{ نفحات الرحمن في شهر رمضان} لفضيلة الشيخ ياسين الأسطل


تم النشر 03 يونيه 2017


عدد المشاهدات: 1695

أضيف بواسطة : أ.محمد سالم


 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله. 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{71}} الأحزاب .
أما بعد،فان أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار،وبعد ، عباد الله ، أيها المسلمون :
 
{ نفحات الرحمن في شهر رمضان}
 
عطاء الله يأتينا مددا ، لا نحصيه لا شكراً ولا عددا ، فسبحانه هو الله وحده لا شريك له ، إلا أن لربنا في أيام دهرنا نفحات ، ومن ذلك الجمع والجماعات ، والمواسم الكريمات ، ولرمضان في ذلك القدح المعلى ، والسهم الكريم المجلى ، فهو شهر الصيام والقيام ، شهر تنزيل القرآن ، والبر والإحسان ، والصفح والغفران ، والاحتساب والاكتساب ، شهر الإقبال والقبول ، والصبر على الطريق لتحقيق المأمول ، شهر التزكية والترقية ، وموسم التحلي بآداب التجلي ، اللهم بلغنا رمضان ، وسلمنا لرمضان ،وسلمه لنا ، واجعلنا ممن يقوم ليله ، ويصوم نهاره إيماناً واحتسابا ، فمنك حسن الثواب ، وإليك المرجع والمآب ، أنت الكريم الوهاب . إخوةَ الإسلام :
* رمضان مضمار للسبق إلى دار القرار ، إيماناً بالله جل وعلا ، واحتساباً للثواب من الله تعالى ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) .رواه البخاري .
فلنسلك سبيل الإخلاص والسداد ، مستمسكين بآدابه ، ممتثلين لأحكامه ، مبتعدين عن مكروهاته ، متقللين من تناول الشهوات ولو كانت حلالا ، فما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه ، كما في قول الله تبارك وتعالى :  {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }الأعراف31 . 
* رمضان يا عباد الله حديث الصالحين، وشغل المتقين ، وفي الحديث عند البيهقي في شعب الإيمان عن عطاء بن السائب عن عرفجة قال : 
كنا عند عتبة بن فرقد و هو يحدثنا عن رمضان إذ دخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فسكت عتبة بن فرقد ثم قال : يا أبا عبد الله حدثنا عن رمضان كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول فيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : 
" رمضان شهر مبارك تفتح فيه أبواب الجنة و تغلق فيه أبواب السعير و تصفد فيه الشياطين و ينادي منادي كل ليلة يا باغي الخير هلم و يا باغي الشر أقصر " . 
* شهر رمضان ، تضاعف فيه الحسنات ، وتغفر فيه السيئات.فيا فوز الرابحين ، ويا ندم المتكاسلين!!
عن مالك بن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر ،فلما رقي عتبة قال آمين ، ثم رقي أخرى فقال آمين ، ثم رقي عتبة ثالثة فقال آمين ، ثم قال :
" أتاني جبريل عليه السلام فقال : يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله ، فقلت آمين ، قال ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله ، فقلت آمين ، قال ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله ، قل آمين ، فقلت آمين " ، رواه ابن حبان في صحيحه ، وقال الألباني صحيح لغيره .
أيها المؤمنون :
* الرابح في رمضان من صبر ، و الموفى الأجر من غفر ، والفائز من شكر ، قال سبحانه وتعالى : {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }الشورى43.
الصيامَ الصيامَ فالصومُ شعارُ المتقين ، كما أنه شكرُ الشاكرين ، ومفتاح باب الريان فشمروا له أيها العابدون واغتنموا ، هذه مريم عليها السلام لما أن أنعم الله عليها بعيسى صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى لها : { ..فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً } مريم 26 ، عبد الله ، أيها المسلم ، يا أخي الصائم  : *وأما الشاكرون فمالك ولهم ، معهم حذاؤهم وسقاؤهم ، وبهم عفاصهم ووعاؤهم !! اسمع قول الله :{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }إبراهيم7 ، أهل الشكر هم أهل الزيادة ، قال الإمام ابن القيم في حادي الأرواح :(..وفي أثر إلهي يقول الله تعالى : أهل ذكر أهل مجالستي وأهل طاعتي أهل كرامتي و أهل شكري أهل زيادتي و أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، ابتليهم بالمصايب لأطهرهم من المعايب ..).
ولهذا نجد أن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كانوا يحرصون على صوم النوافل ، ففي المتفق عليه عند الشيخين البخاري ومسلم من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما - واللفظ للبخاري - أنه حَدَّثَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ، وَصَارَتِ الْوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ؛ فَقَالَ: أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ قَالَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: خَمْسًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: سَبْعًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: تِسْعًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: إِحْدَى عَشْرَةَ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، شَطرَ الدَّهْرِ، صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا " .
* والصوم جُنَّةٌ للصائمين ، أي وقاية من المعاصي ، ووقاية من النار ، ففي صحيح ابن حبان عن أبي بكر بن بشير عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت ، النار أولى به ، يا كعب بن عجرة الناس غاديان : فغاد في فكاك نفسه فمعتقها وغاد موبقها يا كعب بن عجرة الصلاة قربان والصدقة برهان والصوم جنة والصدقة تطفىء الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا ) قال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح .
وروى النسائي بسنده عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
 " من صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفا " . قال الشيخ الألباني : صحيح . 
عباد الله : 
لنرفع الأكف لله سبحانه بالتسليم ، وللنبي صلى الله عليه و سلم بالاتباع ، وللسلف بالاقتداء وللأمراء في غير المعصية بالدعاء والسمع والطاعة ، وللعلماء بالامتثال للسنة وحسن الصحبة ، وللوالدين بالبر وللأقربين بالصلة ، وللجيران بالتعاهد بالخير وسماحة العمل ، اللهم وفقنا للعمل بدينك القويم ، وثبتنا على صراطك المستقيم ، ووفقنا لما تحب وترضى على التأبيد والدوام ، وجنبنا ما تسخط من الأقوال والاعتقادات والأعمال وسائر المعاصي والآثام ، فهي سبيل الهلاك والعذاب الغرام ، اللهم آمين 
 أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيرا يليق بجلاله وجماله ، والصلاة والسلام على نبيه محمد وصحبه وآله ، ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم القيامة ، وعنا معهم اللهم آمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله . أما بعد ، أيها الناس يا عباد الله: 
 
الله غنيٌ عنا لولا رحمته بنا لهلكنا ، فعبادة العابدين لا تزيد في ملكه ، ولا زهد الزاهدين ، كما أن معصية العاصين لا تنقص منه شيئاً ، ومن رحمة الله بنا يا إخوة الإسلام هذا الركن العظيم الرابع من أركان الإسلام الصيام ، هذه العبادة السامية ، والتي تسمو بصاحبها - راحمةً نفسَه من نفسِه – فتصير النفس الأمارة بالسوء نفساً لوامةً ثم تعلو به في مدارج السالكين لمنازل السائرين في مراقي الفلاح فتغدو نفساً مطمئنة حتى لكأنه مَلَكٌ من الملائكة ، لا يشغله طعامٌ  ، ولا يلهيه شراب ،شأنه التسبيح والتقديس ، و ديدنه التحميد والتمجيد لربه عز وجل ، وهو إما تالٍ لكتاب الله ، أوعامرٍ لبيت الله ،كما تسمو بصاحبها راحمةً إخوانه من بني آدم فيحسن ٍإلى الفقير ، ويعين المحتاج ، وفي صحيح البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (كان النبي صلى الله عليه و سلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي صلى الله عليه و سلم القرآن فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة ) ، فالخير كل الخير يعود على هؤلاء العابدين بعبادتهم لله سبحانه وتعالى ، و لنحذر يا عباد الله مما حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم ، روى الإمام أحمد في المسند عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر " ، قال الأرنؤوط : إسناده جيد .
 فلله أنت يا من حفظت بطنك ،كما حفظت فرجك ، حافظاً لسانك وأذنك وعينك ، وقلبك وشعورك ، أقبلت على الله فبذلت شيئاً من مالك صدقة أو صلة ، فأقبل الله عليك رحمةً وبرا ، ورفعةً وسترا ، رضيت عن الله فرضي الله عنك ، نفسك بذكر الله مطمئنة ، ولسانك بالخير ناطق ، ويدك بالفضل ممتدة ، وعينك للحق دائبة ، وأذنك في طيب القول وكريم الكلام راغبة ، أنت في كنف الله لأنك ترى الله في كنفك ، فتعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .  يا عباد الله : 
ألا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه والسلام فقال :  {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم فصلِّ وسلم على محمد وآله الأكرمين ، وارض اللهم عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ،
 اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ولا تشمت بنا أحدا ،
 اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، 
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك وإتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ،
 اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من الصهاينة المعتدين المحتلين واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، 
اللهم اجمع شتاتنا ، ووحد صفنا ، واجبر كسرنا ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ،
 اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ، ولأزواجنا وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وبني عمنا ، وبني خالنا ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك..
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ،   ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله. 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{71}} الأحزاب .
أما بعد،فان أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار،وبعد ، عباد الله ، أيها المسلمون :
 
{ نفحات الرحمن في شهر رمضان}
 
عطاء الله يأتينا مددا ، لا نحصيه لا شكراً ولا عددا ، فسبحانه هو الله وحده لا شريك له ، إلا أن لربنا في أيام دهرنا نفحات ، ومن ذلك الجمع والجماعات ، والمواسم الكريمات ، ولرمضان في ذلك القدح المعلى ، والسهم الكريم المجلى ، فهو شهر الصيام والقيام ، شهر تنزيل القرآن ، والبر والإحسان ، والصفح والغفران ، والاحتساب والاكتساب ، شهر الإقبال والقبول ، والصبر على الطريق لتحقيق المأمول ، شهر التزكية والترقية ، وموسم التحلي بآداب التجلي ، اللهم بلغنا رمضان ، وسلمنا لرمضان ،وسلمه لنا ، واجعلنا ممن يقوم ليله ، ويصوم نهاره إيماناً واحتسابا ، فمنك حسن الثواب ، وإليك المرجع والمآب ، أنت الكريم الوهاب . إخوةَ الإسلام :
* رمضان مضمار للسبق إلى دار القرار ، إيماناً بالله جل وعلا ، واحتساباً للثواب من الله تعالى ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) .رواه البخاري .
فلنسلك سبيل الإخلاص والسداد ، مستمسكين بآدابه ، ممتثلين لأحكامه ، مبتعدين عن مكروهاته ، متقللين من تناول الشهوات ولو كانت حلالا ، فما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه ، كما في قول الله تبارك وتعالى :  {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }الأعراف31 . 
* رمضان يا عباد الله حديث الصالحين، وشغل المتقين ، وفي الحديث عند البيهقي في شعب الإيمان عن عطاء بن السائب عن عرفجة قال : 
كنا عند عتبة بن فرقد و هو يحدثنا عن رمضان إذ دخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فسكت عتبة بن فرقد ثم قال : يا أبا عبد الله حدثنا عن رمضان كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول فيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : 
" رمضان شهر مبارك تفتح فيه أبواب الجنة و تغلق فيه أبواب السعير و تصفد فيه الشياطين و ينادي منادي كل ليلة يا باغي الخير هلم و يا باغي الشر أقصر " . 
* شهر رمضان ، تضاعف فيه الحسنات ، وتغفر فيه السيئات.فيا فوز الرابحين ، ويا ندم المتكاسلين!!
عن مالك بن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر ،فلما رقي عتبة قال آمين ، ثم رقي أخرى فقال آمين ، ثم رقي عتبة ثالثة فقال آمين ، ثم قال :
" أتاني جبريل عليه السلام فقال : يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله ، فقلت آمين ، قال ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله ، فقلت آمين ، قال ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله ، قل آمين ، فقلت آمين " ، رواه ابن حبان في صحيحه ، وقال الألباني صحيح لغيره .
أيها المؤمنون :
* الرابح في رمضان من صبر ، و الموفى الأجر من غفر ، والفائز من شكر ، قال سبحانه وتعالى : {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }الشورى43.
الصيامَ الصيامَ فالصومُ شعارُ المتقين ، كما أنه شكرُ الشاكرين ، ومفتاح باب الريان فشمروا له أيها العابدون واغتنموا ، هذه مريم عليها السلام لما أن أنعم الله عليها بعيسى صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى لها : { ..فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً } مريم 26 ، عبد الله ، أيها المسلم ، يا أخي الصائم  : *وأما الشاكرون فمالك ولهم ، معهم حذاؤهم وسقاؤهم ، وبهم عفاصهم ووعاؤهم !! اسمع قول الله :{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }إبراهيم7 ، أهل الشكر هم أهل الزيادة ، قال الإمام ابن القيم في حادي الأرواح :(..وفي أثر إلهي يقول الله تعالى : أهل ذكر أهل مجالستي وأهل طاعتي أهل كرامتي و أهل شكري أهل زيادتي و أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، ابتليهم بالمصايب لأطهرهم من المعايب ..).
ولهذا نجد أن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كانوا يحرصون على صوم النوافل ، ففي المتفق عليه عند الشيخين البخاري ومسلم من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما - واللفظ للبخاري - أنه حَدَّثَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ، وَصَارَتِ الْوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ؛ فَقَالَ: أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ قَالَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: خَمْسًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: سَبْعًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: تِسْعًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: إِحْدَى عَشْرَةَ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، شَطرَ الدَّهْرِ، صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا " .
* والصوم جُنَّةٌ للصائمين ، أي وقاية من المعاصي ، ووقاية من النار ، ففي صحيح ابن حبان عن أبي بكر بن بشير عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت ، النار أولى به ، يا كعب بن عجرة الناس غاديان : فغاد في فكاك نفسه فمعتقها وغاد موبقها يا كعب بن عجرة الصلاة قربان والصدقة برهان والصوم جنة والصدقة تطفىء الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا ) قال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح .
وروى النسائي بسنده عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
 " من صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفا " . قال الشيخ الألباني : صحيح . 
عباد الله : 
لنرفع الأكف لله سبحانه بالتسليم ، وللنبي صلى الله عليه و سلم بالاتباع ، وللسلف بالاقتداء وللأمراء في غير المعصية بالدعاء والسمع والطاعة ، وللعلماء بالامتثال للسنة وحسن الصحبة ، وللوالدين بالبر وللأقربين بالصلة ، وللجيران بالتعاهد بالخير وسماحة العمل ، اللهم وفقنا للعمل بدينك القويم ، وثبتنا على صراطك المستقيم ، ووفقنا لما تحب وترضى على التأبيد والدوام ، وجنبنا ما تسخط من الأقوال والاعتقادات والأعمال وسائر المعاصي والآثام ، فهي سبيل الهلاك والعذاب الغرام ، اللهم آمين 
 أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيرا يليق بجلاله وجماله ، والصلاة والسلام على نبيه محمد وصحبه وآله ، ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم القيامة ، وعنا معهم اللهم آمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله . أما بعد ، أيها الناس يا عباد الله: 
 
الله غنيٌ عنا لولا رحمته بنا لهلكنا ، فعبادة العابدين لا تزيد في ملكه ، ولا زهد الزاهدين ، كما أن معصية العاصين لا تنقص منه شيئاً ، ومن رحمة الله بنا يا إخوة الإسلام هذا الركن العظيم الرابع من أركان الإسلام الصيام ، هذه العبادة السامية ، والتي تسمو بصاحبها - راحمةً نفسَه من نفسِه – فتصير النفس الأمارة بالسوء نفساً لوامةً ثم تعلو به في مدارج السالكين لمنازل السائرين في مراقي الفلاح فتغدو نفساً مطمئنة حتى لكأنه مَلَكٌ من الملائكة ، لا يشغله طعامٌ  ، ولا يلهيه شراب ،شأنه التسبيح والتقديس ، و ديدنه التحميد والتمجيد لربه عز وجل ، وهو إما تالٍ لكتاب الله ، أوعامرٍ لبيت الله ،كما تسمو بصاحبها راحمةً إخوانه من بني آدم فيحسن ٍإلى الفقير ، ويعين المحتاج ، وفي صحيح البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (كان النبي صلى الله عليه و سلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي صلى الله عليه و سلم القرآن فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة ) ، فالخير كل الخير يعود على هؤلاء العابدين بعبادتهم لله سبحانه وتعالى ، و لنحذر يا عباد الله مما حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم ، روى الإمام أحمد في المسند عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر " ، قال الأرنؤوط : إسناده جيد .
 فلله أنت يا من حفظت بطنك ،كما حفظت فرجك ، حافظاً لسانك وأذنك وعينك ، وقلبك وشعورك ، أقبلت على الله فبذلت شيئاً من مالك صدقة أو صلة ، فأقبل الله عليك رحمةً وبرا ، ورفعةً وسترا ، رضيت عن الله فرضي الله عنك ، نفسك بذكر الله مطمئنة ، ولسانك بالخير ناطق ، ويدك بالفضل ممتدة ، وعينك للحق دائبة ، وأذنك في طيب القول وكريم الكلام راغبة ، أنت في كنف الله لأنك ترى الله في كنفك ، فتعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .  يا عباد الله : 
ألا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه والسلام فقال :  {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم فصلِّ وسلم على محمد وآله الأكرمين ، وارض اللهم عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ،
 اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ولا تشمت بنا أحدا ،
 اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، 
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك وإتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ،
 اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من الصهاينة المعتدين المحتلين واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، 
اللهم اجمع شتاتنا ، ووحد صفنا ، واجبر كسرنا ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ،
 اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ، ولأزواجنا وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وبني عمنا ، وبني خالنا ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك..
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ،   ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .



- انشر الخبر -