تتواصل الدعاية الإسرائيلية حول "الطرد" المزعوم لليهود العرب من الدول العربية في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي دون توقف. ففي الأسبوع الماضي، أبلغ سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان الأمينَ العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنه ينوي تقديم مشروع قرار يطالب الهيئة الدولية "بإقامة تكريم سنوي لمئات الآلاف من اليهود الذين طُردوا من الدول العربية نتيجة إقامة دولة إسرائيل".
تتسم الافتراءات الإسرائيلية حول هجرة اليهود العرب إلى إسرائيل بالفظاعة، لدرجة أن المستعمرة الاستيطانية تحيي ذكراها في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام. ويصادف أن هذا التاريخ هو تاريخ بدء الغزو والتطهير العرقي لفلسطين على أيدي العصابات الصهيونية الأشكنازية والذي بدأ في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، بعد يوم واحد من اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947. ولم يكن اختيار هذا التاريخ على سبيل الصدفة، بل سعى إلى توريط اليهود العرب في غزو فلسطين بينما لم يكن لأغلبهم دور فيه. ويزعم إردان أنه بعد إقامة المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية، شنت الدول العربية "هجوماً واسع النطاق... على المجتمعات اليهودية المزدهرة التي كانت تعيش داخل [العالم العربي]".
لكن لهذه الافتراءات الإسرائيلية، التي كانت إسرائيل دائماً تأمل من خلالها بابتزاز الدول العربية لدفع تعويضات بمليارات الدولارات لإسرائيل، هدفاً رئيساً ثانياً: ألا وهو إعفاء إسرائيل من جريمتها الأصلية المتمثلة في طرد 90 في المئة من الشعب الفلسطيني الذي كان يعيش على الأراضي التي أقيمت عليها إسرائيل عام 1948، وسرقة أراضيه وممتلكاته. ففي كانون الأول / ديسمبر 1948، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وتعويضهم عن تدمير وسرقة ممتلكاتهم من قبل دولة إسرائيل. ولا تهدف خطط إسرائيل فقط إلى استمرار إسرائيل في الاحتفاظ بجميع الأراضي والممتلكات التي سرقتها وتسرقها من الفلسطينيين، والتي تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات الأمريكية، دون تعويض، بل تصبو أيضاً إلى ابتزاز الدول العربية لدفع المزيد من المليارات.
لقد بدأت إسرائيل بترويج الصلة المزعومة بين فقدان وخسارة اللاجئين الفلسطينيين لأراضيهم وممتلكاتهم وفقدان اليهود العرب لممتلكاتهم في البلاد العربية لأول مرة في عام 1951، ولم تنحسر منذ ذلك الحين. لكن ثمة مفارقة أخرى في الخديعة الإسرائيلية يجدر التنبه إليها. فنظراً إلى أن الصهيونية الأشكنازية الأوروبية ودولة إسرائيل، بصفتها المزعومة بأنها تمثل يهود العالم، قد أصرتا دائماً على أن فلسطين، ولاحقاً إسرائيل، هي وطن يهود العالم وعليهم "العودة" إلى وطنهم المزعوم، فإنهما يزعمان في الوقت ذاته بأن اليهود العرب الذين هاجروا إلى إسرائيل هم "لاجئون"! لكن التعريف القانوني والمقبول دولياً للاجئ هو الشخص الذي طرد أو فر من وطنه، وليس الشخص الذي "يعود" إلى وطنه. لكن وبغض النظر عن هذه المزالق الأيديولوجية الصهيونية، فإن تاريخ الهجرة اليهودية العربية إلى إسرائيل ليس في حقيقة الأمر تاريخ طرد من قبل الأنظمة العربية، بل كان حصيلة المؤامرات الإسرائيلية الإجرامية التي أجبرت يهود اليمن والعراق والمغرب ومصر، ويهود باقي الدول العربية، على الهجرة إلى إسرائيل.
كانت الحكومة الإسرائيلية في أوائل عام 1949 تعمل بجهد مع السلطات الاستعمارية البريطانية في مستعمرة عدن ومع إمام اليمن الشمالي والسلاطين اليمنيين الإقليميين المحليين لنقل اليهود اليمنيين جواً إلى إسرائيل. وفي حين كانت جامعة الدول العربية قد استصدرت قراراً يحظر هجرة اليهود العرب إلى إسرائيل، فقد سمح الإمام اليمني لليهود بالهجرة في وقت مبكر من شباط/ فبراير 1949. وقد تم ذلك بمساعدة المبعوثين الصهاينة (بمن فيهم يوسف تصادوك، اليهودي اليمني، وكان في حينه الممثل اليهودي للوكالة اليهودية الصهيونية)، والرشاوى الإسرائيلية لحكام المناطق اليمنيين. وقد طلب بعض حكام المناطق بقاء 2000 يهودي على الأقل، حيث أصروا على أنه من واجب المسلمين الديني حمايتهم، لكن المبعوث الصهيوني أصر على أن هجرة اليهود إلى "أرض إسرائيل" هي أيضاً واجب ديني في اليهودية.
وقد قام تصادوك بنشر الأخبار بين اليهود اليمنيين المتدينين بأن المسيح قد جاء بالفعل وهو في إسرائيل. وحقيقة أن رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت كان ديفيد (أو داوود) بن غوريون "أوحت أيضاً للكثيرين بأن إسرائيل غدت مملكة داود" الجديدة. وقد حث المبعوثون الصهاينة عشرات الآلاف من اليهود على مغادرة وطنهم، وركوب الحافلات التي وفرتها إسرائيل، والتي نقلتهم بعد ذلك إلى المطار حيث تم نقلهم جواً إلى إسرائيل.
أما بالنسبة إلى اليهود الذين اختاروا البقاء في وطنهم، فقد طلب المبعوث الصهيوني في عدن، شلومو شميدت، الإذن من حكومته بأن يقترح على السلطات اليمنية "طرد باقي اليهود من البلاد". لكن السلطات اليمنية رفضت ذلك. وقد كانت أمتعة اليهود المهاجرين، بما في ذلك لفائف التوراة القديمة، والمجوهرات المصنوعة يدوياً والفضة، والملابس المطرزة، التي تم تشجيعهم على إحضارها معهم، اختفت بشكل غامض أثناء الرحلة إلى إسرائيل، حيث أنها "شقت طريقها إلى متاجر التحف والتذكارات في إسرائيل".
وهكذا قامت إسرائيل بترحيل حوالي خمسين ألف يهودي يمني في عامي 1949 و1950 من اليمن إلى إسرائيل، حيث خضعوا للتمييز العنصري المؤسسي الأشكنازي هناك. وشمل التمييز ضدهم قيام الدولة باختطاف بين 1500 و2000 طفل يمني من والديهم، الذين قيل لهم إن أبناءهم قد وافتهم المنية، بينما أصر ويصر حتى اليوم قادة الجالية اليهودية اليمنية في إسرائيل، بالأدلة الملموسة، على أنه تم خطف ومنح أبنائهم للتبني لعائلات أشكنازية.
أما بالنسبة إلى اليهود المغاربة، فقد نشط الصهاينة أيضاً في تهجيرهم عن وطنهم. كان المغرب في ذلك الوقت يرزح تحت الاحتلال الاستعماري الفرنسي، ما يعنيه أنه كان على الممثل الصهيوني للوكالة اليهودية جاك غيرشوني أن يبرم اتفاقية من أربعة أجزاء مع الحاكم الفرنسي للمغرب لتهجير اليهود المغاربة، الذين خضعوا لظروف مروعة على السفن الإسرائيلية التي نقلتهم إلى مرسيليا وثم إلى إسرائيل. ووفقاً لمبعوث الوكالة اليهودية، فإنه في حالة العديد من المائة ألف يهودي الذين غادروا البلاد، "كان يتعين علينا فعلياً نقلهم على متن السفن بالقوة".
في تلك الأثناء، تعرضت الحكومة العراقية برئاسة نوري السعيد، عميل بريطانيا الرئيس في الشرق العربي، لانتقادات من الدعاية الإسرائيلية بأنها تقوم باضطهاد اليهود، في حين كانت هذه افتراءات إسرائيلية بلا دليل. وقد كان هنالك عملاء صهاينة ينشطون في العراق في تهريب اليهود عبر إيران الشاه إلى إسرائيل، ما أدى إلى محاكمة حفنة من هؤلاء، كان معظمهم قد غادر البلاد وحكم عليهم غيابياً. لكن فجأة بدأت الهجمات الإرهابية تستهدف اليهود العراقيين، بما في ذلك كنيس مسعودة شمتوب في وسط بغداد، مما أسفر عن مقتل أربعة يهود وجرح عشرين. أصر قادة يهود العراق في حينه بأن من قام بالعملية الإرهابية كان عملاء الموساد، وبالتحديد موردخاي بن بورات (المولود في العراق باسم مراد مراد)، بهدف تخويف اليهود كي يهاجروا إلى إسرائيل. رفع بورات، الذي أصبح فيما بعد وزيراً في حكومة إسرائيل، دعوى قضائية ضد صحفي إسرائيلي لإعادة نشره هذه الشائعات عنه من جديد في عام 1981، بعد مرور عقود على العملية، لكن تم حل المسألة ودياً دون محاكم.
وقد اقترفت جريمة تفجير الكنيس في خضم الحملة الإسرائيلية العالمية ضد العراق لإجبار الأخير على السماح لليهود بالهجرة، مما أدى إلى بذل جهود إسرائيلية لوقف قرض البنك الدولي الذي كان العراق بصدد استلامه آنئذ، مصحوبة بضغط وإصرار من الأمريكيين والبريطانيين، نيابة عن الإسرائيليين، على العراق لإجبار البرلمان العراقي باستصدار قانون يسمح لليهود بالهجرة، وهو ما رضخ له العراق. أرسل العملاء الصهاينة في العراق برقية للمسؤول عنهم في تل أبيب أعلموه فيه: "نحن نواصل نشاطنا المعتاد من أجل الدفع باستصدار القانون بشكل أسرع". وهكذا سرعان ما تم تهجير 120 ألف يهودي من العراق إلى إسرائيل.
أما في مصر، فقد كان هناك عدد ضئيل من اليهود الأشكناز (معظمهم من مقاطعة ألزاس الفرنسية- الألمانية ومن روسيا) في الطائفة اليهودية الصغيرة نسبياً في مصر، الذين وصلوا منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر. ويتألف المجتمع الأكبر من يهود مصر من السفارديم واليهود الشرقيين الذين وصلوا خلال نفس الفترة من تركيا والعراق وسوريا، بالإضافة إلى عدد صغير ممن ينتمون إلى طائفة اليهود القرائين. كان عدد يهود مصر الإجمالي في ١٩٤٨ أقل من 70 ألف شخص، نصفهم لا يحمل الجنسية المصرية.
أدى النشاط الصهيوني بين اليهود الأشكناز في مصر إلى هجرة العديد منهم إلى فلسطين قبل عام 1948. لكن رغم الجهود الصهيونية، بدأ العديد من يهود مصر من الطبقة العليا بعد قيام إسرائيل بالهجرة إلى فرنسا، وليس إلى إسرائيل. ومع ذلك، بقي المجتمع اليهودي متماسكاً بشكل أساسي إلى حين قيام إسرائيل بتقويض سلمهم المجتمعي في عام 1954، عندما جنّدت يهوداً مصريين لخلية إرهابية إسرائيلية قامت بوضع قنابل في دور السينما المصرية ومحطة القطار في القاهرة ومكاتب البريد، ومنشآت أمريكية وبريطانية من مراكز تعليمية ومكتبات. كان الإسرائيليون يأملون في أن يؤدي استهداف المصالح الغربية في مصر إلى إفساد العلاقات الودية بين الرئيس المصري جمال عبد ناصر والأمريكيين آنذاك. وقد كشفت المخابرات المصرية النقاب عن الخلية الإرهابية الإسرائيلية (التي أطلقت المخابرات الإسرائيلية على عمليتها اسم "عملية سوزانا"، وإن كانت أصبحت تعرف بعد الكشف عنها بـ"فضيحة لافون") وحاكمت الإرهابيين في محاكمة علنية. شن الإسرائيليون حملة دولية ضد مصر وعبد الناصر الذي أطلقت عليه الصحافة الإسرائيلية والغربية لقب "هتلر على النيل"، بينما أطلق إرهابيون إسرائيليون النار على القنصلية المصرية في نيويورك.
وقد بدأ العديد من رجال الأعمال الأثرياء في البلاد (الإيطاليين واليونانيين والسوريين واللبنانيين واليهود والأرمن) الذين لا يحملون الجنسية المصرية في بيع شركاتهم والمغادرة، في أعقاب الحملة القومية الجديدة لتمصير الاستثمارات في البلاد. وهو ما قامت به أيضاً عائلة شيكوريل اليهودية السفاردية التركية الثرية (والتي كانت تحمل الجنسية البريطانية) التي باعت متجرها الكبير والمعروف، لعائلة الجابري المصرية المسلمة. وبحلول الوقت الذي بدأ فيه التأميم الاشتراكي الذي تلا حملة التمصير، كانت معظم الشركات المؤممة مملوكة في الواقع من قبل المسلمين والمسيحيين المصريين، وليس اليهود. وفي هذا السياق وفي سياق الغضب العام على إسرائيل بعد فضيحة لافون، شعر الكثير من اليهود المصريين بعدم الأمان وهاجروا بعد عام 1954 إلى الولايات المتحدة وفرنسا، بينما انتهى الأمر بفقراء اليهود في إسرائيل.
أدى انضمام إسرائيل إلى المؤامرة البريطانية والفرنسية لغزو مصر عام 1956 واحتلالها لسيناء؛ إلى تصاعد الغضب الشعبي المصري على إسرائيل، حيث قامت السلطات المصرية أثناء "أزمة السويس" باعتقال حوالي 1000 يهودي، نصفهم مواطنون مصريون، وبطرد 13000 من حاملي الجنسيات البريطانية والفرنسية وصادرت ممتلكاتهم، وكان عدد قليل منهم من اليهود، وقد كان طرد مواطني الدول التي كانت في حالة حرب مع بعضها ممارسة دولية معتادة في ذلك الوقت. وفي أعقاب الغزو الإسرائيلي واحتلال سيناء، بدأت الطائفة اليهودية الصغيرة في مصر في الهجرة بأعداد كبيرة. ومرة أخرى، انتهى المطاف باليهود الفقراء فقط في إسرائيل. ولم يكن قد تبقى في مصر عشية الغزو الإسرائيلي الثاني في عام 1967 أكثر من سبعة آلاف يهودي فقط.
على الرغم من مسؤولية إسرائيل في التسبب في هجرة اليهود العرب من أوطانهم، لا تزال الحكومة الإسرائيلية تتجرأ بوقاحة في إلقاء اللوم على الحكومات العربية. أما بالنسبة إلى ممتلكات اليهود العرب، فبالطبع لهم الحق الكامل في الحصول عليها و/أو بالتعويض عنها، لكن ليس نتيجة روايات الطرد الملفقة التي تصب في مصلحة الدولة الإسرائيلية، بل نتيجة خسارتهم الفعلية لممتلكاتهم. يجب ألا يغيب عن الأذهان في هذا السياق أنه بينما منحت دولة إسرائيل اليهود الأوروبيين واليهود العرب الذين هاجروا إليها أراضي وممتلكات الفلسطينيين المهّجرين المسروقة مجاناً، لم يُمنح الفلسطينيون ممتلكات اليهود العرب الذين هاجروا إلى إسرائيل. هذه الحقيقة المركزية غائبة دائماً عن الدعاية الإسرائيلية.
في الواقع، كانت منظمة التحرير الفلسطينية التي حصلت في عام 1974 على اعتراف جامعة الدول العربية والأمم المتحدة بها بوصفها "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني"، تدرك تماماً هذه الاستراتيجية الإسرائيلية. وإدراكاً منها بأن هجرة اليهود العرب إلى إسرائيل صبت في مصلحة المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية، فقد طالبت منظمة التحرير في مذكرة حظيت بتغطية إعلامية كبيرة في عام 1975، قدمتها إلى الحكومات العربية التي هاجر سكانها اليهود إلى إسرائيل، طالبت فيها الحكومات العربية بإصدار دعوات رسمية وعلنية لليهود العرب للعودة إلى أوطانهم.
والجدير بالذكر أنه لم تكن أي من الحكومات والأنظمة العربية التي كانت في السلطة في عام 1975 على رأس السلطة عندما غادر اليهود بين عامي 1949 و1967. وقد صدرت دعوات عامة ومفتوحة من قبل حكومات المغرب واليمن وليبيا والسودان والعراق ومصر لليهود العرب ليعودوا إلى أوطانهم، لا سيما على ضوء التمييز العنصري المؤسسي الأشكنازي الذي كانوا يتعرضون له في إسرائيل. ولم تستجب لا إسرائيل ولا الجاليات اليهودية العربية فيها للنداءات التي تكررت عدة مرات.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مسألة محاولات إسرائيل المستمرة للمساواة بين الخسائر المالية لليهود العرب وخسائر اللاجئين الفلسطينيين. لكن في أواخر عام 1999، أفصح تقدير إسرائيلي رسمي متحفظ قارن خسائر ممتلكات الفلسطينيين بخسائر ممتلكات اليهود العرب على أن نسبة الخسائر هي 22 إلى 1 لصالح الفلسطينيين (وهذا على الرغم من المبالغة الإسرائيلية في تهويل نسبة الخسائر اليهودية العربية والمبالغة الأكبر في التقليل من الخسائر الفلسطينية). وبلغت تقديرات الباحثين المتحفظة لخسائر اللاجئين الفلسطينيين 300 مليار دولار بحسب أسعار عام 2008، وهو ما يترجم إلى نحو 363 مليار دولار بأسعار 2020، باستثناء التعويضات عن الأضرار المعنوية والآلام والمعاناة النفسية التي سترفع إجمالي التعويضات بشكل كبير.
وهذه التقديرات بالطبع تستثني الخسائر في أراضي وممتلكات الفلسطينيين من مواطني إسرائيل الذين صودرت أراضيهم وممتلكاتهم منذ عام 1948، والخسائر التي تكبدها الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة وغزة والقدس الشرقية منذ عام 1967، ناهيك عن خسائر السوريين المطرودين والباقين في هضبة الجولان المحتلة. رغم كل ذلك، اشتكى السفير إردان في رسالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة من أنه "من المثير للغضب أن نرى الأمم المتحدة تخصص يوما خاصاً والكثير من الموارد لقضية "اللاجئين الفلسطينيين"، بينما يتخلى ويتجاهل مئات الآلاف من العائلات اليهودية التي تم طردها من البلدان العربية ومن إيران".
وفي حين أنه لم يبق اليوم أي من الأنظمة العربية التي كانت في السلطة عندما هاجر اليهود العرب إلى إسرائيل، فإن النظام الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي المجرم الذي قام بطرد الشعب الفلسطيني وتسبب بهجرة اليهود العرب من بلادهم؛ لم يزل في السلطة. أما المهزلة في رسالة السفير إردان إلى الأمين العام فتكمن في أنه يطالب بمكافأة هذا النظام الإسرائيلي المجرم ماليا ومعنويا على الجرائم التي ارتكبها.
تتسم الافتراءات الإسرائيلية حول هجرة اليهود العرب إلى إسرائيل بالفظاعة، لدرجة أن المستعمرة الاستيطانية تحيي ذكراها في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام. ويصادف أن هذا التاريخ هو تاريخ بدء الغزو والتطهير العرقي لفلسطين على أيدي العصابات الصهيونية الأشكنازية والذي بدأ في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، بعد يوم واحد من اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947. ولم يكن اختيار هذا التاريخ على سبيل الصدفة، بل سعى إلى توريط اليهود العرب في غزو فلسطين بينما لم يكن لأغلبهم دور فيه. ويزعم إردان أنه بعد إقامة المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية، شنت الدول العربية "هجوماً واسع النطاق... على المجتمعات اليهودية المزدهرة التي كانت تعيش داخل [العالم العربي]".
لكن لهذه الافتراءات الإسرائيلية، التي كانت إسرائيل دائماً تأمل من خلالها بابتزاز الدول العربية لدفع تعويضات بمليارات الدولارات لإسرائيل، هدفاً رئيساً ثانياً: ألا وهو إعفاء إسرائيل من جريمتها الأصلية المتمثلة في طرد 90 في المئة من الشعب الفلسطيني الذي كان يعيش على الأراضي التي أقيمت عليها إسرائيل عام 1948، وسرقة أراضيه وممتلكاته. ففي كانون الأول / ديسمبر 1948، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وتعويضهم عن تدمير وسرقة ممتلكاتهم من قبل دولة إسرائيل. ولا تهدف خطط إسرائيل فقط إلى استمرار إسرائيل في الاحتفاظ بجميع الأراضي والممتلكات التي سرقتها وتسرقها من الفلسطينيين، والتي تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات الأمريكية، دون تعويض، بل تصبو أيضاً إلى ابتزاز الدول العربية لدفع المزيد من المليارات.
لقد بدأت إسرائيل بترويج الصلة المزعومة بين فقدان وخسارة اللاجئين الفلسطينيين لأراضيهم وممتلكاتهم وفقدان اليهود العرب لممتلكاتهم في البلاد العربية لأول مرة في عام 1951، ولم تنحسر منذ ذلك الحين. لكن ثمة مفارقة أخرى في الخديعة الإسرائيلية يجدر التنبه إليها. فنظراً إلى أن الصهيونية الأشكنازية الأوروبية ودولة إسرائيل، بصفتها المزعومة بأنها تمثل يهود العالم، قد أصرتا دائماً على أن فلسطين، ولاحقاً إسرائيل، هي وطن يهود العالم وعليهم "العودة" إلى وطنهم المزعوم، فإنهما يزعمان في الوقت ذاته بأن اليهود العرب الذين هاجروا إلى إسرائيل هم "لاجئون"! لكن التعريف القانوني والمقبول دولياً للاجئ هو الشخص الذي طرد أو فر من وطنه، وليس الشخص الذي "يعود" إلى وطنه. لكن وبغض النظر عن هذه المزالق الأيديولوجية الصهيونية، فإن تاريخ الهجرة اليهودية العربية إلى إسرائيل ليس في حقيقة الأمر تاريخ طرد من قبل الأنظمة العربية، بل كان حصيلة المؤامرات الإسرائيلية الإجرامية التي أجبرت يهود اليمن والعراق والمغرب ومصر، ويهود باقي الدول العربية، على الهجرة إلى إسرائيل.
كانت الحكومة الإسرائيلية في أوائل عام 1949 تعمل بجهد مع السلطات الاستعمارية البريطانية في مستعمرة عدن ومع إمام اليمن الشمالي والسلاطين اليمنيين الإقليميين المحليين لنقل اليهود اليمنيين جواً إلى إسرائيل. وفي حين كانت جامعة الدول العربية قد استصدرت قراراً يحظر هجرة اليهود العرب إلى إسرائيل، فقد سمح الإمام اليمني لليهود بالهجرة في وقت مبكر من شباط/ فبراير 1949. وقد تم ذلك بمساعدة المبعوثين الصهاينة (بمن فيهم يوسف تصادوك، اليهودي اليمني، وكان في حينه الممثل اليهودي للوكالة اليهودية الصهيونية)، والرشاوى الإسرائيلية لحكام المناطق اليمنيين. وقد طلب بعض حكام المناطق بقاء 2000 يهودي على الأقل، حيث أصروا على أنه من واجب المسلمين الديني حمايتهم، لكن المبعوث الصهيوني أصر على أن هجرة اليهود إلى "أرض إسرائيل" هي أيضاً واجب ديني في اليهودية.
وقد قام تصادوك بنشر الأخبار بين اليهود اليمنيين المتدينين بأن المسيح قد جاء بالفعل وهو في إسرائيل. وحقيقة أن رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت كان ديفيد (أو داوود) بن غوريون "أوحت أيضاً للكثيرين بأن إسرائيل غدت مملكة داود" الجديدة. وقد حث المبعوثون الصهاينة عشرات الآلاف من اليهود على مغادرة وطنهم، وركوب الحافلات التي وفرتها إسرائيل، والتي نقلتهم بعد ذلك إلى المطار حيث تم نقلهم جواً إلى إسرائيل.
أما بالنسبة إلى اليهود الذين اختاروا البقاء في وطنهم، فقد طلب المبعوث الصهيوني في عدن، شلومو شميدت، الإذن من حكومته بأن يقترح على السلطات اليمنية "طرد باقي اليهود من البلاد". لكن السلطات اليمنية رفضت ذلك. وقد كانت أمتعة اليهود المهاجرين، بما في ذلك لفائف التوراة القديمة، والمجوهرات المصنوعة يدوياً والفضة، والملابس المطرزة، التي تم تشجيعهم على إحضارها معهم، اختفت بشكل غامض أثناء الرحلة إلى إسرائيل، حيث أنها "شقت طريقها إلى متاجر التحف والتذكارات في إسرائيل".
وهكذا قامت إسرائيل بترحيل حوالي خمسين ألف يهودي يمني في عامي 1949 و1950 من اليمن إلى إسرائيل، حيث خضعوا للتمييز العنصري المؤسسي الأشكنازي هناك. وشمل التمييز ضدهم قيام الدولة باختطاف بين 1500 و2000 طفل يمني من والديهم، الذين قيل لهم إن أبناءهم قد وافتهم المنية، بينما أصر ويصر حتى اليوم قادة الجالية اليهودية اليمنية في إسرائيل، بالأدلة الملموسة، على أنه تم خطف ومنح أبنائهم للتبني لعائلات أشكنازية.
أما بالنسبة إلى اليهود المغاربة، فقد نشط الصهاينة أيضاً في تهجيرهم عن وطنهم. كان المغرب في ذلك الوقت يرزح تحت الاحتلال الاستعماري الفرنسي، ما يعنيه أنه كان على الممثل الصهيوني للوكالة اليهودية جاك غيرشوني أن يبرم اتفاقية من أربعة أجزاء مع الحاكم الفرنسي للمغرب لتهجير اليهود المغاربة، الذين خضعوا لظروف مروعة على السفن الإسرائيلية التي نقلتهم إلى مرسيليا وثم إلى إسرائيل. ووفقاً لمبعوث الوكالة اليهودية، فإنه في حالة العديد من المائة ألف يهودي الذين غادروا البلاد، "كان يتعين علينا فعلياً نقلهم على متن السفن بالقوة".
في تلك الأثناء، تعرضت الحكومة العراقية برئاسة نوري السعيد، عميل بريطانيا الرئيس في الشرق العربي، لانتقادات من الدعاية الإسرائيلية بأنها تقوم باضطهاد اليهود، في حين كانت هذه افتراءات إسرائيلية بلا دليل. وقد كان هنالك عملاء صهاينة ينشطون في العراق في تهريب اليهود عبر إيران الشاه إلى إسرائيل، ما أدى إلى محاكمة حفنة من هؤلاء، كان معظمهم قد غادر البلاد وحكم عليهم غيابياً. لكن فجأة بدأت الهجمات الإرهابية تستهدف اليهود العراقيين، بما في ذلك كنيس مسعودة شمتوب في وسط بغداد، مما أسفر عن مقتل أربعة يهود وجرح عشرين. أصر قادة يهود العراق في حينه بأن من قام بالعملية الإرهابية كان عملاء الموساد، وبالتحديد موردخاي بن بورات (المولود في العراق باسم مراد مراد)، بهدف تخويف اليهود كي يهاجروا إلى إسرائيل. رفع بورات، الذي أصبح فيما بعد وزيراً في حكومة إسرائيل، دعوى قضائية ضد صحفي إسرائيلي لإعادة نشره هذه الشائعات عنه من جديد في عام 1981، بعد مرور عقود على العملية، لكن تم حل المسألة ودياً دون محاكم.
وقد اقترفت جريمة تفجير الكنيس في خضم الحملة الإسرائيلية العالمية ضد العراق لإجبار الأخير على السماح لليهود بالهجرة، مما أدى إلى بذل جهود إسرائيلية لوقف قرض البنك الدولي الذي كان العراق بصدد استلامه آنئذ، مصحوبة بضغط وإصرار من الأمريكيين والبريطانيين، نيابة عن الإسرائيليين، على العراق لإجبار البرلمان العراقي باستصدار قانون يسمح لليهود بالهجرة، وهو ما رضخ له العراق. أرسل العملاء الصهاينة في العراق برقية للمسؤول عنهم في تل أبيب أعلموه فيه: "نحن نواصل نشاطنا المعتاد من أجل الدفع باستصدار القانون بشكل أسرع". وهكذا سرعان ما تم تهجير 120 ألف يهودي من العراق إلى إسرائيل.
أما في مصر، فقد كان هناك عدد ضئيل من اليهود الأشكناز (معظمهم من مقاطعة ألزاس الفرنسية- الألمانية ومن روسيا) في الطائفة اليهودية الصغيرة نسبياً في مصر، الذين وصلوا منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر. ويتألف المجتمع الأكبر من يهود مصر من السفارديم واليهود الشرقيين الذين وصلوا خلال نفس الفترة من تركيا والعراق وسوريا، بالإضافة إلى عدد صغير ممن ينتمون إلى طائفة اليهود القرائين. كان عدد يهود مصر الإجمالي في ١٩٤٨ أقل من 70 ألف شخص، نصفهم لا يحمل الجنسية المصرية.
أدى النشاط الصهيوني بين اليهود الأشكناز في مصر إلى هجرة العديد منهم إلى فلسطين قبل عام 1948. لكن رغم الجهود الصهيونية، بدأ العديد من يهود مصر من الطبقة العليا بعد قيام إسرائيل بالهجرة إلى فرنسا، وليس إلى إسرائيل. ومع ذلك، بقي المجتمع اليهودي متماسكاً بشكل أساسي إلى حين قيام إسرائيل بتقويض سلمهم المجتمعي في عام 1954، عندما جنّدت يهوداً مصريين لخلية إرهابية إسرائيلية قامت بوضع قنابل في دور السينما المصرية ومحطة القطار في القاهرة ومكاتب البريد، ومنشآت أمريكية وبريطانية من مراكز تعليمية ومكتبات. كان الإسرائيليون يأملون في أن يؤدي استهداف المصالح الغربية في مصر إلى إفساد العلاقات الودية بين الرئيس المصري جمال عبد ناصر والأمريكيين آنذاك. وقد كشفت المخابرات المصرية النقاب عن الخلية الإرهابية الإسرائيلية (التي أطلقت المخابرات الإسرائيلية على عمليتها اسم "عملية سوزانا"، وإن كانت أصبحت تعرف بعد الكشف عنها بـ"فضيحة لافون") وحاكمت الإرهابيين في محاكمة علنية. شن الإسرائيليون حملة دولية ضد مصر وعبد الناصر الذي أطلقت عليه الصحافة الإسرائيلية والغربية لقب "هتلر على النيل"، بينما أطلق إرهابيون إسرائيليون النار على القنصلية المصرية في نيويورك.
وقد بدأ العديد من رجال الأعمال الأثرياء في البلاد (الإيطاليين واليونانيين والسوريين واللبنانيين واليهود والأرمن) الذين لا يحملون الجنسية المصرية في بيع شركاتهم والمغادرة، في أعقاب الحملة القومية الجديدة لتمصير الاستثمارات في البلاد. وهو ما قامت به أيضاً عائلة شيكوريل اليهودية السفاردية التركية الثرية (والتي كانت تحمل الجنسية البريطانية) التي باعت متجرها الكبير والمعروف، لعائلة الجابري المصرية المسلمة. وبحلول الوقت الذي بدأ فيه التأميم الاشتراكي الذي تلا حملة التمصير، كانت معظم الشركات المؤممة مملوكة في الواقع من قبل المسلمين والمسيحيين المصريين، وليس اليهود. وفي هذا السياق وفي سياق الغضب العام على إسرائيل بعد فضيحة لافون، شعر الكثير من اليهود المصريين بعدم الأمان وهاجروا بعد عام 1954 إلى الولايات المتحدة وفرنسا، بينما انتهى الأمر بفقراء اليهود في إسرائيل.
أدى انضمام إسرائيل إلى المؤامرة البريطانية والفرنسية لغزو مصر عام 1956 واحتلالها لسيناء؛ إلى تصاعد الغضب الشعبي المصري على إسرائيل، حيث قامت السلطات المصرية أثناء "أزمة السويس" باعتقال حوالي 1000 يهودي، نصفهم مواطنون مصريون، وبطرد 13000 من حاملي الجنسيات البريطانية والفرنسية وصادرت ممتلكاتهم، وكان عدد قليل منهم من اليهود، وقد كان طرد مواطني الدول التي كانت في حالة حرب مع بعضها ممارسة دولية معتادة في ذلك الوقت. وفي أعقاب الغزو الإسرائيلي واحتلال سيناء، بدأت الطائفة اليهودية الصغيرة في مصر في الهجرة بأعداد كبيرة. ومرة أخرى، انتهى المطاف باليهود الفقراء فقط في إسرائيل. ولم يكن قد تبقى في مصر عشية الغزو الإسرائيلي الثاني في عام 1967 أكثر من سبعة آلاف يهودي فقط.
على الرغم من مسؤولية إسرائيل في التسبب في هجرة اليهود العرب من أوطانهم، لا تزال الحكومة الإسرائيلية تتجرأ بوقاحة في إلقاء اللوم على الحكومات العربية. أما بالنسبة إلى ممتلكات اليهود العرب، فبالطبع لهم الحق الكامل في الحصول عليها و/أو بالتعويض عنها، لكن ليس نتيجة روايات الطرد الملفقة التي تصب في مصلحة الدولة الإسرائيلية، بل نتيجة خسارتهم الفعلية لممتلكاتهم. يجب ألا يغيب عن الأذهان في هذا السياق أنه بينما منحت دولة إسرائيل اليهود الأوروبيين واليهود العرب الذين هاجروا إليها أراضي وممتلكات الفلسطينيين المهّجرين المسروقة مجاناً، لم يُمنح الفلسطينيون ممتلكات اليهود العرب الذين هاجروا إلى إسرائيل. هذه الحقيقة المركزية غائبة دائماً عن الدعاية الإسرائيلية.
في الواقع، كانت منظمة التحرير الفلسطينية التي حصلت في عام 1974 على اعتراف جامعة الدول العربية والأمم المتحدة بها بوصفها "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني"، تدرك تماماً هذه الاستراتيجية الإسرائيلية. وإدراكاً منها بأن هجرة اليهود العرب إلى إسرائيل صبت في مصلحة المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية، فقد طالبت منظمة التحرير في مذكرة حظيت بتغطية إعلامية كبيرة في عام 1975، قدمتها إلى الحكومات العربية التي هاجر سكانها اليهود إلى إسرائيل، طالبت فيها الحكومات العربية بإصدار دعوات رسمية وعلنية لليهود العرب للعودة إلى أوطانهم.
والجدير بالذكر أنه لم تكن أي من الحكومات والأنظمة العربية التي كانت في السلطة في عام 1975 على رأس السلطة عندما غادر اليهود بين عامي 1949 و1967. وقد صدرت دعوات عامة ومفتوحة من قبل حكومات المغرب واليمن وليبيا والسودان والعراق ومصر لليهود العرب ليعودوا إلى أوطانهم، لا سيما على ضوء التمييز العنصري المؤسسي الأشكنازي الذي كانوا يتعرضون له في إسرائيل. ولم تستجب لا إسرائيل ولا الجاليات اليهودية العربية فيها للنداءات التي تكررت عدة مرات.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مسألة محاولات إسرائيل المستمرة للمساواة بين الخسائر المالية لليهود العرب وخسائر اللاجئين الفلسطينيين. لكن في أواخر عام 1999، أفصح تقدير إسرائيلي رسمي متحفظ قارن خسائر ممتلكات الفلسطينيين بخسائر ممتلكات اليهود العرب على أن نسبة الخسائر هي 22 إلى 1 لصالح الفلسطينيين (وهذا على الرغم من المبالغة الإسرائيلية في تهويل نسبة الخسائر اليهودية العربية والمبالغة الأكبر في التقليل من الخسائر الفلسطينية). وبلغت تقديرات الباحثين المتحفظة لخسائر اللاجئين الفلسطينيين 300 مليار دولار بحسب أسعار عام 2008، وهو ما يترجم إلى نحو 363 مليار دولار بأسعار 2020، باستثناء التعويضات عن الأضرار المعنوية والآلام والمعاناة النفسية التي سترفع إجمالي التعويضات بشكل كبير.
وهذه التقديرات بالطبع تستثني الخسائر في أراضي وممتلكات الفلسطينيين من مواطني إسرائيل الذين صودرت أراضيهم وممتلكاتهم منذ عام 1948، والخسائر التي تكبدها الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة وغزة والقدس الشرقية منذ عام 1967، ناهيك عن خسائر السوريين المطرودين والباقين في هضبة الجولان المحتلة. رغم كل ذلك، اشتكى السفير إردان في رسالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة من أنه "من المثير للغضب أن نرى الأمم المتحدة تخصص يوما خاصاً والكثير من الموارد لقضية "اللاجئين الفلسطينيين"، بينما يتخلى ويتجاهل مئات الآلاف من العائلات اليهودية التي تم طردها من البلدان العربية ومن إيران".
وفي حين أنه لم يبق اليوم أي من الأنظمة العربية التي كانت في السلطة عندما هاجر اليهود العرب إلى إسرائيل، فإن النظام الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي المجرم الذي قام بطرد الشعب الفلسطيني وتسبب بهجرة اليهود العرب من بلادهم؛ لم يزل في السلطة. أما المهزلة في رسالة السفير إردان إلى الأمين العام فتكمن في أنه يطالب بمكافأة هذا النظام الإسرائيلي المجرم ماليا ومعنويا على الجرائم التي ارتكبها.