ولد الحاج | محمد نعمات مصطفى الاسطل( أبو غانم)في مدينة خانيونس عام 1921م. وكان والده في حينه يقترب من سن الثمانين عاماً ووالدته لم تتجاوز العشرين عاما تربى بين أحضان والده ووالدته حتى أصبح عمره أربع سنوات ثم طلقت والدته وهو في الرابعه من عمره وتزوجت أمه من آخر وأصبح يعيش مع والده شبه يتيم حتى توفي والده وكان عمره في ذلك الحين ثمانية أعوام ولم يبقى له أحد يتولى رعايته وتربيته وفرض عليه الزمن أن يشق طريقه بنفسه وهو طفل صغير وحرم من حياة الطفولة بكل أشكالها .
نشأ وترعرع وهو يكد ويشقى خادماً وراعياً عند الناس وعندما وصل ريعان شبابه بدأ يعمل عاملا بالأجر ليحصل على قوت يومه، ووالده عندما مات -رحمه الله تعالى- لم يبقي له شيئا، ولذلك كان علية أن يواجه الحياه وقساوتها بكل عزم وقوه من أجل لقمة العيش الصعبة في ذاك الزمان، ولم تسمح له الظروف القاسية بدخول المدرسه ليتعلم فيها واستمر في حياته الصعبة يعمل ويكد ويشقى ليحصل على قوت يومه حيث عمل في مجالات عده منها الزراعة، وأجيراً عند الناس، وسائقاً إلى غير ذلك من المهن... وقد حفر في الصخر فعلا وليس كما يقولون .
في عام 1942م. تزوج من السيدة ساره أحمد الأمير الأسطل -رحمها الله تعالى- وكانت تعيش مع والدها ووالدتها حياة ترف ولم تعرف للشقاء طعماً كونها بنت الأمير ولكنها بدأت حياتها مع زوجها الفقير دون أن يساعدها أحد حيث عملت معه جنبا إلى جنب وذاقت ويلات الفقر والشقاء من أجل لقمة عيش كريمة دون أن يساعدهم أحد لا القريب ولا البعيد وشقوا طريقهم في هذه الحياه ليكونوا أسرة، وعاشوا حياتهم كالعرب الرحل حيث لا يوجد لهم أرض ولا بيت ولا مال فبدأوا حياتهم بالعيش والسكن عند أحد الأقارب في بحر خانيونس يخدمون في أرضه من أجل لقمة العيش والسكن وبقوا يعيشون في البحر لمدة تزيد على العشرين عاماً، وقد عمل خلال العشرين عاما أجيرا بالطوريه عند الناس بالإضافه إلى عنايته بأرض قريبه من أجل السكن حيث كان يعتني بهذه الأرض التي تخص قريبه ويقوم بزراعتها والإهتمام بها، وعندما يجد وقتا يقوم بالعمل بالأجر عند الناس وكانت زوجته تساعده في الزراعه وتربية الأغنام والدواجن، وذلك من أجل توفير الحد الأدنى من العيش وتعليم الأولاد.
كان المرحوم يهتم كثيراً بالتعليم كونه حرم منه ويريد أن يصبح أبناءه جميعاً متعلمين كان أولاده يذهبون إلى المدرسة يومياً مشياً على الأقدام ذهاباً وعوده من بحر خانيونس بجوار العبادله إلى خانيونس البلد حيث وجود المدارس ليتلقوا التعليم وعند عودتهم من المدارس كانوا يساعدون والدهم ووالدتهم في العمل ولا يجدوا وقتا للدراسه أو النوم واستمرت الحياه على هذا الحال حتى دخول اليهود قطاع غزه 1967م. وبعد عام من الاحتلال ترك المرحوم البحر ولجأ إلى الحاج سليمان الأسطل( أبو عكر ) -رحمه الله تعالى- ليعيش هناك ناطور بأجر سنوي.
استمرت حياته على نفس النمط من الحياه والشقاء حتى كبر أولاده وأصبحوا في ريعان الشباب وأصبح يفكر في مستقبل أولاده الذين كبروا وليس عندهم بيتا خاصا يسكنون فيه ويعاني ويلات الفقر ولا يستطيع أن يشتري بيتاً و(زوجته) طبعا الحاجه ساره بنت الأمير لم يشفع لها نسبها لتتحصل على حقها أو حتى تعطى من بعض الاخيار مكان لتسكن فيه هي وزوجها وأولادها كما أن المرحوم لم يترك له والده لا أرض ولا بيت ولا حتى قوت يومه, ذهب المرحوم إلى خاله ليعطيه جزء من ميراث أمه ليبني بيتا لأولاده وفعلا حصل على قطعة أرض من خاله وبجهده وعرقه بنى بها بيتا لأولاده وكان ذلك في منتصف السبعينات وهو البيت الموجود حالياً بجوار المحطة منطقة العطن الشرقي وكان يكد ويشقى من أجل المسيرة التعليمية لأولاده وكان يعلم أولاده منذ الطفوله على الصدق والأمانة والإخلاص والتسامح مع الناس وهي صفاته منذ نشأته.
وهذه بعض الأمثلة من حياة المرحوم التي تدل على أمانته وتسامحه وإخلاصه:
عندما دخل اليهود قطاع غزه 1956م. وهرب الجنودبعد إلقاء أمتعتهم وأسلحتهم وكان وقتها يعيش في البحر لجأ إليه أحد الضباط المصريين ليحميه فحفر له خندقا تحت الأرض وخبأه بعيدا عن أنظار الناس ولم يعلم به أحد وكان دائما يذهب إليه ليزوده بالطعام والشراب رغم قساوة الحياة وخطورة الموقف وبعد فترة قام بتأمينه مع الصيادين ليغادر خانيونس عن طريق البحر وترك الضابط بندقيته عند المرحوم للذكرى وقد علم بالبندقيه الجواسيس في ذلك الوقت حيث حضروا للمرحوم طالبين البندقيه وإلا فسيلقى المرحوم الويلات بإحضار اليهود له وأنكر المرحوم وجود بندقيه لديه وقام ببيعها لتجار السلاح بمبلغ 23 جنيها ثلاثة وعشرين جنيها مصرياً وعندما إنسحب اليهود من غزه وعادت الإدارة المصريه للقطاع طلبوا من الناس تسليم ما لديهم من أسلحه في مراكز الشرطه وسلم ثمن البندقيه التي باعها وقدره 23 جنيها إلى الشرطه وحصل على إيصال بهذا المبلغ وكان في حينها المرحوم لايملك قوت يومه ولكن الأمانه ألزمته بتسليم المبلغ وقام الحاكم المصري في ذلك الوقت بزيارته وتقديم الشكر له على أمانته وقدم له بعض الهدايا الرمزيه.
وهذا مثال ثان على تسامحه:
عندما كان يعيش في البحر كان يشارك الحاج نعيم أبو سليمان في أرضه وفي إحدى السنوات زرعها خيار واعتنى بها كما كان يعتني بأولاده وعندما أوشكت على الإنتاج قام أحد الحاقدين الحاسدين بتخليعها من الأرض ولم يبقى شجره واحده وعندما رأها المرحوم وقف يبكي ويقول حسبي الله ونعم الوكيل لا حول ولا قوة إلا بالله وكان المرحوم وقتها يعرف الجاني وتجرع في نفسه مرارة الموقف ولم يراجع أحدا فيها.
وإليك مثالاً آخر على تسامحه:
في يوم من الأيام احتاج المرحوم حمارة جاره فطلب منه الحمارة لنقل بعض الحاجيات عليها فرفض جاره إعطائه الحمارة وشاءت الأقدار أن يشتري المرحوم حمارة ويبيع جاره حمارته واحتاج جاره الحمارة لينقل عليها بعض الحاجيات فطلب من المرحوم الحمارة فقام المرحوم بشد الرحال على الحمارة وأسند له رجله ليركب على الحمارة، وذهب لنقل أمتعته، ولم يحاسبه على ما فعله مسبقا . هذا وقد كرس حياته بالإهتمام بأبنائه واهتم بهم إهتماما كبيرا بتعليمهم حتى أصبحوا من خريجي الجامعات، وكانت حصيلة حياته إنجاب 6أولاد و6 بنات، البنات تزوجن جميعهن وتعلمن في المدارس وبعضهن اكملن تعليمهن الجامعي.
وأما أبناؤه فقد سكنوا معه في نفس المكان وهم:
1- المحاسب غانم : حاصل على بكالوريوس تجاره من جامعة الأزهر في القاهرة وعمل في عدة وظائف وآخرها مدير عام الشئون الماليه بوزارة الصحة الفلسطينية.
2- المهندس عبد العزيز: حاصل على بكالوريوس هندسه من مصر، وعمل مديراً في شركة كهرباء غزة، وتقاعد منها عام 2016
3- الشيخ عبد الخالق: حاصل على دبلوم تجاره من مصر ثم عمل محفظاً بوزارة الأوقاف، حتى تقاعده، كما حصل على العديد من الدورات في الأحكام والقراءات وحاليا يقوم بتدريس أحكام التجويد والقراءات في مساجد خانيونس.
4- الشيخ عبد الباسط: حاصل على درجة الماجستير في التفسير ويعمل بوزارة الأوقاف رئيساً لقسم التحفيظ ومحاضراً بالجامعات الفلسطينية.
5-الشيخ عبد الجواد: حاصل على درجة الماجستير في التفسير ويعمل بوزارة الأوقاف إمام وخطيب ومحاضرا بالجامعات الفلسطينية.
6- الشيخ محمد: حاصل على الثانويه العامه ودبلوم في الكهرباء، ويعمل حاليا موظفاً بشركة كهرباء غزة.
هذا هو نتاج مشواره الطويل حيث أكرمه الله بأبنائه الذين تعلموا وعلموا أغلب رواد المساجد في خانيونس وقدموا خدمات كثيره لأبناء العائله وللشعب الفلسطيني وغيرهم. كان المرحوم كما يعرفه الجميع من رواد المساجد حيث كان يؤدي جميع الصلوات في المسجد حتى وهو في أشد مرضه فكان يطلب أن يذهب إلى المسجد للصلاه ويلبى طلبه رغم عدم إستطاعته على المشي وكان يحب الخير للجميع ولم نسمع منه يوما غيبه لأحد أو حقداً على أحد وانتقل إلى رحمة الله تعالى يوم 6/11/2010 م. نسأل الله تعالى أن يرحمه ويسكنه فسيح جناته ويجمعنا معه في الفردوس الأعلى ويلهمنا الصبر على فراقه, إنه نعم المولى ونعم النصير.