رحمة الإسلام والمسلمين للعالمين /خطــبة الجمــعة لفضيـلة الشــيخ ياســين الأســطل


تم النشر 22 يناير 2011


عدد المشاهدات: 1334


إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{71} }الأحزاب .أما بعد : فان أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد :

{رحمة الإسلام والمسلمين للعالمين .!! }

 

أيها المؤمنون ، يا عباد الله : إن العالم اليوم وكما هو بالأمس ليمد عينيه ينظر إلى هذه الأمة التي هي آخر الأمم ، باعتبارها خير أمةٍ أخرجت للناس ، وشواهد ذلك لا زالت قائمةً وماثلةً للعيان ، يقول الله تعالى في سورة الأنبياء (107): { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ  }.قال الإمام ابن كثير في التفسير : ( قال مسلم في صحيحه: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا مروان الفَزَاريّ، عن يزيد بن كَيْسَان، عن ابن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين، قال: "إني لم أبعَثْ لَعَّانًا، وإنما بُعثْتُ رحمة". انفرد بإخراجه مسلم ، وفي الحديث الآخر: "إنما أنا رحمة مهداة" . رواه عبد الله بن أبي عرابة، وغيره، عن وَكِيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا ) اهـ .

أرسل الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين :

  

* ومن هذه الرحمة أنه وأمته  يؤمنون بمن قبله من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ،    كما أنهم يؤمنون بما أنزل الله تعالى من الكتب ، وشرع من الشرائع .

 

* ومن هذه الرحمة أنه صلى الله عليه وسلم وأمته  أمرهم الله عز وجل أن يقسطوا ويحسنوا إلى من سبقهم بالإيمان بالله والعمل الصالح من أهل الكتاب أتباع موسى وعيسى صلى الله عليهما وسلم ومن غيرهم من الأمم الأخرى .

 

* ومن هذه الرحمة أنه صلى الله عليه وسلم وأمته لا يكرهون الناس على الدخول في الإسلام ، ومصداق ذلك أنزل الله عليهم في سورة البقرة قوله تعالى : 

 

{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)}.

 

*  ومن هذه الرحمة أن الإسلام كفل لغير المسلمين من أهل الرسالات السابقة أن يعيشوا أحراراً كرماء ، وهم إلى اليوم يمارسون عباداتهم بلا أدنى مضايقة في البلاد الإسلامية ، بل ويشاركون المسلمين في الهم والمسئولية .

 

* بل وأكثر من ذلك فمن هذه الرحمة أن الإسلام أباح للمسلمين طعام أهل الكتاب وذبائحهم والزواج من النساء المحصنات منهم ، وإن بقيت على دينها لا يمنع ذلك الزواج .

  

 إخوة الإسلام والإيمان : في ذلك قال الله تعالى في سورة المائدة : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)}.

قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ( قال ابن عباس قال الله تعالى:{ وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}  الانعام: 121، ثم استثنى فقال:{ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ}يعني ذبيحة اليهودي والنصراني، وإن كان النصراني يقول عند الذبح: باسم المسيح واليهودي يقول: باسم عزير، وذلك لأنهم يذبحون على الملة. وقال عطاء: كل من ذبيحة النصراني وإن قال باسم المسيح، لان الله عز وجل قد أباح ذبائحهم، وقد علم ما يقولون. وقال القاسم بن مخيمرة: كل من ذبيحته وإن قال باسم سرجس- اسم كنيسة لهم- وهو قول الزهري وربيعة والشعبي ومكحول، وروي عن صحابيين: عن أبي الدرداء وعبادة ابن الصامت ) اهـ.

 

أيها الناس ، يا عباد الله ، يا إخوة الإسلام  :

  

فليخسأ أولئك الماكرون الكائدون ، ولترتد عليهم نياتهم السوء وأعمالهم البشعة ، من يمكرون الليل والنهار لهدم ناموس الإسلام وتمزيق بلاد الإسلام ، فإن المسلمين قد وسعوا النصارى على مدى القرون الطويلة حيثما حلوا ، وعاش الجميع متعاونين على خير الأوطان وبناء الحضارة والرقي لهم ولسائر الأمم ، وإننا نستنكر ما حدث بقرب كنيسة الإسكندرية بمصر العظيمة ونشد على يد الأمة المصرية كلها حكومةً وشعباً ، أنتم أيها المصريون حصن العروبة والإسلام وموئل التسامح والسلام والأمن والعدل ، فلتداووا الجراح أنتم الأساة الماهرون ، ولا تتيحوا لغيركم أن يلغ في أوانيكم فينجسها بعد الطهارة ، وأنتم يا أهل فلسطين لتجتمعوا على ولي أمركم أخوكم القائم على همكم الليل والنهار يجوب البحار ، لا يقر له قرار مالم يؤد أمانته ، ويرى دولته ، ويطهر بيته ، وتخفق رايته ، وياولي الأمر يحفظك الله لترص الصفوف ولتعلن وتعلي البناء فيد الآثام بالأثيمين عاطلة ، ويد الإكرام بالكرام نائلة ، ولتصبر على الأمر فهو إن شاء الله ناجز ولنصلح يا قومنا ذات بيننا ليصلح لنا وبنا الأولى والآخرة .  

اللهم سبحانك أنت الغني ونحن الفقراء ،فأغن اللهم فقرنا ، أنت القوي ونحن الضعفاء ،فارحم ربنا ضعفنا ، واجبر كسرنا ، ويسر أمورنا ، واشرح للإسلام صدورنا ، ندعوك سميع الدعاء ، مجيب الرجاء ، رب العالمين ، يا أرحم الراحمين ، لا يعجزك شيء ، أنت القادر على كل شيء ، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين .

أيها المؤمنون يا عباد الله : أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين .

  

الخطبة الثانية الحمد لله - سبحانه - ما طرفت عين ، فهو المستحق - وحده - لا مَيْن ، والصلاة والسلام على صاحب الوَحْيَيْن ، رسول الله إلى الثقلين ،  محمد بن عبد الله كريم الأصلين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا في أسمائه ولا في صفاته ، ولا في ألوهيته ولا في ربوبيته ، بفضله جل وعلا قامت السماوات والأرض ، وبرحمته عز جنابه صلحت الدنيا والآخرة ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، أما بعد :

 

أيها المسلمون ، يا عباد الله :

 

 نقول ونعلن لأنفسنا والعالمين ولأولئك الباغين بالإسلام وأهله وبلاده إننا أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم ، ونحن على دربهم سائرون وصابرون مصابرون والقموا هذا الحجر من أمير المؤمنين عمر رض الله عنه فقد كتب للنصارى ببيت المقدس عهده القديم وهو إلى اليوم قائم  :

  

( بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء (القدس) من الأمان. أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبريئها، وسائر ملتها، أن لا تُسكَن كنائسهم، ولا تُهدم ولا يُنقص منها ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم، ولا يَسكُن بإيلياء معهم أحد من اليهود. وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية، كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها اللصوص والرّوم. فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم. ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية. ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم، ويخلي بيعهم وحليهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى حليهم حتى يبلغوا مأمنهم. ومن كان فيها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن رجع إلى أهله فإنه لايؤخذ منهم شيء حتى يحصدوا حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية. (كُتب وحضر سنة خمس عشرة، وشهد على ذلك خالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن عوف، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان ).

  

هداني وإياكم بالقرآن كتاب الله العظيم ، والحكمة سنة النبي العربي الكريم ، ألا وصلوا على البشير النذير ، و البدر السراج المنير ، سيد الأولين والآخرين ، وقائد الغر المحجلين ، فقد أمركم سبحانه بذلك أمراً بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته فقال في سورة الأحزاب :{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) } ، اللهم صل وسلم ، وبارك وأنعم ،على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام و المسلمين ، واحم حوزة الدين ، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما ، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروما ، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اهد التائهين ، واغفر للمذنبين ، ورد الضالين ، اللهم تب على العصاة من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم الخطائين المخطئين ، وارحم اللهم عبادك أجمعين ، اللهم إنا نستعيذ بك من شرور أهل الشرك والفساد ، والكفر والعناد ، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ،  اللهم أعزنا ولا تذلنا ، اللهم ارفعنا ولا تضعنا ، اللهم أغننا ولا تفقرنا ، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا ، اللهم خذل لنا ولا تخذلنا ، اللهم ربنا يا الله إنا نسألك مما سألك منه نبيك محمدٌ صلى الله عليه وسلم  وعبادك الصالحون ،ونستعيذك مما استعاذك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون ، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ، وأجدادنا وجداتنا ، وأزواجنا وأبنائنا وبناتنا ، وأعمامنا وعماتنا ، وأخوالنا وخالاتنا ، وأقربائنا وقريباتنا ، وجيراننا وجاراتنا، وجميع المسلمين يا -رب العالمين ، اللهم ربنا وفقنا لما تحب وترضى ، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك ، ولا تجعلها فيمن نابذك وعصاك ، اللهم احفظ ولي أمرنا بحفظك الأئمة المسلمين ، وارعه برعايتك أوليائك المتقين ، واشمله بنصرك وتأييدك السابقين الأولين ، اللهم وفقه وإخوانه ولاة أمر المسلمين وخذ بأيديهم لسياسة الدنيا وحراسة الدين ، وارزقهم البطانة الصالحة التي تأمرهم بالخير وتحثهم عليه ، وجنبهم البطانة السيئة التي تأمرهم بالشر وتحثهم عليه ، اللهم يا الله نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعل لنا خير الآخرة والأولى ،برحمتك يا أرحم الر احمين ، وصل اللهم وسلم وبارك وأنعم على نبيك محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين .

 

لإرسال مقالاتكم وكتاباتكم 

etehad2002@hotmail.com




- انشر الخبر -