" بالإيمانِ والقُرآن يَرْبِطُ اللهُ على القلوبِ ، ويُثَبِّتُ السِّيْقَان "/ بقلم عبد العال الأسطل


تم النشر 01 أكتوبر 2014


عدد المشاهدات: 988


بسم اللهِ الرحمن الرحيم

 

" بالإيمانِ والقُرآن يَرْبِطُ اللهُ على القلوبِ ، ويُثَبِّتُ السِّيْقَان "

 

الحمدُ لله الذي جعلَ الفِتَنَ والمصائبَ اختباراً لِعِباده ؛ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الذينَ صدقوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذبين ، والصلاةُ والسلامُ على الأُسْوَةِ الحسنةِ في الصبرِ والمصابرة ، سيِّدنا مُحمدٍ ، وعلى آلهِ وصحبهِ الصابرينَ المحتسبين.

أمـــا بعد :

فإنَّهُ مما ينبغي شدُّ الانتباهِ إليهِ والتذكيرُ به ؛ أنَّ الابتلاءَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الله تعالى الماضيةِ في الآخرين ، وقدْ خلتْ في الأوَّلِين ، ولنْ تجدَ لها تبديلاً ، ولنْ تجدَ لها تحويلاً ؛ وإنَّ في ذلك لذكرى لِمنْ كانَ له قلبٌ ، أو ألقى السمعَ وهُو شهيد ؛ تبصرةً وذكرى لكل عبدٍ مُنيب .

أمَا وأنْ يحسبَ أَكثَرُنا أنْ يُتركَ مُدَّعِياً الإيمانَ مِنْ غير فتنةٍ أو ابتلاءٍ أو تمحيص فهذا ضلالٌ قديم ، وخطأٌ جَسِيم !! ؛ إنَّ الإيمانَ يستلزمُ الامتحان ، وعلى قدرِ إيمانِ الرجالِ تكونُ المصائبُ ، وتَعْظُمَ الابتلاءات ، فهنيئاً لِمَنْ زِيْدَ في بلائهِ ؛ فإنَّهُ أمارةُ عبادِ اللهِ وأوليائه .

إنَّ الاختبارَ بضروبِ المصائبِ والمِحَنِ زيادةٌ في منزلة المؤمنينَ ، ورِفعةٌ في درجاتهم ، وهوَ مِنْ أسبابِ استخراجِ سجايا الصبر والرضا ، والشكرِ والتسليم ، والتوكلِ والتفويض ، لِينْظُرَ كيفَ تعملون .

إنَّ المؤمنَ الحقيقيَ قدْ أيْقَنَ بالمصائبِ قبل وُقوعها ، وتَهَيَّأ للمحنِ قبل حُلُولِها ؛ ذلكَ أنَّه قدْ عاشَ معَ القرآنِ برُوحهِ وبدنه ، وبقلبهِ وعقله ، فاستخرجَ المواعِظَ والعبرَ مِنْ أنباءِ مَا قد سبق ، فإنَّ المؤمنَ يعلمُ أنَّ النجاةَ والسلامة تكونُ بهذا القرآن ، وأنَّ التغلُّبَ على الآلامِ والجراحاتِ إنَّما يكونُ بالعيشِ في ظلالِ القرآن ؛ ذلكَ أنَّه ليسَ كتابَ تبرُّكٍ وتلاوة ، إنَّما هو كتابُ ذكرى وموعظة ، قال تعالى :" إنْ هُو إلَّا ذِكرٌ للعالَمِين * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأهُ بعدَ حِين".(سورة ص /87،88) .

هذا ، وإنَّ حديثَ القرآنَ عنْ طَرَفٍ مِنْ نعيمِ الجِنَان ، فِيهِ ما يدفعُ للاستبشارِ بالمصيبة والسرورِ بها ، وعلى الأُنسِ بالبلاءِ ، تماماً كالأُنْسِ بالرَّخاء ، لذا كانَ أمرُ المؤمنُ كُلُّهُ له خير ، لأنَّه إما في نعمةٍ فَيَشْكُرْ ، أو في مصيبةٍ فيصبر ، وليسَ ذلك لأحدٍ إلَّا للمؤمن .

إنَّ محاولة المؤمنِ أنْ يُطلقَ العنانَ لخيالهِ في التفكرِ في الأنهارِ المُطَّرِدَة ، والقُصورِ المُنِيْفَة ، والقطوفِ الدَّانية ، والعُيونِ الجارية ، والسرُرِ المرفوعة ، والأكوابِ الموضوعة ، والنمارقِ المصفوفة ، والزرابيِّ المبثوثة ؛ ليُفَّجِرُ فيهِ طاقاتِهِ الكامنةَ في الصبرِ والاحتمال ، تلكَ التي لا بُدَّ لها مِنْ جذْوَةٍ إيمانيَّةِ حتى تَتَّقدَ مولدةً  السعادة في قلبِ المحنة ، والطمأنينةَ في صُلبِ المصيبة .

إنَّ بلالاً والصحابةَ الأوَّلِين رضيَ اللهُ عنهمْ أجمعين قدْ أحْيَوا فينا هذهِ الحقيقة ، وهم يَتعرضُونَ لصنوفِ العذابِ التي لمْ يكنْ لَيقوى على الصبرِ عليها الأشدَّاء مِنَ الرجال ، غيرَ أنَّهُ الإيمان الذي يُهوِّنُ الأذى على صاحبه ، ويُذكي في روحِهِ الصبرَ والمصابرة ، مستحضراً أنْ يكونَ في قوافلِ المُبشَّرِينَ بذلكَ الندَّاء المبارك " سلامٌ عليكمْ بِما صبرتُم فنِعْمَ عُقبى الدَّار " . (الرعد/24)

 

وعلينا  في الختامِ أنْ نُشيرَ بوضوحٍ إلى أنَّ مِنْ حِكمَ الابتلاءِ أنَّ اللهَ تعالى يُريدُ أنْ يصنعَ عِبادهُ على عَيْنِهِ ، لِيَجْعَلَهُمْ أَكْثَرَ نفيراً  ، فيُصبحَ أعدائُهُم لا قِبَلَ لهم ِبهم ؛ فضلاً عَنْ تمحيصِ القلوبِ بالرُّجوعِ والضراعةِ إلى اللهِ حِينَ يُوقنونَ أنْ لا ملجأ مِنَ اللهِ إلاَّ إليه .

ولعلَّ مِنْ أعظمِ الحِكمِ في ذلكَ أيضاً أنْ يَظْهَرَ للنَّاسِ أنْ دِيننا أغلى عندنا مِنْ راحتنا وأرواحِنَا ، لإيماننا أنَّهُ حقُّ اليقين ، فتقومَ بذلكَ حُجَّةُ اللهِ على العالَمِين ، فَيَهْلَكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بيِّنة ، وأنَّهُ في ضلالٍ مُبين ، ويَحْيَى مَنْ حَيَّ عنْ بيِّنة ، وأنَّهُ على صراطٍ مستقيم .

 

وخِتاماً /

فإنَّ التعلقَ باللهِ تعالى ، والاعتصامَ بكتابه ، والتسليمَ لقضائهِ وقدره ، ومِنْ ثَمَّ الطمعُ فيما أَعدَّهُ للصابرينَ الثابتين ؛ فيهِ ما يدفعُ للاحتساب والاسترجاع ، وفيهِ ما يُحرِّضُ على الانخلاعِ من الجَزِعِ والقنوط واليأس ، ويبقى خيرُ الزادِ هُو التقوى ، وأنْ نأويَ إلى اللهِ مطمئنينَ موقنينَ بأنَّه هو الضارُّ النافع ، وأنْ عسى أنْ تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم ، وعسى أنْ تُحبُّوا شيئاً وهو شرٌ لكم ، واللهُ يعلمُ وأنتمْ لا تعلمون .

اللهمَّ اجعلنا مِن عبادِكَ الصابرينَ المحتسبين ، الذينَ يُسَلِّمُونَ لأمرك ، وينقادونَ لحُكمك ، ويرتضونَ مشيئتكَ .
هذا ، وقدْ تمَّ المقالُ بحمدِ الله ؛فإنْ كانَ مِنْ خطأٍ فمعذرةً ، فالخطأُ جِبِلَّةٌ فينا ، ولا معصومَ إلَّا مَنْ عصمهُ الله .

وصلى اللهُ وسلمَ وباركَ على نبيِّهِ ومُصطفاه .

بقلم / عبدالعال محمد الأسطل

ليلة الأربعاء 7 ذي الحجة 1435 ه

الموافق 1/10/2014 م




- انشر الخبر -