التفرد بالقرار يُحِلُّ الشعوبَ دارَ البوار، وبئسَ القرار


تم النشر 11 فبراير 2017


عدد المشاهدات: 1648

أضيف بواسطة : أ.محمد علي


( التفرد بالقرار يُحِلُّ الشعوبَ دارَ البوار، وبئسَ القرار )

 

]وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ . إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ . يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ . وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ   [

هود (96-99)

لا تختلف السلطة الفلسطينية عن معظم الأنظمة العربية والإسلامية، فقد ابتلينا بزعماء مستبدِّين بالرأي والقرار، وكأنهم من أحفاد فرعون الذي اتخذ قراراً بقتل سيدنا موسى، وعندما راجعه رجلٌ مؤمنٌ من آل فرعون يكتم إيمانه، وبيَّن أن موسى عليه السلام لم يرتكب ما يُودي به إلى القتل، وعلى فرعون وملئه أن ينتظروا مصداق ما يعدهم به، وإذا كان صادقاً ، ثم قتلوه، فإن ما توعَّدهم به سيصيبهم لا محالة .. عندها كان جواب فرعون: "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ " غافر (29)

إن هذا الردَّ يقوله معظم الزعماء الذين يتعاملون مع الشعوب بسياسة القطيع، وإنْ لم يتفوَّهوا به؛ وإلَّا كيف نفهم دعوة أبي مازن مختار حركة فتح إلى إجراء الانتخابات للمجالس البلدية في شهر تشرين الأول الماضي؛ حتى إذا عجز عن تشكيل قوائم مؤهلة راح يؤجِّلها، مُتَوكِّئاً على قرار المحكمة الدستورية التي شكَّلها بقرارٍ منفردٍ؛ للالتفاف على صلاحيات المجلس التشريعي، ثم فُوجئنا بتشكيله محكمةً خاصة للانتخابات، لم يسْتشر فيها أَيَّاً من الفصائل، وما أظنُّه في حاجة إلى الرجوع إلى قبيلة فتح، ولا إلى مَنْ بقي منها مصطفاً معه؛ حتى يتمكن آخر الشهر من الاصطفاف على الصَّراف الآلي حتى حين، وها هو يطلع علينا بموعد جديد للانتخابات المحلية في الشطر الأول من العشر الأوسط من شهر أيَّار (مايو) القادم، ولا يلتفت إلى معارضةِ أكثرَ من شطر الشعب الفلسطيني.

وقد يكون الهدف من ذلك إلهاء الناس عن انتفاضة القدس التي تَوَقَّع الصهاينة ارتفاع وَتيرتِها هذا العام، وقد رأينا تباشير ذلك فيما حصل في الشهر الأول منه، وختمته فتاة من ضواحي القدس بِدَوْس ثلاثة جنود.

وربما كان السِّرُّ في ذلك هو الخضوعَ لاشتراطات الاتحاد الأوروبي في المضيِّ في ضَخِّ مئات الملايين، مهراً للتعاون الأمني مع الاحتلال، بعد أن لوَّح ذلك الاتحاد بإيقاف تَدَفُّقِ الأموال لمؤسساتٍ منتهيةِ الشرعية من ثماني سنين على الأقل، ولا أشكُّ أن لعباس فيها مآربَ أخرى، تتعلق بالمناكفات السياسية مع حماس بعد الاتفاق في بيروت على تفعيل؛ بل إحياء المجلس الوطني على أُسُسٍ متفقٍ عليها، وبعد الرجوع من موسكو بفكرة تشكيل حكومة وحدةٍ وطنية، تتولَّى إجراء الانتخابات كُلِّها، بعد أن تُثْبِتَ أنها قادرة على توحيد الشعب الفلسطيني، والقيام بحقوقه، دون تَحَيُّزٍ أو فئوية.

أما آيات المقال؛ فإنها توجز قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعونَ عليه اللعنة، وقد انحاز إليه الملأ من قومه، واستخفَّ الأقباط فأطاعوه؛ اغتراراً بما زعمه أنه لا يهديهم إلا سبيل الرشاد، وتجزم الآيات بِنَفْيِ أدنى الرُّشْد عن فرعونَ وسياسته حين تقول: " وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ "، ثم تُبَيِّنُ مصداق ذلك في الآخرة والدنيا:

(أ)  أما في الآخرة فسوف يتقدَّم قومه يوم القيامة، وهم كالبهائم العطشى، فإذا بهم يُكَبْكَبون في الدرك الأسفل من النار؛ حيث الهاوية التي لا يَصِل إلى قَعْرِها أحدٌ إلا بعد سبعين سنة من الخُرُور في نارٍ تعدل نارَنا سبعين مرة، إلى حيثُ أشدُّ العذاب، والعياذ بالله.

وانظروا إلى الأسلوب التهكمي بالتعبير بالوِرْدِ الذي هو في الأصل لسقي البهائم من الآبار، أو الأنهار؛ فإذا به نارٌ تلظَّى؛ فإن الله يسوق المجرمين إلى جهنم وِرْداً، ويُلْقي عليهم من الجوع ما يعدل ما هم فيه من العذاب، ولذلك فإنهم يستغيثون بأهل الجنة أنْ أفيضوا علينا من الماء، أو مما رزقكم الله، ولن يكون طعامهم إلا من ضريعٍ، لا يُسمن ولا يُغني من جوع، أو من غسلينٍ، لا يأكله إلا الخاطئون، فضلاً عن الزقوم الذي يَغْلي في البطون كَغَلْيِ الحميم، ولذلك فإنهم يشربون من الحميم كَشُرْبِ الهيم، ولن يَرْتَوُوا؛ بل سُقُوا ماءً حميماً فقطَّع أمعاءهم؛ فكيف إذا كان من الماء الصديد الذي يَتَجرَّعُهُ، ولا يكاد يُسيغُه، ويأتيهِ الموت من كلِّ مكانٍ، وما هو بميِّتٍ، ومن ورائهِ عذابٌ غليظ.

(ب)  وأما في الدنيا فقد حاقتْ بهم لعنة الله، فأغرقهم أجمعين، فجعلهم سلفاً ومثلاً للآخِرِين، ولكنَّ أكثرهم لا يؤمنون حتى يَرَوُا العذاب الأليم، فإما أسلموا كفرعون، ولكنْ في ساعةٍ لا ينفع نفساً إيمانها، لم تكنْ آمنت من قبلُ، أو كسبتْ في إيمانها خيراً، وإما قالوا: هل نحن مُنْظَرون،ربَّنا أَخِّرنا إلى أجلٍ قريبٍ نُجِبْ دعوتك، ونَتَّبع الرسل، وما دعاءُ الكافرين إلى في ضلال، وسيقال لهم وهم فيها كَالِحُون: اخسؤوا فيها ولا تُكَلِّمون؛ فإن آل فرعون قد أُتِبِعوا في هذه الدنيا لعنة، ويوم القيامة هم من المقبوحين، فقد اسْوَدَّتْ وجوههم، كأنما أُُغْشِيتْ قِطَعاً من الليل مظلماً، ومع ذلك فإنهم يتقون بها سُوءَ العذاب يوم القيامة، بعد أنْ حشرهم الله على وجوههم عُمياً وبُكماً وصُمَّاً؛ فقد كانوا في الدنيا يمشون مُكِبِّينَ على وجوههم، وأَتَتْهم آيات ربهم، فنسوها، وكذلك اليوم يُنْسون.

وقد ختم الآية بقوله (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) بعد قوله (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ)؛ وأيُّ رِفْدٍ أو عطاءٍ قد أعطاه فرعون لقومه؛ إذا كان عاقبته أنهم أُغْرِقوا فَأُدْخِلوا ناراً، فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً؟!.

إن هذا هو مصير جميع المستبدِّين، والملأِ من حولهم، ومصير جنودهم أيضاً، ما لم يتوبوا من قبل أن يأتي أحدَهم الموت، وما أظنهم يفعلون، فقد زيَّن لهم الشيطان أعمالهم، فصدَّهم عن السبيل، فكانوا ممن ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يَحسبون أنهم يُحسنون صنعاً، ما دام كبيرهم الذي علَّمهم السحر يُتيح لهم أن يَؤُمُّوا البنوك آخر الشهر، ثم ينزلوا الأسواق؛ ليجلبوا منها ما شاؤوا من الأعلاف، وعلى الأسرى والمسرى السلام!!.

 

والله من ورائهم محيط




- انشر الخبر -