أحمد الشّقيري يتذكَّر: جامعة الدّول العربيّة فكرة بريطانيّة


تم النشر 24 سبتمبر 2020


عدد المشاهدات: 1019

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


 

واكب أحمد الشقيري ولادة الجامعة العربية منذ بدايتها. ورغم كونه سياسياً فلسطينياً، ويعرف بأنه مؤسّس منظّمة التحرير الفلسطينيّة وأوّل رئيس لها، فقد شغل أيضاً منصبي وزير الدولة السعودي لشؤون الأمم المتحدة وسفير السعودية في الأمم المتحدة. وقبل ذلك، شغل منصب الأمين العام المساعد للجامعة العربية. ومن هنا تأتي أهميّة الكتاب الذي ألّفته الدكتورة خيرية قاسمية تحت عنوان "أحمد الشقيري زعيماً فلسطينياً ورائداً عربياً".

يستند هذا المقال إلى ما ورد في الكتاب، إذ يتذكَّر الشقيري فيه مسعى بريطانيا لاجتذاب الرأي العام، ودفع العرب إلى الوقوف معها في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا، عن طريق مداعبة أحلام الوحدة لديهم، بإصدار بيان إيدن (أنطوني إيدن عيَّنه رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل وزيراً للخارجية في 23 كانون الأول/ديسمبر 1940، واستمرَّ في منصبه طيلة فترة الحرب العالمية الثانية، ثم غادره بعد هزيمة حزب المحافظين في الانتخابات التي أجريت في العام 1945). كان أنطوني إيدن أول من طرح فكرة إنشاء جامعة للدول العربية، وذلك في خطاب له في أيار/مايو 1941.

تصاعد اهتمام بريطانيا بالشؤون العربية بعد العام 1943، في حين كان الشعور العربي يتعاطف مع دول المحور. وقد قدّرت بريطانيا أنَّ الظروف أصبحت مؤاتية لمعاودة البحث في الوحدة بصورة شاملة، فأصدر إيدن في شباط/فبراير 1943 تصريحاً عبَّر فيه عن النظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب لتعزيز الوحدة الاقتصادية والثقافية والسياسية. وهكذا انطلقت إشارة البدء بإنشاء الجامعة العربية خلال الحرب العالمية الثانية، وكان هدف بريطانيا من ذلك، في رأي الشقيري، إنشاء منظمة إقليمية تحت شعار الوحدة، لخدمة السياسة الغربية.

بدأ رئيس وزراء مصر مصطفى النحاس باشا مشاوراته لإقامة الوحدة بين 7 دول عربية، وجرت المشاورات بشكل ثنائي، وعلى 5 مراحل. بدأت المرحلة الأولى بين الوفدين المصري والعراقي، والمرحلة الثانية بين الوفدين المصري والأردني، ودارت المرحلة الثالثة بين الوفدين المصري والسعودي، والمرحلة الرابعة بين الوفدين المصري السوري، وأخيراً الوفد اللبناني.

وعلّق الشّقيري على المشاورات الَّتي جرت لإقامة الوحدة العربية في نهاية تقرير رفعه إلى الرئيس السوري شكري القوتلي: "وهكذا ترون فخامتكم أنّ مشاورات الوحدة العربية تناولت كلّ شيء... إلا الوحدة العربية".

بدأت في خريف العام 1944 المباحثات الجماعية الرسمية بين رؤساء الحكومات العربية السّبع، وعلّق الشقيري عليها بقوله: "ثرثرة وصرصرة لا مثيل لها"، إذ وجد الرؤساء يتكلَّمون بلسانين ولغتين، فيتحدّثون إلى الصحافة مؤكدين قيام الوحدة، ويقولون في الاجتماعات ما يخالف ذلك ويناقضه.

وفي نهاية المباحثات، أعلن النحاس باشا أنه تقرّر بإجماع الآراء استبعاد تأليف حكومة مركزية للبلاد العربية كلّها، لمساسه باستقلال كلّ بلد منها، وهي جميعاً تريد المحافظة على هذا الاستقلال، ثم دار الحديث عن هيئة عربية تكون أداة للتعاون، وكانت العقدة في فاعلية قراراتها: هل تكون مُلزمة أو غير مُلزمة؟ وفي النهاية، صياغة مشروع ينصّ على أن "تؤلّف جامعة الدول العربية... ويكون لهذه الجامعة مجلس يسمى مجلس جامعة الدول العربية... وتكون قرارات المجلس ملزمة لمن يقبل بها...".

وبعد أن أصبح الاتفاق وشيكاً، ارتأى الرؤساء أنَّ من اللائق... استرضاء للرأي العام العربيّ، أن يستمعوا إلى موسى العلمي (ممثل الأحزاب في فلسطين) الذي وصل إلى الإسكندرية. وألقى العلمي بياناً استعرض فيه قضية فلسطين، وأوضح الخطر الذي يتهدَّدها، بسبب الهجرة والإرهاب الصّهيونيين، وتقدم بمطالب شعب فلسطين لمساندته بالمال والسلاح حفاظاً على عروبة فلسطين... ولمس الشّقيري من واقع ما جرى بعد كلمة العلمي أنَّ أحداً لم يتعرض لهذه المطالب بغير الوعود الإنشائية المعروفة.

وفي اللجنة التحضيريّة، طال الأخذ والردّ موضوع شرعية تمثيل فلسطين وطريقته والصّفة التي يحضر بها موسى العلمي، فهل هي صفة شخصية، أم بصفته مندوب فلسطين، أو ممثل الأحزاب الفلسطينية؟ وكان عدد غير قليل من الساسة العرب - كما يقول الشّقيري – من موزّعي الولاء والصّداقة لبريطانيا وأميركا وفرنسا. ولهذا، رسا الاتفاق على أن يُدعى موسى العلميّ "بلا صفة ولا عنوان". وإرضاءً لوفد لبنان، طالب بأن يكون الحضور استشارياً.

بلغ عدد جلسات اللجنة التحضرية لبحث مشروع الميثاق 16 جلسة امتدَّت حتى الأول من آذار/مارس 1945، وانتهت الوفود إلى مشروع ميثاق الجامعة المؤلّف من 22 مادة مع مُلحقين، أحدهما خاص بفلسطين، والآخر خاص بالبلاد العربية غير المستقلّة، وفي الوقت الذي كانت ترد إلى الوفود البرقيات الكثيرة التي تطالب بالوحدة، أرسلت الولايات المتحدة الأميركية وثائق دومبارتون أوكس (الخاصة بإنشاء منظمة الأمم المتحدة) للاهتداء بها في وضع الميثاق، أي في إقامة منظمة إقليمية، لا وحدة عربية أو اتحاد عربي.

تكاملت الوفود العربية في 17 آذار/مارس 1945 على شكل هيئة تحضرية عامة، وشهدت القاهرة تجمعاً كبيراً في سراي الزغفران. وحاول رئيس وزراء مصر التوفيق بين مشروع ميثاق الجامعة ورغبة الرأي العام العربي في الوحدة، وكأنه كان يتولى الدفاع عن الحكومات العربية أمام غضب الرأي العربي، واقترحت مصر عبد الرحمن عزام باشا أميناً عاماً للجامعة العربية، وتحدّد يوم 22 آذار/مارس 1945م موعداً لاجتماع اللجنة التحضرية في شكل مؤتمر عربي عام لتوقيع الميثاق. ويصف الشقيري بسخرية مُرة هذا الحفل وما أُلقي فيه من كلمات: "أجاد الخطباء، وما أفادوا".

لقد كان هدف الشقيري من السرد التاريخي الطويل لنشأة الجامعة العربية هو توجيه النقد إلى ملابساتها ودلالاتها، فقد حققت الجامعة العربية التي قامت بهذا الشكل حلماً قديماً للسياسة البريطانية كان يراود مُخيلتها في مطلع القرن العشرين، وقدمت لها الخطط اللازمة لذلك. 

وأظهر الشقيري بوضوح كيف تسللت الرغبات البريطانية والتمنيات الأميركية - عن قصد أو غير قصد - إلى الجامعة العربية في هيكلتها وميثاقها ومنهجها، فجاءت هذه الجامعة تكريساً للتجزئة والانفصال في ثوب شرعي قانوني.

وكان للشّقيري مآخذ ومطاعن على الجامعة العربيّة. ومن حيث المآخذ، إن ميثاق الجامعة العربية لم يقم على أساس الوحدة، بل على أساس التعاون والتنسيق، ولا يوجد فيه ذكر للأمة العربية أو الوطن العربي، بل للدول العربية والبلاد العربية. ومن قيود الميثاق أو عيوبه، تأكيد فكرة الاستقلال المطلق والسيادة التامة. ولهذا، نصّ الميثاق على أنّ القرارات غير مُلزمة.

https://www.almayadeen.net/articles/blog/1424638/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%82%D9%8A%D8%B1%D9%8A-%D9%8A%D8%AA%D8%B0%D9%83%D8%B1--%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9




- انشر الخبر -