إسلام عبدالحميد الأسطل شبكة نوى، فلسطينيات
في أحد أحياء مدينة القاهرة، وتحديداً بالقرب من ميدان الجيزة يقيم العم صالح الأسطل في شقة لا تزيد مساحتها 70 متراً، تحتل الكتب والصحف المؤرشفة منذ ما يزيد عن خمسين عاماً الجزء الأكبر من المنزل، فأينما تدير نظرك تقابلك عناوين وأسماء لكتب ومؤلفات ومجلات ودوريات تحتاج سنوات لتتمكن من مطالعتها، وإن دفعتك الحاجة للبحث عن حدث بتاريخ معين خلال الخمسين سنة الأخيرة تجد ضالتك عند العم صالح.
يعيش العم صالح الأسطل وزوجته وحيدين في شقتهما بعد أن كبر الابناء وعادوا إلى قطاع غزة وأقاموا فيها، فيما آثر العم صالح البقاء في أرض المحروسة التي أحب وعشق ليكون الكتاب ونيسه وأنيسه في أوقات وحدته بعد أن رسم الزمن خطوطه على كل تفاصيله.
يقول العم صالح 76 عاماً لـ "نوى": "وصلت القاهرة قبل 57 سنة طالباً للعلم، واثناء دراستي احتلت إسرائيل قطاع غزة، فعملت مع الجيل الأول في حركة فتح، واستمريت بالعمل كمحاسب متخصص بالشئون المالية، وخلال إقامتي في القاهرة والتي تحولت بمرور الوقت إلى استقرار، كان الكتاب رفيقي الدائم، ويشير الى مئات الكتب التي تنتشر حوله، "هذه هي الثروة الحقيقية التي جمعتها طوال سنوات غربتي التي أصبحت وطني الثاني".
يتابع العم صالح " ما بين كتب في العلوم والأحياء والتاريخ والأديان والسياسة والأدب، ومراجع نادرة ومجلات ودوريات، وصحف يومية وجدتني أغرق في بحر المطالعة والمعرفة، وشاركت هذه الكتب أبنائي غرفهم، حتى وصلت الى المطبخ، فلم تعد المكتبة تتسع لما أجمع من كتب، حتى انني عندما احترت في تأمين مكان لآلاف الأعداد من الصحف المصرية، صنعت بها أسرة وغلفتها بمفارش لينام عليها أطفالي".
شكلت الكتب والمطالعة اليومية التي أصبحت عادة مرافقة للعم صالح ثقافته وخلقت لديه قناعة فعلية بأن خير جليس في الحياة كتاب، فلا ينفك يطالع هذا الكتاب ويقرأ تلك الرواية بلا كلل أو ملل بعد أن خلت به أيام الشباب ومسؤوليات العمل ومتابعة الأبناء
ولا يبدو العم صالح نادماً على استقراره في مصر رغم عشقه للوطن، وحنينه الذي لا يهدأ إليه، لكنه يؤمن أن الطريق إلى البيت أجمل من البيت نفسه، لذا فضل أن تبقى صورة الوطن الأجمل في مخيلته، كما يؤكد العم صالح ان مصر كانت ولا تزال الوطن الذي احتضنه سنوات شبابه وشيبه، وأجمل ما فيها أنها مكنته من اقتناء آلاف الكتب النادرة"
ولا يطيق العم صالح التفريط بأي من كتبه التي يعتبرها بمكانة الأبناء، ولكنه لا يبخل على أي طالب علم أو باحث أن يطلع عليها وينهل مما تحتويه من معلومات ولكن داخل منزله دون استعارتها، ويؤكد العم صالح أنه فقد الكثير من الكتب بسبب عدم اعادتها من باحثي علم أعارها لهم ولم يقدروا قيمتها وأهمية إعادتها لصاحبها لتكون مصدراً لغيرهم من الباحثين ".
يعترف العم صالح أن شيئان أحب إليه من نفسه بعد الله والوطن وهما مصر والكتاب فلا يفرط بحبهما بسبب هواجس حب المطالعة كان العم صالح بمثابة مرجعاً فكرياً لبعض قيادات فتح ومستشاراً لبعضهم ويعيد الفضل في ذلك للكتاب الذي يجاوره في كل مكان ويقيم فوق الأرفف وفي الممرات وتحت الكراسي والأَسِرة.
يطوي العم صالح حكايته مع الكتب وبداخله أمل بأن يصبح الكتاب رفيق لكل من أراد أن يبني وطن، فقناعته أن الحياة لا حيز فيها لقدم تجهل، ولا خيبة باقتناء كتاب يسافر عبره من زمن لزمن، ينهل من بحور المعرفة مجسداً المقولة الأشهر" خير جليس في الزمان كتاب".