{ الوصية للكرام حجاج بيت الله الحرام } لفضيلة الشيخ ياسين الأسطل


تم النشر 13 أغسطس 2017


عدد المشاهدات: 1483

أضيف بواسطة : أ.محمد سالم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله. 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)} الأحزاب . أما بعد،فان أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ، عباد الله أيها المسلمون : 
 
{ الوصية للكرام حجاج بيت الله الحرام  }
 
الحج عبادة أيها الكرام كريمة ، فقد نادى إبراهيم عليه السلام فأذن بها ، وبلغ النداء سعداء الناس فلبوا وهم في الأصلاب ، وأهلها هم وفد الله وحق على المزور أن يكرم زائره ، ولما كان الناس يحتاجون ولابد في هذا الوادي القفر الموحش إلى ما يحفظ لهم الصحة من الطعام لدفع الجوع ، ومن الأمن لدفع الخوف فقد دعا نبي الله إبراهيم عليه السلام فاستجاب الله سبحانه لدعوة النبي الكريم إبراهيم عليه السلام في سورة البقرة : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ  (126)} ، وامتن الله تعالى على قريش ومن بعدها  العرب جميعاً ، فقال سبحانه وتعالى:{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) } .
 فوصيتنا الأولى لكم ولنا جميعاً - أيها الحجاج والعمار - :
أن نخلص العبادة لله وحده لا شريك له ، والاتباع لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ولتتركوا الدنيا خلف ظهوركم ، ولقبلوا على ربكم وحده يقبل عليكم ، ففضل الله عظيم ، فقد أطعمكم من جوع ، وآمنكم من خوف ، وهداكم سواء السبيل ، ، نعم .. إن الله وحده هو المستحق للعبادة – سبحانه- لأنه هو وحده لا شريك له ، وهو الذي خلق ، وهو الذي رزق ، وهو الذي أنعم بالأمن وحده ، روى الإمام البيهقي في الخلافيات عن أم هانئ بنت أبي طالب - رضي الله عنها -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 
"فضل الله قريشًا بسبع خلال: أني منهم ، وأن النبوة فيهم ، والحجابة ، والسقاية فيهم ، وأن الله نصرهم على الفيل، وأنهم عبدوا الله ، عز وجل، عشر سنين لا يعبده غيرهم ، وأن الله أنزل فيهم سورة من القرآن" ثم تلاها رسول الله: بسم الله الرحمن الرحيم " لإيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ " . قال الإمام ابن كثير في التفسير : 
( { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ } أي : فليوحدوه بالعبادة، كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما، كما قال تعالى: { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }النمل:91 ، وقوله: { الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ } أي: هو رب البيت، وهو الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ أي : تفضل عليهم بالأمن والرخص ،فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه صنمًا ولا ندا ولا وثنًا. ولهذا من استجاب لهذا الأمر جَمَع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه، كما قال تعالى: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }النحل:112-113. 
إخوة الإسلام أيها العباد المؤمنون : 
ووصيتنا الثانية - أيها الحجاج والعمار - لما تكفل الله لكم أيها الحجاج والعمار بالطعام والشراب والأمن وأنتم ضيوفه سبحانه فعليكم بحسن الخلق وكريم المعاملة بينكم ، أن تتزودوا بخير الزاد التقوى ، فقد قال سبحانه :
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) }.. 
وخير ما تتزودون به هو التقوى ، وتتحقق التقوى بأمرين : 
الأول العلم النافع المستقيم بهذه العبادة وأركانها وواجباتها وسننها ومستحباتها لتهتدوا به ، وتعملوا وفقه ، وكذلك بما يبطلها وينقص من أجرها لتتجتنبوه ، والثاني الخلق الكريم لتتعاملوا به فيما بينكم . 
وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" مَنْ حَجَّ هذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " ، وعنه رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ " أخرجهما البخاري .
فالتقوى خالصة لله شعورٌ كريم ينبعثُ في القلب ، ويؤثر ذلك  في السلوك فيستقيم ، وفي الخلق فيعتدل ، ويتمثل في الأدب الجم ، وينتظم علاقة العبد بالله عز وجل ، كما يقيم ويمتن الصلات الاجتماعية ، ويعمق التواصل الإنساني ، ليس بين المسلمين أتباع الدين الواحد والملة والعقيدة والشريعة التي جاء بها محمدٌ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فحسب ، بل وأتباع إخوانه الأنبياء والرسل من قبله كموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام ؛ بل وبين البشرية جمعاء .
اللهم أعزنا بعزة حولك وقوتك ونصرك العزيز ، فإننا الضعفاء إلا بك ، والحقراء إلا منك ، وأنت العليم بنا ،نعوذ بك من شر الشيطان وشركه ،  ونجنا يا إلهنا من شر نفوسنا وشر كل ذي شر إنك سميع الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا يكافي نعمه ، ويوافي مزيده ، والصلاة والسلام على نبيه محمد ، وعلى آله السعداء ، وأصحابه الأوفياء ، ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم اللقاء والجزاء ، وعنا معهم بفضلك رب كل شيء ورب الأرض والسماء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله .أما بعد ، أيها المؤمنون يا إخوة الإسلام : 
 إن من فضل الله عز وجل أن الحج والحجيج آمنٌ في إقباله وإدباره ، وسِرْبِهِ وسَرَبِه ، وحِلِّهِ وتِرْحَالِه ، بحمد الله لا زال حفظ الله تاماً ، وما برحت مننه سبحانه في تتابع ٍ وازدياد تترى على البلد الحرام وأهله ، فالخيرات دارَّةٌ وافيةٌ وفيرة ، والبركاتُ قارَّةٌ ناميةٌ كثيرة ، والأمن مستتبٌ بسياج الإيمان ، والنظام والهدوء مستقرٌ بقرار الجماعة والاستنان ، فالقرآن والسنة والسنان قد اجتمعت كلها فعز السلطان.
 ووصيتنا الثالثة ..- أيها الحجاج والعمار- أن تستشعروا عظمة الطاعة ، وعظمة مكانها ، وعظمة زمانها ،.. مما يضفي عليكم أيها الحجاج يا وفد الله هالة مقدسة لا تكون إلا لكم ، فالحج من أكبر أواصر الصلة بين المسلمين إذ إنه يجمع الناس عرباً وعجماً الأحمر والأسود الرعاة والرعايا في هيئة واحدة  متذكرين من سبق من الأمم والأنبياء والصالحين وعلى رأسهم نبينا محمداً صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبهِ وسلم و وكذلك إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما وسلم ، وفي صعيد واحد بأمير الحاج الواحد وإمام المسلمين الواحد وبهذا النداءٍ الواحدٍ : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ) ، وينتج عن هذا التوحيد في العبادة وفي الأداء بين هاتيك المشاعر المقدسة في مكة بلد الله الحرام وحدانيةُ الشعور ، وصدق الإحساس ، وبه تكون هذه الأمة في حائط الإيمان والأمن والأمان ، بفضل الله وبنعمته العظيمة ، وفي الحج الرد البليغ والحجة الدامغة لأهل المروق من الدين ، أولئك البغاة الذين خرجوا على أئمة المسلمين وولاة أمورهم ، فاستباحوا الدم الحرام ، والمال الحرام ، والعرض الحرام ، وأدوا أعظم خدمة لأعداء المسلمين ، إذ أن الكعبة قبلة المسلمين وموئل حجهم في حفظ الله وتمكينه ، وبها مكن الله لولي أمر المسلمين ولدولته ، وللمسلمين أينما كانوا في مشارق الأرض ومغاربها ، بينما هؤلاء البغاة وعلى مدار التاريخ منذ القديم وإلى اليوم مطاردون أينما كانوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ، إلا من تاب وأناب ، فالله يتوب على من تاب . 
عباد الله : ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال :  {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – وعن آله المرضيين ،وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك ياأرحم الراحمين.اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين .اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء ، وسوء القضاء وشماتة الأعداء ، وعضال الداء وخيبة الرجاء ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ولا تشمت بنا أحدا ، اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك وإتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ، اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين ، واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك،عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ،   ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله. 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)} الأحزاب . أما بعد،فان أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ، عباد الله أيها المسلمون : 
{ الوصية للكرام حجاج بيت الله الحرام  }
الحج عبادة أيها الكرام كريمة ، فقد نادى إبراهيم عليه السلام فأذن بها ، وبلغ النداء سعداء الناس فلبوا وهم في الأصلاب ، وأهلها هم وفد الله وحق على المزور أن يكرم زائره ، ولما كان الناس يحتاجون ولابد في هذا الوادي القفر الموحش إلى ما يحفظ لهم الصحة من الطعام لدفع الجوع ، ومن الأمن لدفع الخوف فقد دعا نبي الله إبراهيم عليه السلام فاستجاب الله سبحانه لدعوة النبي الكريم إبراهيم عليه السلام في سورة البقرة : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ  (126)} ، وامتن الله تعالى على قريش ومن بعدها  العرب جميعاً ، فقال سبحانه وتعالى:{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) } .
 فوصيتنا الأولى لكم ولنا جميعاً - أيها الحجاج والعمار - :
أن نخلص العبادة لله وحده لا شريك له ، والاتباع لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ولتتركوا الدنيا خلف ظهوركم ، ولقبلوا على ربكم وحده يقبل عليكم ، ففضل الله عظيم ، فقد أطعمكم من جوع ، وآمنكم من خوف ، وهداكم سواء السبيل ، ، نعم .. إن الله وحده هو المستحق للعبادة – سبحانه- لأنه هو وحده لا شريك له ، وهو الذي خلق ، وهو الذي رزق ، وهو الذي أنعم بالأمن وحده ، روى الإمام البيهقي في الخلافيات عن أم هانئ بنت أبي طالب - رضي الله عنها -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 
"فضل الله قريشًا بسبع خلال: أني منهم ، وأن النبوة فيهم ، والحجابة ، والسقاية فيهم ، وأن الله نصرهم على الفيل، وأنهم عبدوا الله ، عز وجل، عشر سنين لا يعبده غيرهم ، وأن الله أنزل فيهم سورة من القرآن" ثم تلاها رسول الله: بسم الله الرحمن الرحيم " لإيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ " . قال الإمام ابن كثير في التفسير : 
( { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ } أي : فليوحدوه بالعبادة، كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما، كما قال تعالى: { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }النمل:91 ، وقوله: { الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ } أي: هو رب البيت، وهو الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ أي : تفضل عليهم بالأمن والرخص ،فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه صنمًا ولا ندا ولا وثنًا. ولهذا من استجاب لهذا الأمر جَمَع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه، كما قال تعالى: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }النحل:112-113. 
إخوة الإسلام أيها العباد المؤمنون : 
ووصيتنا الثانية - أيها الحجاج والعمار - لما تكفل الله لكم أيها الحجاج والعمار بالطعام والشراب والأمن وأنتم ضيوفه سبحانه فعليكم بحسن الخلق وكريم المعاملة بينكم ، أن تتزودوا بخير الزاد التقوى ، فقد قال سبحانه :
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) }.. 
وخير ما تتزودون به هو التقوى ، وتتحقق التقوى بأمرين : 
الأول العلم النافع المستقيم بهذه العبادة وأركانها وواجباتها وسننها ومستحباتها لتهتدوا به ، وتعملوا وفقه ، وكذلك بما يبطلها وينقص من أجرها لتتجتنبوه ، والثاني الخلق الكريم لتتعاملوا به فيما بينكم . 
وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" مَنْ حَجَّ هذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " ، وعنه رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ " أخرجهما البخاري .
فالتقوى خالصة لله شعورٌ كريم ينبعثُ في القلب ، ويؤثر ذلك  في السلوك فيستقيم ، وفي الخلق فيعتدل ، ويتمثل في الأدب الجم ، وينتظم علاقة العبد بالله عز وجل ، كما يقيم ويمتن الصلات الاجتماعية ، ويعمق التواصل الإنساني ، ليس بين المسلمين أتباع الدين الواحد والملة والعقيدة والشريعة التي جاء بها محمدٌ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فحسب ، بل وأتباع إخوانه الأنبياء والرسل من قبله كموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام ؛ بل وبين البشرية جمعاء .
اللهم أعزنا بعزة حولك وقوتك ونصرك العزيز ، فإننا الضعفاء إلا بك ، والحقراء إلا منك ، وأنت العليم بنا ،نعوذ بك من شر الشيطان وشركه ،  ونجنا يا إلهنا من شر نفوسنا وشر كل ذي شر إنك سميع الدعاء ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا يكافي نعمه ، ويوافي مزيده ، والصلاة والسلام على نبيه محمد ، وعلى آله السعداء ، وأصحابه الأوفياء ، ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم اللقاء والجزاء ، وعنا معهم بفضلك رب كل شيء ورب الأرض والسماء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله .أما بعد ، أيها المؤمنون يا إخوة الإسلام : 
 إن من فضل الله عز وجل أن الحج والحجيج آمنٌ في إقباله وإدباره ، وسِرْبِهِ وسَرَبِه ، وحِلِّهِ وتِرْحَالِه ، بحمد الله لا زال حفظ الله تاماً ، وما برحت مننه سبحانه في تتابع ٍ وازدياد تترى على البلد الحرام وأهله ، فالخيرات دارَّةٌ وافيةٌ وفيرة ، والبركاتُ قارَّةٌ ناميةٌ كثيرة ، والأمن مستتبٌ بسياج الإيمان ، والنظام والهدوء مستقرٌ بقرار الجماعة والاستنان ، فالقرآن والسنة والسنان قد اجتمعت كلها فعز السلطان.
 ووصيتنا الثالثة ..- أيها الحجاج والعمار- أن تستشعروا عظمة الطاعة ، وعظمة مكانها ، وعظمة زمانها ،.. مما يضفي عليكم أيها الحجاج يا وفد الله هالة مقدسة لا تكون إلا لكم ، فالحج من أكبر أواصر الصلة بين المسلمين إذ إنه يجمع الناس عرباً وعجماً الأحمر والأسود الرعاة والرعايا في هيئة واحدة  متذكرين من سبق من الأمم والأنبياء والصالحين وعلى رأسهم نبينا محمداً صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبهِ وسلم و وكذلك إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما وسلم ، وفي صعيد واحد بأمير الحاج الواحد وإمام المسلمين الواحد وبهذا النداءٍ الواحدٍ : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ) ، وينتج عن هذا التوحيد في العبادة وفي الأداء بين هاتيك المشاعر المقدسة في مكة بلد الله الحرام وحدانيةُ الشعور ، وصدق الإحساس ، وبه تكون هذه الأمة في حائط الإيمان والأمن والأمان ، بفضل الله وبنعمته العظيمة ، وفي الحج الرد البليغ والحجة الدامغة لأهل المروق من الدين ، أولئك البغاة الذين خرجوا على أئمة المسلمين وولاة أمورهم ، فاستباحوا الدم الحرام ، والمال الحرام ، والعرض الحرام ، وأدوا أعظم خدمة لأعداء المسلمين ، إذ أن الكعبة قبلة المسلمين وموئل حجهم في حفظ الله وتمكينه ، وبها مكن الله لولي أمر المسلمين ولدولته ، وللمسلمين أينما كانوا في مشارق الأرض ومغاربها ، بينما هؤلاء البغاة وعلى مدار التاريخ منذ القديم وإلى اليوم مطاردون أينما كانوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ، إلا من تاب وأناب ، فالله يتوب على من تاب . 
عباد الله : ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال :  {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – وعن آله المرضيين ،وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك ياأرحم الراحمين.اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين .اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء ، وسوء القضاء وشماتة الأعداء ، وعضال الداء وخيبة الرجاء ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ولا تشمت بنا أحدا ، اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك وإتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ، اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين ، واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك،عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ،   ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .



- انشر الخبر -