​طارق الترك.. غزّيٌّ يرقصُ فوق ناطحات سحاب ألمانيا


تم النشر 22 فبراير 2017


عدد المشاهدات: 1627

أضيف بواسطة : أ.محمد علي


لا يجد الخوف مكانًا في قلبه، بكل خفة ورشاقة يؤدي رقصات معقدة وحركات سريعة على ناطحات السحاب، كما أنه يستطيع أن يقف على حافة البنايات الشاهقة، والجسور واللوحات الإعلانية، متحديًا قوانين الجاذبية الأرضية، يرقص على حافتها بشكل جريء، والناظر له كل ما بوسعه عمله هو أن يجحظ عينيه من هول ما يشاهد، ويحبس أنفاسه، فكل ما يربطه هو الكابلات والحبال المربوطة على خصره.

هذا التحدي قد يهيئ للبعض أنه مستحيل، ولكن بالنسبة لطارق فإنه هواية ممتعة، ويرى أنه أمرًا في غاية السهولة، فقد تمكن من إيجاد طريق موهبته في بلاد الغربة معيداً إلى أذهانهم مشاهد الرسوم الكرتونية لمسلسل "سبايدر مان" رجل العنكبوت.

الشاب طارق الترك (30 عامًا) فنان ورياضي من مدينة غزة، انتقل للعيش في سوريا ومن ثم إلى ألمانيا عبر قوارب الموت ليؤسس شركة "الراقصون المُحلّقون" هناك، صحيفة "فلسطين" تسلط الضوء عليه لمعرفة تفاصيل قصته.

إرث رياضي

في غزة نشأَ وترعرع، فإلى جانب الدراسة كان ممارسًا متمكنًا للرياضة وحينها لم يكن يتجاوز عمره الستة أعوام، فقد كان يحصل على العديد من البطولات على مستوى فلسطين خاصة في رياضة الجمباز، فقال: "منذ أن أبصرت الحياة رأيت والدي مدربًا، وهكذا وجدت نفسي في عالم الرياضة".

أي أن اهتمام والديه منذ صغره كان بمثابة حركة الوثب العالي ليجد نفسه لاعب جمباز لما له من مساحات وفرص كبيرة في عالم المسرح والسيرك، مضيفًا: "ممارستي للجمباز كانت اختيار والدي، فقد كان يصحبني أنا وإخوتي معه إلى النادي، حتى كبرنا وأصبحنا أبطالا على مستوى فلسطين، ولكن الحصار وإغلاق المعابر أثرا سلباً على حياتنا الرياضية لنُحرم من المشاركات الدولية.

ومن جانبٍ آخر تُوج أيضًا بطلًا لقطاع غزة في تنس الطاولة عام 2003 في نادي غزة الرياضي، يقول: "لم يألُ والدي جهدًا في تدريبي وتعليمي تمارين متعددة، وإسداء النصائح والتعليمات، إلى جانب مدربي محمد علوش"، وفي عام 1998 كانت له أول تجربة مسرحية، من خلال مشاركته في مسرح الطفل الفلسطيني بمسرحية (حارسة النبع).

بداية الرحلة

انتقل الترك للعيش في دمشق للالتحاق بالجامعة وإكمال دراسته في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وفي هذه الأثناء كانت أعمال وصدى فرقة "إنانا" للمسرح الراقص تعلو وتصدح في كل الأرجاء لما تمتلكه من إمكانيات وتطورات في مجالها الفني، فشعر بحماسة ورغبة ملحة للانتساب إلى تلك الفرقة، ومن هنا كانت بدايته الفنية.

وأوضح أنه شارك مع الفرقة بالعديد من الأعمال المسرحية، مثل مسرحية صقر قريش، وصلاح الدين، وبيت الحكمة وغيرها من الأعمال في مختلف المهرجانات العربية والدولية، منها كندا والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا وأوروبا، وكافة الدول العربية، فمدير الفرقة لم يقصر في تعليمه وتدريبه على فن الرقص المعاصر والكلاسيكي والشعبي.

ومن خلال هذه الفرقة التي باتت تفتح له الآفاق لتألقها الكبير في الأعمال الفنية والمشاركات الدرامية، لا سيما أنها تعاونت مع نجوم ومخرجين كبار كالمخرج نبيل المالح، وحاتم علي، وعبد الحكيم قطيفان، وأمل عرفة وغيرهم.

لكن هذه الحماسة التي ولدت مع التألق أطفأتها نيران الحرب في سوريا والتي أدت إلى قتل وتدمير وتشريد الشعب السوري، فتوالي الهجرات إلى مختلف أصقاع العالم للبحث عن الأمان أفقده حلمه والعالم الذي كان يصبو إليه، ليضطر للخروج من سوريا إلى ألمانيا عن طريق البحر الأبيض المتوسط عبر قوارب الموت.

ويتابع الترك حديثه: "في ألمانيا بدأتُ حياتي من الصفر، فاستثمرت مؤهلاتي العلمية وعملت لفترة ما يقارب عامين كمترجم لمساعدة اللاجئين مقابل ١.١٠€، أي أقل من عشرة شواكل، هذا المبلغ لا يكفي لتحصيل قوت يوم"، ولكنه اتجه لتقوية لغته الألمانية والتي تعد مفتاحاً ذا أهمية كبيرة بالنسبة له للوصول إلى أحلامه وتحقيق أهدافه.

فشارك بعمل فني مميز مع المغني الألماني الشهير "ميلو مارك" بأغنية باسم Welcome Refugees وهي تعني الترحيب باللاجئين، والتي حملت رسالة تضامنية وتعاطفية مع اللاجئين في أوروبا.

الرقص المحلق

ومن خلال مشاركات الترك في عدة أعمال فنية في مجال السيرك والمسرح الراقص في ألمانيا، تعرف على فن الرقص العمودي، وهو عبارة عن مزج بين فن الرقص المعاصر، والإكروبات الرياضية، حيث يتم تنفيذ حركات بغاية الجَمال باستخدام تكنولوجيا الطيران من على مستويات عالية، مثل ناطحات سحاب وأبراج سكنية عالية.

"وبفضل الله كان لي التميز نتيجة احترافي لفن الرقص المعاصر، والجمباز الرياضي، وامتلاك حب المغامرة والخروج عن مألوف وحب التحليق والطيران إلى عوالم فنية أخرى، فظهرت لدي فكرة تأسيس شركة "الراقصون المحلقون" .

وأشار الترك إلى أنه أنشأها في شهر كانون الثاني/ يناير في العام الماضي، بمساعدة ودعم خبراء ألمان، ومن خلال حملة إعلانية عبر صفحات التواصل الاجتماعي، كما تم تأسيس موقع لها على الشبكة العنكبوتية، منوهًا إلى أن هذه الفرقة هي الثانية في العالم التي تمارس هذا النوع من الفن الساحر، حتى بات محلقًا في سماء ألمانيا عبر الفن الذي أتقنه مؤخرًا "الرقص المسرحي والأكروبات"، وأطلق عليه لقب "سبايدر مان العرب".

وبين أن من أهم أهداف الشركة تسويق وترويج هذا الفن في الدول العربية، لأن المنطقة العربية محطة أساسية في تراث الفكر الإنساني، فهي نبع حضاري وثقافي متنوع ويشهد تطورا عمرانيا وفنيا.

ومن طبيعة الترك أن لديه روح المغامرة، والخروج عن المألوف، وتركيزه على الأشياء الصعبة حتى إتمامها بشكل متقن، يصف مشاعره إزاء اختياره: "حين أكون على ارتفاعٍ كبير وتكون الجاذبية بشكل أفقي أشعر بشعور مختلف تمامًا عن الأرض أو على المسرح، فالمتعة هي سيدة الموقف وخاصة عندما يكون هناك توافق حسي وجسدي بيني وبين عضلاتي، وكذلك الأمر مع من يشاركني على الحائط".

إذاً الرقص على الحائط ليس بالأمر الهين، بل يتطلب راقصين محترفين ولاعبي اكروبات، ويحتاج أيضًا للتركيز لأن أي خطأ قد يتسبب بخطر على حياة الراقصين، ولفت إلى أن فن "الفيرتكال دانس" بالعربية يعني الرقص الأفقي، هو عبارة عن مزج الرقص المعاصر بالأكروبات أي الحركات الجمبازية، فهو فنٌ بحت يندرج تحت مصطلح الرياضة.

لم تخل حياته من العقبات، فالحياة بألمانيا مختلفة تمامًا عن العيش في البلاد العربية، على صعيد اختلاف طريقة التفكير، والمناخ وحاجز اللغة، ولكنه وجد نفسه مضطرًا للتعايش مع هذا النمط من المجتمع لمواصلة حياته.

وختم الترك حديثه: "لفلسطين وطني محبة كبيرة، وعملي هذا جزء صغير للتعبير عن هذا الحب"، ويجد نفسه أنه يمثل نموذجًا متميزًا لقوة إرادة الشعب الفلسطيني، فالمخاطر والمغامرات هي جزء من واقع شعبنا، "طموحنا كفلسطينيين لا يحده شيء، ورسالتنا هي التميز عربياً على كافة الصعد لا سيما في عالم الرياضة".




- انشر الخبر -