بسم الله الرحمن الرحيم
جواز المرور للدخول في زمرة أهل اليمين
إن التأهيل لممارسة أي عمل، لابد أن يخضع المتقدم لهذا العمل لاختبار يبين مدى كفاءته، وهل يصلح هذا المتقدم لمزاولة هذا العمل أم لا.
والدخول في زمرة اليمين وهم أهل طاعة الرحمن يحتاج هذا الدخول إلى اختبار أيضاً، يبين مدى صلاحية هذا العبد للتأهل لاستحقاق هذه المرتبة الراقية أم لا، والتي تحظى بكثير من الكرامات الربانية أولها الهداية والتوفيق في الحياة الدنيا وآخرها رضا الرحمن ودخول الجنة بإذن الله.
فما طبيعة هذا الاختبار؟ وكيف يمكن اجتيازه؟ فإذا أراد العبد أن يكون من أهل اليمين فعليه أولاً وقبل كل شيء أن يتحلى بشعور إنساني رفيع، يؤهله لبلوغ هذه المرتبة، فإن حُرم العبد هذا الشعور المتوج بالعمل المؤكد له، فهيهات أن يصل إلى تلك المرتبة، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم.
وتوضح الآيات من سورة البلد هذا المعني بجلاء، يقول الله تعالى: ( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ{11} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ{12} فَكُّ رَقَبَةٍ{13} أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ{14} يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ{15} أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ{16} ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ{17} أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ{18} )
فاعتاق الإنسان الذي يرسف في أغلال الرق حتى يتنسم عبير الحرية، أو إطعام الجائع في جو حرج تهدده المجاعة، كل ذلك شعور إنساني نبيل يجب أن يتحلى به المتقدم لزمرة أهل اليمين.
بعد ذلك على العبد أن يجتهد في تحصيل الإيمان والعمل الصالح.
ولقد رفع النبي – صلى الله عليه وسلم – الإيمان عن أناس يصلون ويصومون ولكنهم حُرموا الشعور الإنساني فمثلاً جاء في الحديث عنه – صلى الله عليه وسلم – قال : " والله لا يؤمن ثلاثاً " قيل من هو يا رسول الله، قال: " من بات شبعاناً، وجاره جوعان ".
وقال في حديث آخر: " والله لا يؤمن " قيل من هو يا رسول الله، قال " من لم يأمن جاره بوائقه ".
ولقد ذُكرت في حضرته ذات مرة امرأة كثيرة الصيام والقيام لدرجة أن الصحابة – رضوان الله عليهم – أُعجبوا من عملها، فقال – صلى الله عليه وسلم - : " إنها في النار "، ولما سُئل لماذا؟ قال – صلى الله عليه وسلم – : "إنها كانت تؤذي جيرانها وحبست هرة حتى ماتت ".
انظر إلى هذه المرأة كثيرة الصيام والقيام، لقد حُرمت الشعور الإنساني الذي يؤهلها ولوج زمرة أهل اليمين، فلم يكن عندها الشعور الإنساني الذي يجعلها تحترم جيرانها وتكف عنهم أذاها، وأيضاً لم يكن عندها شفقة ورحمة بالحيوان، ومن حُرم الرحمة والشفقة بالحيوان قد يُحرمها في الإنسان أيضاً.
فكل هؤلاء رسبوا في الاختبار المؤهل لدخول زمرة أهل اليمين، وذلك لانعدام الشعور الإنساني عندهم.
وجاء في الحديث " صنفان من أمتي لم أرهما لا يدخلون الجنة ولا يشمون ريحها، رجال في أيديهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات .. ".
فهذان الصنفان من أمة الإسلام، ولكنهما لا يدخلان الجنة وذلك لانعدام الشعور الإنساني، فالرجال يجلدون الناس دون شفقة أو رحمة، والنساء لم يراعين شعور الرجال خصوصاً الشباب من ما يلحقنه بهؤلاء من فتنة نتيجة خروجهن كاسيات عاريات.
ولعل من حكمة الله – عز وجل – في هداية عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – لما كان يتمتع به من شعور إنساني عظيم، كان قد غطاه غبار الجاهلية، سرعان ما ظهر عندما لطم أخته وسال منها الدم، فتأثر لهذا المشهد حتى قال لأخته ناولينى الصحيفة، فقرأ منها شيئاً من القرآن، فشرح الله صدره للإسلام حتى أصبح الرجل الثالث في هذا الدين.
والعكس صحيح، لعل عدم هداية عمرو بن هشام وهو " أبو جهل " للإسلام، وقد دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن يعز الإسلام بأحدهما، لما كان يخلو من أي مشاعر إنسانية، وقد ظهر ذلك جلياً عندما طعن الأمة المسكينة الضعيفة ( سمية أم عمار ) حتى لفظت أنفاسها أمام عينيه دون أن تتحرك في نفسه خلجة من شفقة، وكأنه من أجل ذلك كان مصيره عند الله – عز وجل – الضلال وعدم الهداية وقد نزل فيه قوله تعالى (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ{47} ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ{48} ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ{49} )
********************
ولو نظرنا إلى الطرف المقابل لوجدنا أن الله عز وجل أدخل في رحمته أناساً أتوا بأعمال في الظاهر بسيطة، ولكنها كانت تنم عن شعور إنساني عظيم.
فهذا الذى أسقى الكلب فغفر الله له، كان قد قال : " لقد بلغ من هذا الكلب من العطش ما بلغ منى "، فالذي يشعر بالحيوان من باب أولى أن يشعر بالإنسان.
وهذه المرأة التى أتت أم المؤمنين "عائشة" – رضى الله عنها – وأعطتها تمرة، فقامت هذه المرأة بشطر التمرة إلى نصفين وأعطت طفلتين كانتا معها كل واحدة نصف تمرة، فغفر الله لها بفعلها هذا، وهذا إن دل عن شيء فإنه يدل عما كانت تتمتع به هذه المرأة من شعور بالشفقة والرحمة تجاه الأطفال.
وإذا وُجد هذا الشعور في إنسان ربما يكون سبباً في رحمة الله لهذا الإنسان حتى وإن كان مسرفاً على نفسه، فهذه المرأة من بنى اسرائيل التى كانت تجاهر بالفاحشة، غفر الله لها لأنها أسقت كلباً.
هذا هو الإيمان شعور إنساني عظيم قبل كل شيء.
ولو نظرنا إلى حال المؤمنين من أنبياء وصالحين لوجدنا هذا الشعور واضحاً تماماً في حياتهم.
فهذا نبي الله ابراهيم – عليه السلام – كان مشفقاً على أبيه واستعطفه بكل وسائل الاستعطاف في عدم اتباع طريق الشيطان إلا أن محاولاته كلها لم تثمر مع أبيه، وظل على كفره، رغم ذلك قال "لأستغفرن لك".
وهذا النبي – صلى الله عليه وسلم – كان موقفه تجاه قومه الذين كذبوه وآذوه وقاتلوه إلا أن يقول " اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون ".
وقد حكى عن عبد الله بن المبارك أنه كان في طريقه للحج، فوجد امرأة فقيرة محتاجة للمال فأعطاها ما كان معه من مال ورجع من حيث أتي، فقد فضل إطعام هذه المرأة على شعيرة الحج.
بعد هذا نتساءل أين مكان الذين يقتلون ويؤذون المسلمين ومن يشجعهم ويحرضهم على ذلك من الإيمان؟!
كتبه الداعية أ.سامي طراف الأسطل