عندما خرجنا إلى الدنيا وبدأنا نلتقم من ثدي الوطن حليب الثورة؛ كان من الطبيعي جدا أن ننظر حولنا عن علامات مؤثرة، ولا شك أننا كعائلة الاسطل لم نتأخر عن المضي في طريق الشوكة، وذلك من خلال رعيل من الرجال والنساء الذين قدموا الغالي والنفيس، كان الشيخ اللواء عبدالستار علي الاسطل من هؤلاء، بل ومن اسبقهم؛ حيث عُرف بين أبناء الثورة بلقب الشيخ.
خرج الشيخ الثائر إلى الدنيا فربط قلبه بجذور الزيتون، وعلّق بصره بافاق البحر، وارخى ساعديه على مساحات وديانها، ودب بقدميه على تلالها معلنا التحاقه بصحبة الثوار الاوائل، ليساهم معهم في ضرب العدو بكل ما يستطيع.
انطلق الشيخ مع إخوانه مستبسلا وفاتحا افقا جديدا لجيل ثوري واعد، خصوصا بعد حالة الانكسار التي المّت بالأمة بعد هزيمة 67، واحتلال باقي فلسطين وسيناء والجولان، كان من الصعب أن تجد في ذلك الوقت من ظل يؤمن بأن يحمل السلاح منافحا ومدافعا عن أرضه ووطنه وعزته، كان الشيخ رحمه الله تعالى من هؤلاء الذين آمنوا بالحق الفلسطيني وآمنوا قبل ذلك بمنح الله تعالى ووعده، فتوكلوا على الله تعالى وشرعوا في طريقهم يضربون العدو في كل مكان؛ حتى إذا تم رصد تحركاته من الاحتلال وبعد محاولات عدة من الاحتلال لاعتقاله؛ اضطر الشيخ للخروج من فلسطين ليلتحق بالثورة في غربتها، متنقلا معها من الأردن إلى بيروت حيث وصلت الثورة الفلسطينية إلى ذروة قوتها هناك بفضل الله تعالى ثم بفضل رجال عملوا أكثر مما قالوا، كان منهم الشيخ بيده النظيفة، وقلبه الكبير؛ حيث عهد إليه ان يكون ضمن الفريق المختص بالشأن المالي، وكلنا يعلم ان هذا الشأن هو الأهم والأخطر، خصوصا انه يقتضي منك ان تتغلب على نفسك وهواك، وفي نفس الوقت ان تقوم بعملك على أكمل وجه، ودون كلل أو ملل او استسلام، حمل الشيخ حقيبة المال وشرع يقوم بدوره على أكمل وجه وانقى صفحة، مؤكدا على تغلبه على كل شهوات الدنيا التي استسلم لها الكثير، كان بشكله المتواضع وابتسامته العريضة التي لا تفارق وجنتيه الا اذا حزبه أمر من أمور الوطن، يجوب المواقع مؤديا الأمانة على أكمل وجه.
بعد الرحيل من لبنان كان الشيخ على موعد مع تونس حيث عمل فيها مكملا مشواره مع رفاقه، غير أنه مهمته ازدادت ثقلا حيث كان لزاما عليه ان يتتقل عبر العواصم خلف مواقع الثورة المختلفة مؤكدا زهده الكامل عن مغريات الدنيا مؤثرا ما عند الله على كل شيء.
ويأتي العام 1994م حيث تعود الثورة إلى الوطن ويعود الوطن للثورة، ويصل الشيخ إلى التراب الذي عشق والأرض التي أحبها، وإلى الأهل الذين كم اشتاق إلى لقائهم، فيرمي باحضانه بينهم مؤكدا على استمراره في طريقه غير مستسلم للزمن مشاركا في المؤتمرين الخامس والسادس، وقبل ذلك مشاركا في بناء جيل جديد من أبناء الثورة التي لن تموت إلا بتحقيق الحلم الذي أكد عليه الزعيم الراحل ياسر عرفات و لا يزال يتعهد به الرئيس محمود عباس.
قبل بضعة أشهر يعود الشيخ من تونس إلى أرض الوطن بعد زيارة اعتيادية للنصف الآخر من أسرته المتواجدين في تونس؛ ليشعر ان أمرا غير طبيعي قد اصابه وبعد خضوعه لمجموعة من التحاليل تم تأكيد إصابته بمرض خطير سافر إلى مصر لتلقي العلاج إلا أنه وبعد خضوعه لجلسة علاج أولى تدهورت حالته وأوصى الأطباء بعودته إلى الوطن؛ ليقضي أيامه الأخيرة بين أحبته.
ترجل الشيخ من على صهوة الحياة لكنه لم يترجل من قلوب محبيه، ذهب الرجل الذي ملأ الدنيا طيبة وأمانة واخلاصا ومحبة بجسده، لكنه ظل فينا بكل ما عهدناه فيه حيا نتذكره دوما بمداعبته لأطفال الحي كلما زار المنطقة، وباطلالته الرائعة لكل من حوله، كان الشيخ بوصلة للجميع، كان يؤمن بالشعب المكبل بأنه سوف ينتصر، وكان يرى في عيون الأطفال مستقبلا مزهرا لشعب لا يزال يحيا بالأمل.
رحم الله الشيخ
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار