أزمة المقاومة في الفكر السياسي الفلسطيني أ. حاتم السطري


تم النشر 25 يونيه 2018


عدد المشاهدات: 1795

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


فكرة المقاومة أو الكفاح هي فكرة مرتبطة بالاحتلال كفلت صحتها تجارب التاريخ، والشرائع السماوية، والمواثيق الدولية فقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار رقم 3214 لعام 1947 حول تعريف العدوان "بحق الشعوب في النضال بجميع الأشكال بما فيها الكفاح المسلح، من أجل نيل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير". لكن من الملاحظ في الفكر السياسي الفلسطيني الخلط بين المقاومة كفكرة رائدة (أصيلة) وبين أشكال المقاومة كأفكار عملية لتفعيل فكرة المقاومة. فالأفكار الرائدة هي أفكار أصيلة في ذاتها لكنها مستقلة عن حركة التاريخ، هذا الاستقلال عن التاريخ يجعلها في حاجة دائما إلى أفكار عملية لضمان فاعلية تلك الأفكار بمعنى أن المقاومة مبدأ أخلاقي، وأشكال المقاومة "ما بين السلمية والكفاح المسلح" هي الإطار العملي لتفعيل هذا المبدأ الأخلاقي.

  
لكن الملاحظ في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة اعتماد الكفاح المسلح كمبدأ للتحرير، فقد نصتت المادة التاسعة لميثاق منظمة التحرير الفلسطينية الصادر في 1968 على " أن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وهو بذلك استراتيجية وليس تكتيك بمعنى أن الكفاح المسلح مبدأ وليس فكرة عملية مرتبطة باللحظة التاريخية وطبيعة الصراع وهو ما نص عليه ميثاق حركة المقاومة الإسلامية حماس في 1988 بالتأكيد على الجهاد لتحرير فلسطين وما نصت عليه أيضا وثيقة حماس الصادرة في 2017 في البند 25 " إن مقاومة الاحتلال بالوسائل والأساليب كافة حق مشروع كفلته الشرائع السماوية والأعراف والقوانيين الدولية، وفي القلب منها المقاومة المسلحة التي تعدُّ الخيارَ الاستراتيجي".

  

  •  
  •  
المقاومة السلمية لها تكتيكات محددة (مسيرات احتجاجية - اعتصامات - وعصيان مدني - إضرابات عامة..)، وهو ما خرجت عنه مسيرات العودة في الطائرات الورقية الحارقة

كان لتقديس فكرة الكفاح المسلح الأثر السلبي على النضال الفلسطيني من جهة، وعلى العلاقات الفلسطينية الفلسطينية من جهة أخرى. فعلى مستوى القضية كان اختيار الكفاح المسلح كمبدأ أخلاقي؛ غير مرتبط بطبيعة الصراع وتداخلاته الدولية والعربية إلى انتكاسة على مستوى تحقيق الأهداف الوطنية، وتخبط في تحديد مسارات أخرى، استمر فيها إسقاط طابع التقديس على تلك المسارات، أما على مستوى الفصائل الفلسطينية فقد أسهم النقاش حول الكفاح المسلح في تخوين الفصائل لبعضها البعض منذ طرح البرنامج المرحلي في 1974 وحتى اللحظة في شرخ وعداء فصائلي أصبح هاجساً وهماً على كل فلسطيني.

  
تجدر الإشارة هنا أن الخلط ما بين المقاومة وأشكالها لم يكن حكراً على الفلسطيني، وإنما سبقه في ذلك المؤتمر الوطني الأفريقي المناهض للفصل العنصري في جنوب أفريقيا، فقد لاحظ نيلسون مانديلا اعتماد المؤتمر في نضاله ضد الأقلية البيضاء على المقاومة السلمية (كمبدأ أخلاقي) منذ تأسيسه في 1912م، واستمر في ذلك سنوات طويلة دون تحقيق نتائج ملموسة في تحقيق أهدافه، وهو ما نضال ضده نيلسون مانديلا منذ دخوله المؤتمر الأفريقي في 1942، وحتى استطاع في نهاية الستينيات من فرض الرؤية العلمية بأن المقاومة السلمية خيار استراتيجي محدد، لا يتناسب مع الحالة النضالية في جنوب أفريقيا وانتقل إلى المقاومة المسلحة كأسلوب نضالي يتناسب مع الظروف الموضوعية في جنوب أفريقيا، والذي استطاع من خلالها النجاح في إلغاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

  
قد يتبادر إلى ذهن القارئ إلى أن سبب اكتساب الكفاح المسلح صفة القداسة في الفكر السياسي الفلسطيني يعود إلى الجهل في الإطار الفلسفي لفكرة المقاومة، وهو في ذلك يحمل جزء من الحقيقة، التي لا تكتمل إلا بالنظر إلى الموروث التاريخي العربي الإسلامي والذي يحمل في طياته كل معاني الإقدام والتضحية والاستشهاد، والتي بدورها تفرض نفسها في بناء التصورات الثورية، قد تدفع في كثير من حالاتها للتضليل بعيدا عن تعقيدات اللحظة السياسية، كما أنها تسمح باغتيال أي أفكار أخرى لصالح الكفاح المسلح، وهذا ما حدث في انتفاضة 1987، عندما بدأت في مظاهرات سلمية، انتقلت سريعا "دون مراجعة فكرية" إلى طور العمل المسلح، وتكرر نفس السيناريو في انتفاضة ال2000م عندما تحولت الهبة الجماهيرية لنصرة الأقصى سريعا نحو العمل المسلح، ورغم أن مسيرات العودة الحالية في غزة أكدت قبل انطلاقها على خيار السلمية في تحركها، إلا أننا نجدها تتجه أيضا نحو دفع قطاع غزة نحو المواجهة العسكرية.

   

  

فالمقاومة السلمية لها تكتيكات محددة (مسيرات احتجاجية - اعتصامات - وعصيان مدني - إضرابات عامة - مهرجانات واحتشاد في الساحات والميادين)، وهو ما خرجت عنه مسيرات العودة في الطائرات الورقية الحارقة، التي يهدد الاحتلال حالياً بالحرب إذا استمر إطلاقها، والمستغرب في ذلك تأكيد البعض على سلمية الطائرات الورقية على اعتبار أن المقاومة السلمية هي أي فعل خارج إطار العنف الجسدي، في تعريف ليس له أي أساس معرفي، كذلك العنف الجسدي في المقاومة أعلى درجات المقاومة المسلحة وليس الشعرة الفاصلة بين العمل السلمي والمسلح.

 
وحتى لا يذهب القارئ بعيدا في فهم اقترابنا من فكره المقدس، نؤكد هنا الكفاح ضد الاحتلال مقدس لا يقبل الجدال لكن الكفاح المسلح اختيار وليس طريق لابد منه، كذلك المقاومة السلمية ليست الخيار المطلق للحالة الفلسطينية الحالية، وأخيراً يجب أن يكون البحث عن شكل المقاومة ضمن دراسة جادة، تستدعي تجربة الماضي، وتعقيدات الحاضر، ومخاطر المستقبل، يشارك فيها الكل الفلسطيني، فشكل المقاومة هو المفتاح نحو عبقرية الثورة أو انتكاسة الأهداف، فعندما يكون هناك انسجام ما بين شكل المقاومة وظروفها الموضوعية، تدخل الثورة في إطار التغيير التاريخي المطلوب، ولكن عندما نستخدم أسلوب غير مناسب سواء كان سلمي أو مسلح يصبح الخروج بأقل الخسائر هاجسنا الأول والأخير.




- انشر الخبر -