة في حياة الملايين من السكان حول العالم. ففي هذا التاريخ كشفت منظمة الصحة العالمية، أنّها تلقت تقارير من الصين، تفيد بوجود مرضى يعانون من التهابات رئوية، غير معروفة المصدر، في مدينة ووهان شرقي البلاد. وبحسب المنظمة، فإنّ هذه الإصابات جرى رصدها في سوق السمك في المدينة، ويشتبه أن تكون مشابهة لفيروس سارس الذي انتشر قبل أعوام. وقبل الإعلان عن هذه الإصابات، حاول الطبيب في مستشفى ووهان المركزي، لي وين ليانغ، تحذير زملائه من احتمال تفشي مرض جديد، لكن الشرطة طلبت منه "التوقف عن الإدلاء بتعليقات كاذبة" وتم التحقيق معه بسبب "نشر شائعات"، بحسب بيانات نشرتها حينها وسائل الإعلام الدولية. ومع استمرار ارتفاع أعداد المصابين، توصل علماء إلى أنّ فيروساً تاجياً كان السبب لأمراض الرئة، إذ أصيبوا بارتفاع في درجات الحرارة، وأعراض تشبه الإنفلونزا، لكنّها تصيب الجهاز التنفسي. ولم يكد يمضي الأسبوع الأول من العام 2020، حتى أعلنت السلطات الصينية، عن تسجيل أول وفاة بسبب مرض ناجم عن الفيروس. سجلت الوفاة، لرجل يبلغ من العمر 61 عاماً، كان قد أصيب بالمرض بعد تردده على سوق السمك.
ولم يكد يمر 20 يوماً على بداية العام، حتى بدأت تظهر عوارض مشابهة لفيروس سارس في مناطق وعواصم مختلفة من العالم، فكانت الولايات المتحدة، من أوائل الدول التي أعلنت إصابة رجل ثلاثيني، كان في رحلة إلى مدينة ووهان. ولم تكن الدول العربية بدورها بعيدة أو بمنأى عن انتشار الفيروس، إذ أعلنت الإمارات عن 4 إصابات، لتكون بذلك أول دولة عربية تعلن عن وجود إصابات بالمرض الغامض.

مع اتساع أعداد المصابين عالمياً، طلبت منظمة الصحة العالمية إعلان حالة طوارئ صحية عالمية، إذ بلغ عدد المصابين بالفيروس نحو 9800 شخص. وتعني حالة الطوارئ الصحية، تأهب القطاع الصحي العالمي، واتخاذ جميع التدابير الوقائية قبل انتقال المرض إلى مرحلة الوباء. تكلل إعلان المنظمة بالنجاح، إذ كانت ووهان قد بدأت أول إغلاق في العالم، وعلقت السلطات العامة مترو الأنفاق، والعبّارات، وأوقفت كذلك حركة الطيران والقطارات. كذلك، طلبت الإدارة الأميركية من مواطنيها البقاء في البيت، والخروج في حالات الضرورة القصوى.
لم تكن الحال أفضل في الاتحاد الأوروبي، إذ سجلت المملكة المتحدة أولى الإصابات في العاشر من فبراير/ شباط الماضي. وحتى تاريخ 11 فبراير، لم يكن قد عرف فيروس كورونا الجديد بهذه التسمية، لأنّ الخبراء ظنوا أنّ الإصابات الجديدة، ناتجه عن سلالة جديدة من سارس، إلى أن أعلنت منظمة الصحة العالمية إطلاق هذا الاسم في ذلك اليوم، فهو من فصيلة كورونا (الفيروسات التاجية) لكنّه مختلف، فبات يحمل اسم فيروس كورونا الجديد. في 14 فبراير، أعلنت فرنسا عن تسجيل أول وفاة بكورونا في أوروبا، إذ قالت السلطات "إن سائحاً صينياً يبلغ من العمر 80 عاماً توفي في مستشفى في باريس". وتعد هذه رابع حالة وفاة بالفيروس خارج البرّ الرئيسي للصين، حيث توفي نحو 1500 شخص، معظمهم في مقاطعة هوباي، وعاصمتها ووهان. 

فحص "بي سي آر" في مونتيفيديو (بابلو بورتشيونكولا/ فرانس برس)

فحص "بي سي آر" في مونتيفيديو (بابلو بورتشيونكولا/ فرانس برس)

وباء عالمي
في تلك المرحلة الزمنية، كان خبراء الصحة يخوضون معارك لمعرفة كيفية انتقال الفيروس، حتى أعلنت منظمة الصحة العالمية، في الأول من مارس/ آذار، أنّ الفيروس ينتقل عبر البشر من خلال انتقال جزئيات منه عبر الهواء من خلال قطيرات الفم والأنف، وهو ما يستجدي ضرورة التباعد الجسدي والتزام مسافة مترين بين شخص وآخر، التي قلصت في ما بعد إلى متر ونصف متر، مع الالتزام بالكمامات لعدم نقل القطيرات أو تنشقها، والقفازات لعدم لمس الأسطح الملوثة بالفيروس.
مع الإعلان عن ضرورة اتخاذ هذه التدابير، كان القطاع التعليمي في العالم يشهد اختباراً هو الأهم، إذ طلبت السلطات في معظم دول العالم تعليق المدارس، واللجوء إلى التعليم عن بعد، نظراً لانعكاس الاختلاط بين التلاميذ والكادر التعليمي سلباً على مستوى العدوى، وهو ما أدى إلى توقف مليار تلميذ عن الدراسة في العالم، بحسب البنك الدولي.
في 6 مارس، كان العالم على موعد مع كارثة اجتماعية وصحية، بعد رفض السلطات الأميركية رسو سفينة رحلات بحرية في كاليفورنيا، بعدما جرى الإعلان عن إصابة 46 شخصاً على متنها بالفيروس. احتجزت السفينة في البحر بدلاً من السماح لها بالرسوّ. ومنذ ذلك الحدث، رفع 60 راكباً دعوى قضائية على خط الرحلات البحرية بسبب الإهمال الجسيم في كيفية التعامل مع سلامة الركاب.

على الصعيد العلمي، كان خبراء الصحة، قد توصلوا إلى أنّ عقار "هيدروكسي كلوروكين" المخصص لعلاج الملاريا، أثبت فاعليته في معالجة مرضى كورونا، بحسب ما أعلنت جامعة "مينيسوتا" كما أشارت إلى أنّها بدأت تجربة إكلينيكية للتحقيق في ما إذا كان "هيدروكسي كلوروكين" يمكن أن يمنع الفرد من الإصابة بالمرض. ولاحقاً تبين زيف هذا الاعتقاد. ومع ارتفاع الإصابات وانتشارها حول العالم، أعلنت منظمة الصحة العالمية، في 11 مارس/ آذار 2020، أنّ فيروس كورونا الجديد، وصل إلى مرحلة الجائحة، أي الوباء العالمي، خصوصاً مع عدم التوصل إلى لقاح فعال له.

آثار الفيروس
بدأت تظهر تأثيرات الفيروس على نواحي الحياة كافة، فقد جرى تسجيل لقطات وصور من عواصم مختلفة من العالم، تظهر اقتحام الحيوانات البرية المدن الكبيرة، بعدما أصبحت شبه خالية. في مارس، كانت معظم الدول قد طبقت الإغلاق العام، وهو ما أدى إلى حصول تغييرات اجتماعية على نطاق واسع. أولى هذه التحديات كانت اقتصادية، إذ أعلنت منظمة أونكتاد (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) أنّ الاقتصاد يتجه إلى أسوأ انكماش له على الإطلاق. خسر الملايين وظائفهم، وانتقل آخرون إلى العمل عن بعد، من المنازل، كما حصل مع التعليم. ونتيجة هذه التبدلات، ارتفعت معدلات الإصابة بأمراض نفسية هذه المرة من بينها الاكتئاب، والقلق. بالإضافة إلى ذلك، أثّر الوباء في مجالات عدة، مثل التقصير في لقاحات الأطفال وأدوية الأمراض الاعتيادية والمزمنة وصحة اللاجئين والجوع في العالم. فقد وصل الجوع العالمي إلى أعلى مستوى له منذ عقود، وفق ما ذكرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية التي قالت إنّ كورونا سيضيف ما بين 83 مليوناً إلى 132 مليون شخص إلى قوائم الجوعى. وأوضحت أيضاً أنّه على مستوى البلدان المعروفة بالنامية، من المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي هذا العام إلى 265 مليون شخص، وتمتد تداعيات هذه المشكلة إلى ما هو أبعد من المخاطر المباشرة لسوء التغذية، باتجاه كلّ ما يرتبط به من أمراض لاحقة.

مسار متقلب
استمر منحى الإصابات مرتفعاً في إبريل/ نيسان الماضي، مع تمديد حالات الإغلاق، وتسجيل أكثر من مليون إصابة حول العالم. في المقابل، كانت شركات الأدوية تسعى إلى تطوير لقاحات تجريبية، فكانت جينيفر هالر (44 عاماً) وهي أم لطفلين، من مقاطعة سياتل الأميركية، أول من تلقى لقاحاً تجريبياً ضد فيروس كورونا الجديد، وهو لقاح شركة "موديرنا" الأميركية، ما أعطى البشرية أملاً بأنّ اللقاح ربما يبصر النور قريباً. في ذلك الشهر، تحديداً 14 إبريل، وصفت جينيفر هالر، مديرة العمليات في شركة ناشئة للتكنولوجيا، لصحيفة "تلغراف" البريطانية قرارها بالردّ على نداء عبر "فيسبوك"، بحثاً عن متطوعين للمشاركة في التجربة التاريخية. بعد هذه التجربة التي خاضتها هالر، بدأت العديد من شركات الأدوية بالإعلان عن نتائج تجارب تقوم بها لإنتاج لقاحات ضد الفيروس.

تطعيم رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي (كين سيدينو/ Getty)

تطعيم رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي (كين سيدينو/ Getty)

وفي أشهر الصيف، تحديداً يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز الماضيين، احتدم الجدل بين خبراء الصحة بشأن العلاجات الخاصة بالفيروس، فالبعض أوضى باستخدام عقار "ريمديسيفير" الذي تصنّعه شركة "غيلياد ساينسز". وبينما أوصى الاتحاد الأوروبي به، اعتبرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية أنّ العقار لم يثبت قدرته 100 في المائة في العلاج من الفيروس. كذلك، انقسم العلماء بين إمكانية أن تكون الأجسام المضادة، فعالة لعلاج الفيروس، حتى أصدرت إدارة الغذاء والدواء في 23 أغسطس /آب الماضي تصريحاً طارئاً باستخدام بلازما المتعافين من الفيروس، التي سميت بلازما النقاهة، لعلاج المصابين به، وهو ما أدى إلى توسع دول العالم في استخدام بلازما الدم كعلاج، بعدما حذرت منظمة الصحة العالمية من أنّ عقار "ريميديسيفير" لا يصلح للعلاج.
وفي 11 أغسطس/ آب، أعلنت روسيا عن إنتاج لقاح للفيروس باسم "سبوتنيك 5" لكنّ العالم الغربي شكك باللقاح، وقال البعض إنّه غير آمن، مشيرين إلى أنّ التجارب التي أجرتها روسيا لم تكن كافية. 
الآمال التي ارتفعت خلال أشهر الصيف، بعد النتائج الخاصة بتطوير اللقاحات، والتوصل إلى علاجات، هبطت بشكل حاد في سبتمبر/ أيلول الماضي، مع ارتفاع أعداد المصابين، والتحذيرات من بدء موجة ثانية أقوى من الفيروس. وفي 28 سبتمبر، بلغ عدد الوفيات عالمياً من جراء الفيروس مليون وفاة، متجاوزاً الوفيات الناجمة عن فيروس نقص المناعة البشرية والدوسنتاريا والملاريا والإنفلونزا الموسمية والكوليرا والحصبة مجتمعة في عام 2020. كذلك، توقفت تجارب خاصة باللقاح، بعدما أعلن عن عوارض لدى المتطوعين، بسبب اللقاحات. ففي 5 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أوقفت شركة "أسترازينيكا" البريطانية- السويدية تجاربها المشتركة مع جامعة "أوكسفورد" البريطانية، بعد الإعلان عن عوارض جانبية لأحد المتطوعين. وفي 12 أكتوبر، علقت شركة "جونسون أند جونسون" الأميركية، تجارب لقاحها بعد إصابة أحد المشاركين "بمرض غير مبرر".

مع ذلك، لم تبقَ حالة اليأس مسيطرة على القطاع الصحي طويلاً، فقد فجر خبر شركتي "فايزر" الأميركية و"بيونتيك" الألمانية عن التوصل إلى لقاح أثبت فاعليته بنسبة 95 في المائة، مفاجأة سارة في القطاع الصحي العالمي، ولقي الإعلان ترحيباً دولياً. وفي الإطار نفسه، تحديداً في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كشفت شركة "موديرنا" أنّ لقاحها أثبت فاعليته بنسبة 94 في المائة، ما يجعله أيضاً واحداً من أهم اللقاحات التي يمكنها أن تنقذ البشرية. كذلك، أعلنت شركة "أسترازينيكا" البريطانية - السويدية التي عملت على لقاح بالتعاون مع جامعة "أوكسفورد" أنّه فعال بنسبة 70 في المائة بالمعدل وقد تصل فاعليته في بعض الحالات إلى 90 في المائة. وبالرغم من أجواء التفاؤل، فإنّ هناك العديد من التحديات ما زالت حتى اليوم تقف حائلاً أمام إمكانية القضاء نهائياً على الفيروس، والعودة تدريجياً إلى الحياة الطبيعية. واحدة من هذه التحديات، هي كيفية توزيع اللقاح على الدول بشكل متساوٍ. 

تغييرات محتملة
حتى مع التوصل إلى لقاح،  يبقى سؤال هام: ما هي التغييرات التي ستطرأ على حياتنا؟ من المرجح أنّ الكثير من التغييرات سنختبرها خلال الفترة المقبلة. فمن المحتمل أن يكون السفر أو الانتقال مختلفاً بشكل كبير في المستقبل المنظور، بدءاً من صالات الانتظار في المطارات، وصولاً إلى باب الطائرة، إذ سنحاول بقدر الإمكان عدم الاقتراب من بعضنا البعض، والبقاء على مسافة التباعد الجسدي المنصوص عليها. ومن المرجح أيضاً، أن تبقى الكمامة، ووسائل التطهير موجودة دوماً في حقائبنا حتى لا نلمس أيّ سطح يحتمل أن تكون عليه قطرات من الفيروس. ومن المرجح أيضاً أن نبقى في خوف دائم، من مجرد الإصابة بالزكام، أو نخالط شخصاً يعاني من أعراض الإنفلونزا الموسمية. وبعد مرور عام على الوباء، فإنّ السؤال الأبرز هو حول موعد عودة الحياة إلى طبيعتها. فبالرغم من عدم وجود إجابة محددة، فإنّ خبراء في الصحة، أشاروا لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إلى أنّ العودة إلى الحياة الطبيعية، وخلع الكمامات، يتطلبان من الدول ترك السياسة الوقائية، واتباع سياسة مناعة القطيع. وبالرغم من التكاليف البشرية المرتفعة لهذه السياسة، فإنّ الفيروس لن يختفي إلا حينما تكتسب مجموعات كبرى من الناس مناعة ضده.




- انشر الخبر -