الصدقة عن الأموات تَسُدُّ الحاجات لكثير من الأقوات


تم النشر 22 مارس 2017


عدد المشاهدات: 1665

أضيف بواسطة : عبدالعال محمد


في رحاب آية

د. يونس الأسطل

 

( الصدقة عن الأموات تَسُدُّ الحاجات لكثير من الأقوات )

 

] وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ   [

المنافقون (10)

لا زلنا بين أسبوعٍ وآخرَ نسمع بموت المزيد من البشر فجأة، دون علةٍ بَيِّنة، إذْ يكون صحيحاً معافىً، فإذا به يقع ميتاً، وربما نام، فلم يَصْحُ منها؛ فإن الله يتوفاكم بالليل، ويعلم ما جرحتم بالنهار، كما أنه يتوفى الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في منامها، ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها، حتى لو قال: ربِّ ارجعونِ لَعَلِّي أعمل صالحاً فيما تركت، أو ربَّنا أَخِّرنا إلى أجل قريبٍ نُجِبْ دعوتك، ونتبعِ الرسل.

وقد ثبت أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد استعاذ بالله من موت الفجأة؛ ففي مسند الإمامِ أحمدَ من حديث عبد الله بن عمروٍ بن العاص "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعاذ من سبع موتات: موتِ الفَجْأة، ومن لدغ الحية، ومن السَّبُعِ، ومن الحرق، ومن الغرق، ومن أن يَخِرَّ على شيءٍ، أو يَخِرَّ عليه شيء، ومن القتل عند فرار الزحف".

ولعل السرَّ في الاستعاذة من موت الفجأة أن المَرْءَ لا يستطيع توصية، ولا إلى أهلهم يرجعون، ولو أُتيحت له فرصة قصيرة لتصدَّق، أو لأوْصى بشيءٍ من ماله يُوقَف على بعض المصالح العامة؛ ليظلَّ صدقةً جارية، وربما كانت عليه ديونٌ لله، أو لعباد الله، فأدَّاها في فترة الإمهال الافتراضية، غير أن حُجَّة العباد دَاحِضةٌ عند ربهم؛ فقد عَمَّرَهم ما يتذكر فيه من تذكَّر، وجاءهم النذير، سواء أُريد به النبي المرسل، أو الذين يأمرون بالقسط من الناس، أو أُريد به قرائن دُنُوِّ الموت، من الشَّيْب إلى التراجع من القوة إلى الضَّعْف والشَّيْبة المؤذنة بأن الزَّرع قد هاج، فتراه مصفرَّاً، ويوشك أن يكون حطاماً، أو هشيماً تذروه الرياح، فصار حصيداً كأن لم يَغْنَ بالأمس، من بعد أن أخذت الأرض زخرفها، وازَّينتْ، وظنَّ أهلها أنهم قادرون عليها، وهكذا مثل حياتنا الدنيا.

ومن هنا فإن من تَخَطَّفَتْهُ المنيَّةُ على حين غفلةٍ من أهلها اسْتُحِبَّ لِبَنيهِ وذويه أن يتصدَّقوا عنه، سواء كان من تركته، خاصة إذا حضر القسمة أولو القربى، واليتامى، والمساكين، أو كان مِنْ حُرِّ مالهم، فقد بَوَّب البخاري لموت الفجأة أو البغتة، وأورد فيه "أن رجلاً سأل النبي عليه الصلاة والسلام: إن أُمِّيَ افْتُلِتتْ نفسُها، وأظنها لو تكلمتْ تصدَّقت؛ فهل لها أجر إنْ تصدقتُ عنها؟، قال: نعم" الحديث (1388).

بل أورد النسائي من حديث سعد بن عبادة ر ضي الله عنه "أنه خرج مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، وحضرت أُمَّه الوفاة بالمدينة، فقيل لها: أَوْصي، فقالت: المال مال سعد، فتوفيت قبل أن يَقْدُمَ سعد، فلما قَدِمَ سعد ذُكِرَ ذلك له، فقال: يا رسول الله: هل ينفعها أن أتصدق عنها؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فقال سعد: حائط كذا وكذا صدقة عنها".

ومما يؤكد استحباب التصدق عن الميت حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عملهُ إلَّا مِنْ ثلاثةٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أوعلمٍ يُنِتَفَعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له"، والصدقة الجارية قد يفعلها المؤمن في حياته، وقد يوصي بها بعد مماته، وقد يتطوع بها عصبته وأَحِبَّتُهُ بعد وفاته.

وقد دَلَّتْ آية المقال على وجوب المسارعة إلى إخراج الحقوق الواجبة في المال من الزكاة، والنفقة، والفرائض التي تتوقف على المال، كما دَلَّتْ على استحباب مسابقة الموت بالصدقات النافلة، وإلَّا فبالإيصاء من ثلث ماله بعد انتقاله إلى مآله في البرزخ، حين يرقد في الأجداث والقبور، فإمَّا فعل تلك الواجبات والنوافل المالية؛ وإلَّا فإنه حتماً إذا فُوجئ بالموت يزوره سيضرع إلى الله أن يمهله فترةً قصيرةً ليتصدَّق، وليكون من الصالحين؛ باستدراك ما فات من العبادات المالية والبدنية، غير أن تقديم الصدقة أولاً دليل على أن الأموات قد أدركوا أن عظيم الأجر في الصدقات.

والسؤال هنا عن معنى هذه الآية في سياق سورة المنافقون دون غيرها من المواضع؟

إن المنافقين قد تواصوا بالإمساك عن الإنفاق على مَنْ عند رسول الله من الصحابة حتى ينفضُّوا عنه، ويَطَّيَّروا به، وأن ما أصابهم من الحصار والحرمان إنما حصل بسببه، ولعل ذلك يدفعهم إلى مغادرة المدينة، أو مغادرة الدين، والعودة في ملة آبائهم الأولين، ولا زال الحصار، والحرمان من فُرَصِ العمل، والفصل من الوظائف، وتضييق الخناق على الأرزاق ديدنَ المنافقين والكافرين تجاه عباد الله المستضعفين؛ وإذا ابتلينا بهذا اللون من الحرب، كالحال في غزة منذ أكثر من عشر سنين؛ فما الحل؟!.

إن الجواب في آية المقال؛ حيث يُندب أُولو الطَّوْل منكم والسعة أن يُنفقوا في سبيل الله فُضول أموالهم؛ حتى نُفْشِلَ الحصار بالسخاء، وأن يحمل القويُّ الضعيف، وأن من كان عنده فضل زادٍ فَلْيَعُدْ به على مَنْ لا زادَ له، وهو جواب القرآن للصحابة الكرام عن مقدار ما ينفقون؛ كما في سورة البقرة: " وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ؟، قُلِ: الْعَفْوَ " الآية (219)، والعفو هو ما زاد عن الحاجة، والحاجة عند الزاهد ما استيسر من النفقة؛ بخلاف الذين يريدون الحياة الدنيا وزينتها؛ فإنهم من المُسْرِفين؛ بل من المُبَذِّرين الفاسقين، ولسوف يندمون أشدَّ الندم عندما يرون ملائكة الموت، ويسألون الإمهال إلى اليسير من الآجال؛ فإياكم والإهمال، فلن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها، وليست إلا كلمةً هو قائلُها، ومِنْ ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون.

ولن تنالوا البِرَّ حتى تنفقوا مما تحبون




- انشر الخبر -