أثر تغير قيمة العملة على الديون / للشيخ فراس الأسطل


تم النشر 28 فبراير 2011


عدد المشاهدات: 1319


ما حكم الشرع في سداد الدين أو القرض بالدينار أو الدولار في ظل انخفاض قيمتهما اليوم ؟  

اتفق العلماء جميعاً على أن القرض يرد بمثله  طالما وجد المثل ولا تعتبر القيمة، ومن ذلك النقود المتمثلة قديماً بالدنانير الذهبية والدراهم الفضية، واختلفوا في الفلوس الرائجة التي كانت تتخذ من النحاس عادة، أو من المعادن الخسيسة، وتعارف الناس قديماً على جعلها أثماناً، بناء على اختلافهم هل هي أثمان أو سلع، فذهب أبو يوسف وبعض الحنابلة، إلى اعتبار قيمتها إذا رخصت، على اعتبار كونها سلعة لا ثمناً، وذهب الأكثر إلى إلحاقها بالذهب والفضة بناء على كونها أثماناً.

واليوم حلت النقود الورقية محل العملة الذهبية والفضية والفلوس، ومع الاقتناع بمبررات هذا الإحلال إلا أنها  تسببت في مشاكل كثيرة، نظراً لتناقص قيمتها كنتيجة للتضخم أو الحروب والكوارث وما نتج عن ذلك من تآكل قيمة القروض وأثمان المبيعات المؤجلة، وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في رد الديون بهذه النقود الورقية إذا رخصت على قولين :

القول الأول: أن القرض يرد بالمثل والعدد لا بالقيمة، ولا يجوز كذلك إجراء القرض بالدينار مثلاً وربطه بسعر آخر فيقرضه(100) دينار قيمتها (600) شيكل على أن يردها مائة دينار عند ثبات السعر أو زيادته، أو(600) شيكل إذا نقصت قيمة الدينار .

وهذا قول أكثر المعاصرين، واعتمده مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة، قياسا على النقود الذهبية فهي أثمان مثلها فتأخذ حكمها تماماً، وكذلك فإن القيمة عندما تنقص أو ترتفع فعلى الناس جميعهم وليس على الدائن وحده .

القول الثاني : يرد القرض بمثله في الأحوال الطبيعية، وبقيمته في حالات استثنائية منها ما يلي:

1ـ إذا كان النقص كبيراً، قدره البعض بثلث القيمة والبعض بنصف القيمة فيرد بقيمته قبل حصول النقص الفاحش.

2ـ إذا لم يوفِّ المدين دينه في وقته المحدد، بل ماطل؛ لحديث" لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته "رواه أحمد والنسائي وأبو داود ومن العقوبة أن يغرم ما نقص من قيمة القرض بعد انتهاء الوقت المحدد للقرض بسبب مماطلته.

          وذهب إلى هذا الرأي كثير من المعاصرين، واستدلوا بأن هذا هو الموافق لمقاصد الشريعة في رفع الضرر، كما أن قياس النقود الورقية على الذهب في مسألة سداد الديون قياس مع الفارق؛ لأن الذهب قيمته ذاتية وقيمة النقود اصطلاحية.

وهذا القول الثاني وجيه في الغني المماطل الظالم، ويمكن الأخذ به والعمل به على أساس تعويض الضرر،  أما في حق المعسر وصاحب الدين المؤقت في مدته فالراجح هو القول الأول وهو عدم تأثير انخفاض قيمة العملة في سداد القرض أو الدين؛ لأن النقود الورقية تأخذ حكم النقدين من الذهب والفضة؛ كما أفتت بذلك المجامع الفقهية في هذا العصر كهيئة كبار العلماء السعودية، والمجمع الفقهي الإسلامي، ولأنها لو زادت القيمة  زيادة كبيرة حسبت على المستقرض فإذا نقصت تكون له والغرم بالغنم  . 

وينصح لتجنب هذه المشكلة قبل حدوثها بإجراء الدين أو القرض أو الأجرة بغير العملة المتوقع هبوطها، أو بالذهب أو الفضة، فيقرضه قدراً من الذهب ويقبضه إياه ذهباً، أو تكون الأجرة إذا كانت المدة طويلة بقدر معين من الذهب.

وينصح عند حدوث عند حدوث المشكلة: أن يحسن المستقرض والمدين إلى من أحسن إلية وأقرضه أو صبر عليه؛ بأن يعوضه قدر خسارته على سبيل الإحسان لا الإلزام، للإجماع على جواز أن يرد المستقرض أفضل مما يستلف إذا لم يشترط ذلك عليه، لأن النبي اقترض جملاً صغيراً ورد أفضل وأعظم منه وقال:(إن خياركم أحسنكم قضاء) رواه الشيخان، كما أن النبي اشترى جملاً من جابر في سفر بأربعة دنانير قال جابر: فلما قدمنا المدينة قال: " يا بلال اقضه وزده "، فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا، قال جابر: لا تفارقني زيادة رسول الله فلم يكن القيراط يفارق جراب جابر "رواه الشيخان.  



- انشر الخبر -