الكتاب: ما بعد مالك بن نبي.. نحو تجديد الخطاب الحضاري في مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين.
الكاتب: الدكتور البشير قلاتي
الناشر: شركة الأصالة للنشر ـ الجزائر ـ تشرين الأول / أكتوبر 2019
عدد الصفحات: 247 صفحة من القطع المتوسط
يواصل الكاتب والإعلامي الجزائري حسان زهار قراءة كتاب "ما بعد مالك بن نبي"، للكاتب الجزائري الدكتور بشير القلاتي، ويركز في الجزء الثاني على تتبع مفهومي التخلف والقابلية للاستعمار، في علاقة بواقع الجزائر، لا سيما بعد معركة التحرير.
القابلية للاستعمار والتخلف
وحول المفهومين الخطيرين "القابلية للاستعمار" و"التخلف"، يقول الكاتب: إن (أُولى ملاحظات مالك بن نبي هو أن الاستعمار نفسه يحرص على غرس فكرة التبعية الطبيعية في عقول ابن المستعمرات، بما يسميه مركب التبعية، وهو ما حاول بعض المستشرقين الترويج له، لكن الفرق شاسع بين مركب التبعية هذا الذي يعبر عن حالة ركود وجمود نتيجة تطور نفسي طبيعي تلقائي، والقابلية للاستعمار حالة ركود نتيجة نكسة اجتماعية. فإذا كانت أزمة التبعية أزمة نفسية بالدرجة الأولى فإن أزمة القابلية للاستعمار أزمة اجتماعية، (ص 101 ص 102).
هنا يوضح: "لتتخلصوا من الاستعمار عليكم أولا أن تتخلصوا من قابليتكم له (ولا يقصد مالك بن نبي التخلص من الاستعمار هنا مجرد إخراجه عسكريا، أي الاستقلال السياسي فقط، وإنما يعني الاستقلال الحضاري الشامل)"، (ص 107).
أما بخصوص التقدم كمفهوم يشير الكاتب إلى "أن الحياة حركة والحركة تقتضي الانتقال من نقطة إلى أخرى، والمتابعة في السير، يعني التقدم إلى الأمام. أما السكون فهو الوقوف عند نقطة معينة، وإذا توقف المجتمع والناس سائرون تخلف ضرورة... وهذا هو معنى التقدم الذي نتناوله في الإطار الحضاري العام، حركة إلى الأمام بدافع من طاقات ذهنية فكرية وغايات وأهداف مرسومة... ولا يعني التقدم بأي حال من الأحوال القطيعة مع الماضي أو تجاوز التراث جملة... حركة الأمة للإمام تستند إلى الماضي"، (ص 108).
وبخصوص إمكانية التقدم يعتبر الدكتور قلاتي أن "الإمكان رهن الإرادة.. التخلف إرادي تماما فكل مجتمع متخلف يتحمل مسؤولية تخلفه وهو أمر ثابت نصا وعقلا وواقعا حتى هزيمة العرب أمام إسرائيل في جميع الحروب التي خاضتها حصلت بإرادة العرب أنفسهم، وهو ما أشار إليه مالك بن نبي رحمه الله فقال إنها تعود إلى سوء التقدير والتدبير والانشغال بالسفاسف وإهمال الواجبات، وهو ما سماه مالك ذهان السهولة أي الاستهانة بقوة إسرائيل ما انتهى بالعرب إلى ما سمي حينها بنكسة حزيران 1967"، (ص 110).
ويضيف: "بناء على ما سبق فإن سر التقدم يكمن في توفر إرادة للتقدم... إن تقدم الأمة الإسلامية ممكن رغم صعوبته بشرط أن يقوم المسلمون بثورة دينية داخلية تبدأ بمراجعة الذات ومحاسبتها، فإن انتصروا في هذه المعركة النفسية الداخلية، فإنهم يستطيعون القيام بالمعجزات، هذه الثورة النفسية الداخلية بإمكانها حرث جميع حقول الحياة في وقت قريب، وهي التي ستجبر الاستعمار على الهروب إلى غير رجعة وتزيل آثار التخلف من فقر وجهل ومرض وظلم لتعلن دخول المسلمين عصرا جديدا، عصر الحضارة الانسانية"، ( ص 112).
من البوليتيكا إلى السياسة
يشير الكاتب إلى أن "علاقة المثقف بالسياسي علاقة جدلية صعبة اتسمت على مر التاريخ بالتشنج والفتور غلب عليها طابع الزراية (الاستعلاء) أحيانا والاستتباع (تبرير العمل السياسي) أحيانا أخرى بدل بناء علاقة موازنة بين العقل والواقع النظر والممارسة. بما يسميه علاقة المصاحبة الضرورية لمواجهة التحديات الكبرى للنهضة والتقدم"، (ص 115).
والسبب هو أن (البوليتيكا) التي تميزت بها أنظمتنا السياسية التي تشبعت بعقلية الذهان، بما يجعل استقلال دولنا استقلالا شكليا، لأننا لا نملك سياسة علمية بل سياسة لمسية (لا تؤمن بقيمة الفكر) وشخصية (تدور حول عالم الأشخاص أي الزعيم) أو الأشياء (ظاهرة التكديس) وهو ما تدركه مراكز الاستعمار التي تقود الصراع الفكري في البلاد لتكثر فيه الفساد لتعمل على استغلال هذه الظاهرة المرضية بما يحقق لها مكاسب كبيرة، إذ يكفي أن تجعل لعبتها السياسية غير قابلة للمس حتى نعجز عن إدراك أي جزء منها.. وهو ما جعل مالك يدعو إلى التأسيس لعلم اجتماع الاستقلال، (ص 115 ص 116).
كانت فكرة الجامعة الإسلامية التي دعا إليها الأفغاني حسب الكاتب الدكتور بشير قلاتي، حلما جميلا "لكنه اصطدم بواقع البوليتيكا السائدة والمهيمنة على قرارات السلط القطرية العربية مع ضغوط المتغيرات الدولية، حيث تتحكم قوى الهيمنة الغربية على سياسة العالم، وتحرص تماما على تنمية تخلف العالم الإسلامي من خلال حراسة تفرقه، فمن يجرؤ على طرح فكرة الوحدة تحت مظلة أي فكرة إسلامية قومية ويعمل على تجسيدها يتعرض إلى البأس الشديد، ويبدأ بتلفيق التهم الجاهزة ثم تجويعه بالحصار الاقتصادي، فإن لم يتراجع تعرض لضربة عسكرية تحت أي ذريعة، كما حدث للعراق قبل ضربه واحتلاله في حرب الخليج الثانية بذريعة إخفاء أسلحة كيمياوية... أما جامعة الدول العربية فليست أكثر من هيكل بلا روح تستهلك ميزانية الشعوب العربية دون أن تقدم خدمات لدعم هذه الشعوب ولم تنجح لحد الآن في حل أي مشكلة حقيقية تعرضت لها أي دولة عربية وظلت مواقفها تدور في نطاق التنديد والاستنكار وهي مظاهر البوليتيكا التي تحدث عنها مالك بن نبي رحمه الله". (ص 119).
كانت فكرة الجامعة الإسلامية التي دعا إليها الأفغاني حسب الكاتب الدكتور بشير قلاتي، حلما جميلا "لكنه اصطدم بواقع البوليتيكا السائدة والمهيمنة على قرارات السلط القطرية العربية مع ضغوط المتغيرات الدولية،
ولذلك "على البوليتيكيين في الدول القطرية العربية أن يدركوا خطورة ما يحملونه من أفكار وما يروجون له من شعارات فاقدة للروح بعضها ميت وكثير منها قاتل لأن كل من النخب والجمهور يقفون في سفينة واحدة ويواجهون مصيرا واحدا لأن السفينة إن غرقت فسيقضى على الجميع وهم أنفسهم سيكونون وقود الخراب الشامل ويبقى التأكيد البنابي على أن السياسة دون أخلاق ما هي إلا خراب للأمة". (ص 130).
كان مالك بن نبي يأمل أن تبنى نهضة الجزائر بعد عام 1962م، أي بعد التخلص من الاستعمار الفرنسي، ولهذا اعتبر الحضارة، وكأنه ينظر إلى ما ينتظر الجزائر من تحديات، وهذا المشروع الحضاري المصيري لا يمكن بناؤه على مجرد العواطف والشعارات بل يبنى على سياسة رشيدة واقعية وفق منهج علمي ومنطق دلائل علم الاجتماع ومقرراته، حتى وهو يرسم رؤيته للحضارة كان تركيز مالك على وظيفتها فهي مجموع الشروط المعنوية والمادية التي تتيح لمجتمع ما أن يوفر لكل عضو فيه الضمانات الاجتماعية اللازمة لتطوره.. والسياسة التي لا تقدم هذه الضمانات ليست أكثر من بوليتيكا كذب ونفاق وديماغوجيا، لكن هذا لايعفي الفرد نفسه من القيام بواجبه نحو المجتمع، (ص 134).