بسم الله الرحمن الرحيم
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) آية 185 من سورة آل عمران
خان يونس -الربوات الغربية: توفيت الحاجة : " خضرة فاضل محمد"عواد" الأسطل زوجة الحاج عبد الحميد محمد سليمان "عواد" الأسطل عن عمر يناهز82عاماً، وذلك مساء يوم الخميس الموافق 26/11/2020إنا لله وإنا إليه راجعون
تعزية
بأسمى آيات الحزن والأسى وبمزيد من الرضى بقضاء الله وقدره تتقدم عائلة الأسطل عامةً وإدارة الموقع واتحاد العائلة خاصةً بخالص التعازي من عائلتها الكريمة بوفاة
الحاجة /خضرة فاضل محمدالأسطل أم ناهض
سائلين المولى عز وجل أن يتغمدها بواسع رحمته، وأن يسكنها فسيح جناته، وأن يلهم أهلها الصبر والسلوى.
لحاجة خضرة
سخاء وإيمان وتربية وقوة
بقلم محمد عبدالحميد الأسطل ابوالقسم
أن تكتب عن الام وخصوصا إذا كانت أمك أنت فأنت بين محاذير لا حدود لها في الكتابة، ولكن إذا كانت الكتابة تلك عن الحاجة خضرة فأعتقد أن كل مداد قلمي لن يكفي لكي أتحدث عن المرأة التي أعرفها، ولو اخرجت من ذهني بعض مخزون ذكرياتي فاحتاج إلى ايام
وُلدت امي رحمها الله وحيدة لأبويها، وما لبثت إلا وتجرعت مرارة اليتم قبل أن تكمل الرابعة من عمرها، ليبدأ جدها وجدتها برعايتها خصوصا آن أباها كان قد مات جميع اخوته صغارا، وقبل أن تتلقف طعم الحنان من أبيها الأكبر، حتى ضرب الموت ضربته، ولم تجد ظلا لها إلا من جدتها وأمها التي ضربها المرض، وأخذت تنهل من علقم اليتم حتى استوت شابة تعلمت من الحياة درسا مختلفا، فإن كانت الدنيا قد شحت عليها بالاحبة، بالوالد، بالأخ والأخت، بالعم والعمة، فهي ستبسط يديها لتقدم الخير لكل من حولها، فهم بمثابة كل هؤلاء.
تزوجت بأبي وهذه المرة بدأت تشعر أنها تمتلك أسرة كبيرة، خصوصا بعد أن منحها الله أخي الأكبر، وكأن الله عز وجل يمنح الصابرين أكثر مما يتوقعون، فخلال خمس سنوات من زواجها منحها الله تعالى خمسة أبناء وبنتا، لم تلبث أن فقدت أحدهما، فحمدت واسترجعت، وهذا ديدنها، ثم اختار الله عز وجل والدتها، فاحتضنت أبناءها تربيهم وتعوضهم عما فقدته، وتحرسهم بكل ما اوتيت من قوة.
منحها الله تعالى بعد ذلك بنتا أخرى وابنين، نظرت إليهم وكأنهم الدنيا كلها، ولقد علمتها الحياة أن تبسط يدها للخير وأن تحمي نفسها وذويها بالقوة؛ لذا فلا عجب أن تكون عصاها تنام بجانب رأسها فقد كان أبي تضطره الحياة أن يخرج ساريا إلى عمله ولا يعود إلا بعد شوط من الليل، فكانت تحرص على حماية أسرتها من أي طارئ قد يخطف أحدهم، ولا عجب أن تجدها عصية في وقت الشدة، هينة لينة حليمة سخية في وقت اللين.
كثيرا ما كان اللصوص يحاولون سرقتنا او اختطاف أحدنا وخصوصا أخي ضياء، ولكنها كانت تسلط نيرانها عليهم، فتحمينا مما قد يضر بنا، أذكر ذلك المساء الشتوي، حيث حاولت أن أغلق نافذة غرفتنا نحن الأطفال، وإذ بلص يمسك بالنافذة من يدي، مما دفعني أنا وأخواتي أن نصرخ (يما، يما)، كانت امي تملك حاسة سادسة، او أكثر فما كان منها إلا وقد هرولت بعصاها إلى خارج المنزل ليعدو اللص هاربا، وليتها المرة الأولى أو الأخيرة فذات يوم ونحن نصنع الطعام لوالدي الذي لم يصل المنزل حتى وقت متأخر في العمل، حيث كانت أختي الكبيرة( كانت في الصف السادس) وأنا (كنت في الصف الرابع) في المطبخ، وأثناء عودتنا إلى صالة البيت وإذ بشبح مخيف يقارب المترين يقف أمامنا، صحنا بأعلى صوتنا وفررنا باتجاه الجهة المقابلة من المنزل لنتقفز من السور إلى الخارج طالبين النجدة، إلا أن امي كانت قد حلت الأمر قبل ذلك، فقد سألته عن سبب دخوله المنزل فما كان إلا وسب الدين لها، فقامت بضربه وطرحه أرضا ثم خرجت، عرفنا فيما بعد أنه مسكين كان قد دفعه بعض الأرذال إلى بيتنا.
خلال العشر سنوات الأولى من حياتي علما بأنني أصغر أخي الأكبر بأربع سنوات، عشنا حالة من الرعب في منزلنا حيث الحجارة التي تضرب أبوابنا ونوافذنا، واللصوص الذين كانوا يجتهدون أن ينالوا منا، ولكن امي كانت لهم بالمرصاد، ولم يتوقف هذا الأمر إلا بعد أن كبرنا وأصبحنا رجالا من حولها.
كبر الأبناء وشاهدت منحة الله تعالى؛ حينها قررت والدتي أن تحمد الله تعالى ببناء مسجد فباعت قطعة أرض لتبني على قطعة أخرى ذلك المسجد الذي يسميه البعض باسمها، ولعل أمي ذات الحاسة السادسة التي لا تكف تقيم صلواتها المفروضة والنافلة تقرأ القرآن، بحيث لا تذكرها بليل او نهار إلا وجدتها إما مصلية او قارئة للقرآن او صائمة نافلتها التي لم تنقطع إلا بعد أن دهمها المرض، أمي الحريصة على إتمام مشروع بناء المسجد وضعت كافة نقوده بحوزة أخي الكبير ابوالعبد، الذي أخذ أبي جزء منه لحاجة مؤقتة على أن يرده في أقرب وقت، وأثناء صلاتها وذكرها تقول جاءني من يقول أدركي نقود المسجد قبل أن تنفد، إنها في الساعة، هبت مسرعة إلى بيت أخي وطلبت من زوجة أخي أن تصل إلى ساعة الحائط وسط دهشة زوجة أخي التي لا تدري ماذا يجري، ولم تفهم إلا بعد أن اخرجت امي النقود من الساعة، تقول زوجة أخي حتى أنا لم أكن اعرف مكانها، ثم تذهب إلى عمي رحمه الله الذي كان يبني المسجد وتعطيه كامل النقود ليتمم البناء.
لقد كانت مدرسة في البذل ولا نقول ذلك منّا، ولكن كلمة حق في إنسانة هي الآن بين يدي ربها، فقد علمتنا أن الحياة تصح بالبذل، لذا كان يقصدها القاصدون، في ظروفهم الصعبة وكانت تجود بما في يديها دوما، فلا تندهش لو جاءتها امرأة تشكو ضيق الحال فدون تردد تخلع خاتمها لتمنحها لها عله يساعدها في أزمتها، او تجود بكل طعام المنزل لسائل لم تجد ما تعطيه، او تفتح أرضها ليأخذ منها المعسرون ما شاؤوا، وعلاوة على ذلك حرصت حتى رحيلها على إطعام سنوي في رمضان تقدمه لوجه الله، كما حرصت قبل ذلك أن تقدم الماء لكافة أبناء الحي ولمن أراد، تعلمنا منها درسا هاما في البذل زرعته فيمن حولها.
امي رحمها الله حرصت على تربية أبنائها تربية حسنة، فكنا بفضل الله تعالى دوما كما أرادت، ولعل دعاءها المستمر لنا هو الذي اعاننا على ما نحن فيه، ويشهد الله أنني واخوتي كنا نطلب منها الدعاء لنا حتى وهي في مرضها، وكنا نلح على ربنا بسترنا ومنحنا ونحن نغسل قدميها رحمها الله تعالى، والتي لن نتمكن من غسلها بعد ذلك، فقد شخنا بموتها وهُدمنا بفقدها، وتغربنا ببعدها، وكُسرنا برحيلها، كيف لا وقد ورد في الأثر : إذا ماتت ام الرجل نادى مناد ٍ من السماء أن ماتت التي كنا نكرمك لأجلها، ..
اليوم غادرتنا امي رحمها الله تعالى إلى مكان سنلحق بها عما قريب، ولكن حتى ذلك الوقت ارجو من العلي العظيم أن يحفظنا ويجبرنا فنحن الأيتام بعدها.