قدّر أحدث تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) التكلفة المالية التي يتكبدها الفلسطينيون بسبب الاحتلال بين أعوام 2000-2017 بمبلغ 47.7 مليار دولار أميركي، وتواصل هذه التكلفة الارتفاع وفق التقرير الذي يطرح الثلاثاء أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأعلن معهد الدراسات والبحوث الاقتصادية (ماس) في رام الله بالضفة الغربية أمس الاثنين نتائج الدراسة بالنيابة عن"أونكتاد" وهي جزء من أبحاث للمنظمة الدولية استمرت ثلاث سنوات.
وصدر أحدث تلك الأبحاث عن التكلفة المالية للاحتلال، بالتزامن مع إعلان المعهد في جنيف ونيويورك. وجاءت تحت عنوان "التكاليف الاقتصادية التي يتكبدها الشعب الفلسطيني بسبب الاحتلال الإسرائيلي.. الجوانب المالية".
وحسب معدي التقرير، فإن تلك الأموال تشمل خسائر الإيرادات العامة والفوائد المتراكمة عليها والمقدرة بنحو 28.2 مليار دولار، كما يتضمن 6.6 مليارات من الإيرادات المالية الفلسطينية المسرّبة إلى إسرائيل.
وعندما يفترض نموذج "أونكتاد" عدم تكبّد الفلسطينيين تكاليف الاحتلال المالية بل ضخ هذه التكلفة سنويا في اقتصادهم من خلال سياسة توسعية، فإن ذلك كان سيولّد مليوني فرصة عمل للفلسطينيين خلال فترة 18 عاما المذكورة، وبمتوسط 111 ألف وظيفة جديدة سنويا.
ويعزو التقرير التسرب المالي الفلسطيني إلى القيود المفروضة على حرية تنقل الأفراد والسّلع، وسيطرة تل أبيب على المناطق المصنفة "ج" بالضفة وجميع نقاط العبور الحدودية، وحرمان الفلسطينيين من الاستفادة من أرضهم ومواردهم الطبيعية والبشرية بحرية، إلى جانب حرمان السلطة الوطنية من السيطرة على مواردها المالية.
هشاشة مالية
ووفقا للتقرير، فإن التسرب المالي إلى إسرائيل والتكلفة العالية التي يتكبدها الفلسطينيون نتيجة الاحتلال يرسخان الهشاشة المالية لدولة فلسطين ويقوضان قدرتها على التخطيط وتوجيه الاقتصاد نحو النمو المستدام.
ويوصي التقرير- الذي يُطرح على الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم- الفلسطينيين والإسرائيليين بالتفاوض حول تسوية الإيرادات المتراكمة المستحقة للفلسطينيين، وإنشاء آلية يمكن خلالها أن يطلّع الفلسطينيون على المعلومات والبيانات المتعلقة بإدارة مواردهم المالية، إلى جانب إيجار آلية حضور ورقابة للفلسطينيين على المعابر.
خبراء اقتصاد فلسطينيون يعلنون نتائج تقرير أونكتاد حول تكلفة الاحتلال على الفلسطينيين (الجزيرة) |
وقال رجا الخالدي مدير معهد "ماس" إن التقرير خطوة جديدة في مشروع بدأ قبل ثلاث سنوات بالتشاور مع المؤسسات الفلسطينية حول تقدير تكلفة الاحتلال عامة. وصدرت بهذا السياق أوراق بحثية حول الأبعاد القانونية للاحتلال وحول الموارد الطبيعية للفلسطينيين وخاصة حقول الغاز والنفط قبل شهور.
وأوضح الباحث الاقتصادي بالمعهد مسيف جميل أن التقرير يُعد الأول من نوعه من ناحية شموليته للخسائر الفلسطينية وتكلفة الاحتلال، وهو يُضاف إلى بحوث سابقة أجرتها "أونكتاد" استجابة لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتشمل التكاليف المالية -حسب جميل- التسريبات المالية التي تذهب للخزينة الإسرائيلية وهي حق للفلسطينيين. وأهمها الإيرادات المستحقة للسلطة الفلسطينية وفق بروتوكول باريس الاقتصادي (الشق الاقتصادي من اتفاق أوسلو) بسبب إخلال الإسرائيليين بتنفيذ هذا البرتوكول.
ويهدف التقرير إلى توضيح قنوات التسرب المالي عند الفلسطينيين، والوصول إلى تقديرات محدثة عن هذا التسرب والخسائر التي يتكبدها الفلسطينيون نتيجة الإجراءات التي يفرضها الاحتلال.
ويعلل التقرير نطاقه الزمني بتوقّف الإسرائيليين عام 2000 عن تحويل الحقوق المالية الفلسطينية للسلطة عن المنطقة المصنفة "ج" حسب اتفاق أوسلو، حيث تعمل أكثر من ألفي منشأة إسرائيلية بهذه المنطقة دون دفع ضرائبها للسلطة الفلسطينية.
ويضع خارطة للتسرب المالي عبر قنوات متعددة كالتهرب الضريبي والرسوم الجمركية والتهرب من دفع الرسوم المالية عن إيرادات المقاصة التي تجبيها إسرائيل عوضا عن السلطة بالموانئ، إلى جانب التسرب في قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية للشبكات الإسرائيلية المستخدمة بالضفة، وتسرب رسوم خروج المسافرين عبر جسر الكرامة مع الأردن حيث لم تلتزم إسرائيل بتحويلها للسلطة وفق الاتفاقيات.
الاحتلال المربح
وفي سياق ملاحظاته على التقرير، قال شاكر خليل مستشار رئيس الحكومة الفلسطينية للشؤون الاقتصادية إن هذه المعطيات تظهر كيف تحول الاحتلال إلى مشروع مربح لإسرائيل.
وقال خليل إن الحكومة ستستفيد من نتائج التقرير ومطالباته بتحسين إدارة المعاملات المالية ومشاركتها بين السلطة وإسرائيل، لكنه بيّن أن التقرير لم يتطرق إلى خسائر مباشرة وهامة نتيجة أحداث وقعت بفترته الزمنية، كالانتفاضة الثانية (2000-2004) وما نشأ عن الاجتياحات العسكرية لمناطق الضفة وإغلاق الطرق وكذلك الخسائر الناتجة عن العدوان المتكرر على القطاع وعن الإجراءات الإسرائيلية بمناطق القدس وهدم المنازل وإغلاق المؤسسات الفلسطينية فيها، والخسائر الناتجة عن الاستيطان، إلى جانب الخسائر النفسية والمالية لحجب آلاف الأسرى الفلسطينيين عن سوق العمل.
وقال الخبير الاقتصادي رجاء القيسي إن هناك آثارا إسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني سبقت عام 2000 (نطاق الدراسة) ولا زال أثرها مستمرا ولم يذكرها التقرير، كإغلاق نحو خمسة آلاف محل تجاري بينها نحو سبعمئة محل كانت معبأة ببضائع أُتلفت نتيجة إغلاقها بأوامر عسكرية إسرائيلية منذ عام 1994، إلى جانب مصانع ومحطات محروقات ومبان سكنية، وما زال أثر إغلاقها مستمرا حتى اليوم.
كما أشار القيسي إلى الخسائر الناجمة عن ارتفاع تكلفة التنقل عبر الطرق البديلة للشوارع التي أغلقها الاحتلال في عدة مناطق بالضفة.
المصدر : الجزيرة