بسم الله الرحمن الرحيم
توحيد المشاعر في شهر رمضان
لعله من أعظم ما ينفع العباد في حياتهم الدنيا والآخرة أن تتحد مشاعرهم ويكونوا كالجسد الواحد على قلب رجل واحد، ففي هذا سبب لدخول الجنة مع الزمرة الأولى كما جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم - : "لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد".
وشهر رمضان شهر الخير والبركات من أعظم فضائله وبركاته أن يوحد مشاعر أبناء الأمة جميعهم، ويجعل منهم جسداً واحدً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
ففي هذا الشهر المبارك تتحد الهمم والعزائم نحو خالقها تجأر إليه بالدعاء طالبة منه – عز وجل – الرحمة والغفران والعتق من النار فهو شهر العبادات المختلفة، فالمشاعر متحدة في التوجه إلى الله عز وجل.
وفي نهار رمضان تجد جميع المسلمين وفي كل بقاع المعمورة قد كُممت أفواههم فلا أكل ولا شرب، ففيه اتحاد الشعور بالجوع وتجنب المتع الحسية لدى الجميع، وعندما يحين وقت الإفطار تجد الجميع قد جلسوا على مائدة الإفطار يدعون الله أن يتقبل منهم ويتناولون ما شاء الله لهم من طعام، وقد عمت مشاعر الفرح بالفطر بعد أداء العبادة والتزام الطاعة .. كل المسلمين يعمهم نفس الشعور في آن واحد.
وإذا ما حان وقت العشاء وجاء الليل وجدتهم يؤمون المساجد، يؤدون صلاة القيام كلهم في وقت واحد وقبل الفجر تجدهم وقد أفاقوا من نومهم في ساعة السحر، يجلسون لتناول طعام الخير والبركة (السحور) وكلهم في وقت واحد.
وفي هذا الشهر العظيم يُندب العباد إلى مضاعفة الأعمال الصالحة، فيُطعم الطعام وتنتشر الموائد الرمضانية في كل مكان، يطعمها القانع والمعتر، ويعم الإحسان الجميع، وقد جُبلت القلوب على حب من يحسن إليها فتنتشر المحبة وتنحسر العداوة، ولا ننسي صلة الأرحام التي تعم جميع أبناء المجتمع من دور عظيم في هذا المجال.
كل ذلك يوحد أبناء الأمة ويجمعهم على الشعور بالمحبة، وجدير بالذكر في هذا المقام ذلك الاجتماع العظيم في البلد الحرام عند البيت العتيق حيث يضاعف ثواب العمرة في هذا الشهر، فيتسابق المعتمرون لأداء العمرة في هذا الشهر فيجتمعون في أقدس بقعة في زى واحد، شعورهم واحد وهو الالتجاء إلى خالقهم كي يرحمهم ويغفر لهم، فتنسج عرى المحبة بينهم، ويتناسون الخلافات.
ويتوج ذلك كله الشعور العظيم بالفرحة في نهاية هذا الشهر ألا وهو يوم عيد الفطر وما أدراك ما يوم العيد.
ونرى في الجانب الآخر ما يعين على وحدة المشاعر وهو ضبط النفس الذي يبلغ ذروته في هذا الشهر العظيم، فمردة الشياطين قد صفدت والتي تدعو إلى التحريش بين أبناء الأمة، والأمعاء خاوية، والشهوات ملجمة، وفي هذا كسر لرعونة النفس الأمارة بالسوء، وقد جاء التحذير الشديد من كل ما يجلب العداوة ويثير الحزازات بين النفوس، مثل السباب والشتائم وقول الزور والغيبة والنميمة واقتراف الذنوب والفواحش وما إلى ذلك ...
أليس كل ذلك من أكبر الدواعي إلى وحدة المشاعر التي تؤدى إلى وحدة الكلمة واجتماع الصف حتى نواجه بذلك النفس الأمارة بالسوء والعدو الأكبر ألا وهو الشيطان ونواجه أيضا أعداء الأنس الذين يتربصون بنا الدوائر ... أليس كذلك ؟!