قراءة ليبيا من كتاب سورية مروان قبلان


تم النشر 09 يونيه 2020


عدد المشاهدات: 1143

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


بعد أن شدّت سورية انتباه العالم خلال السنوات الماضية، باعتبارها ساحة الصراع الرئيسة في منطقة شرق المتوسط بين قوى طامحة إلى تعزيز مواقعها في نظام إقليمي ودولي متغير، انتقلت المعركة، كما يظهر، بالفاعلين أنفسهم تقريبا، إلى جنوب المتوسط في ليبيا، التي تبدو من الناحية الاقتصادية جائزة أهم بكثير من سورية، نظرا إلى احتوائها على أكبر احتياط نفط في أفريقيا (حوالي 48 مليار برميل).
الصراع الليبي بدأ، كما في سورية، ثورة (انتفاضة) شعبية على نظام مستبد، وفر، بسياسات العنف التي اتبعها، الفرصة لقوى إقليمية ودولية طامحة للتدخل لتحقيق مصالحها. وقد احتدم الصراع أخيرا نتيجة جملة من التطورات، منها إعلان مصر الشهر الماضي عن قيام تحالف خماسي لمواجهة تركيا واحتواء نفوذها الصاعد في ليبيا وحوض المتوسط، يضم إليها اليونان وقبرص والإمارات وفرنسا. وفي رد فعل، تقدّمت شركة النفط الوطنية التركية فورا بطلب إلى حكومة الوفاق في طرابلس للسماح لها ببدء عمليات التنقيب عن النفط في مياه ليبيا الاقتصادية الخالصة التي جرى تحديدها بموجب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا أواخر العام الماضي. وتمثل التطور الآخر المهم في ظهور نتائج الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق، حيث تمكّنت بفضله من إلحاق سلسلة من الهزائم بقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر حول طرابلس، وعلى امتداد الساحل الغربي. وتمثل التطور الأخير البارز بظهور بوادر تدخل عسكري روسي مباشر في ليبيا، بعد أن كان الدعم الروسي لحفتر يأخذ طابعا غير رسمي من خلال مرتزقة فاغنر، إذ نقلت روسيا، بحسب القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) طائرات ميغ وسوخوي إلى ليبيا، استعدادا على ما يبدو لتدخل مباشر في معارك الغرب الليبي.
تعيدنا كل هذه التطورات إلى مشاهد العام 2015 في سورية، مع اختلافٍ في بعض التفاصيل. منها مثلا اصطفاف فرنسا إلى جانب روسيا في ليبيا ضد تركيا. ومع أن فرنسا لم تكن قريبة أبدا من الموقف التركي في سورية، حيث ذهب جل الدعم الفرنسي للقوى الكردية المناوئة لتركيا، خصوصا بعد صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلا أنها كانت تعارض، في المقابل، السياسات الروسية الساعية إلى ترسيخ نفوذها في سورية. أما الولايات المتحدة فبقيت، كما كان حالها في سورية، منقسمة ومتردّدة في خوض غمار الصراع الليبي مباشرة، على الرغم من أنها كانت وراء إسقاط نظام القذافي عام 2011 بقيادتها حملة حلف الناتو الجوية التي أنهت أربعة عقود من حكم العقيد البائس. ويبرز الانقسام الأميركي بجلاء اليوم بين موقف الرئيس ترامب الذي يبدو أقرب إلى الإمارات ومصر وفرنسا وموقف المؤسسة الأميركية، وخصوصا وزارة الدفاع التي ترفض التوسع الروسي في حوض المتوسط، ومنه يمكن فهم البيان القوي الذي أصدرته "أفريكوم" تحذر من تكرار السيناريو السوري في ليبيا. وتميل وزارة الدفاع، على الرغم من عدم ارتياحها للسياسة التركية في سورية، إلى دعم الموقف التركي في مواجهة روسيا في ليبيا، بديلا عن تدخل أميركي مباشر، كما حصل في سورية تماما بين عامي 2011 - 2014، أي قبل انطلاق الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
هناك تفاصيل كثيرة في الحديث عن تشابه الحالتين السورية والليبية يضيق المجال بذكرها، لكن خلاصة القول إن الصراع في ليبيا وعليها يتجه نحو مزيد من التصعيد. ولن يحتاج المرء مهارات خاصة في التحليل والاستشراف ليعرف ماذا سيجري، إذ يكفيه أن يقرأ في الكتاب السوري ليعرف ماذا سيحل بليبيا. بعد قليل، سوف يفقد الليبيون كليا قرارهم، وسوف يتحولون خبراء ومراقبين ومحللين لتدخلات الآخرين في شؤون بلادهم، وسوف يجلس هؤلاء الآخرون بعد ذلك إلى طاولة المفاوضات، بعد أن يكونوا تعبوا من القتال بدماء الليبيين، وجرّبوا أسلحتهم فيهم وعلى أرضهم، من أجل زيادة حصصهم في سوق السلاح العالمي، وبعد أن يكونوا هدموا آخر جدار مقام في بلادهم، من أجل مشاريع إعادة الإعمار. لو يتمتع السياسيون الليبيون بأقل قدر من الحكمة التي افتقدها إخوانهم السوريون، ويبادرون إلى لملمة جراحهم والاتفاق على تقاسم الثروة والسلطة في ما بينهم، قبل أن يتقاسمهم الآخرون، لكان خيرا لهم، فالكيّس من اعتبر من كيس غيره.



- انشر الخبر -