التهاون بالمواعيد ( 2-2)


تم النشر 05 يناير 2017


عدد المشاهدات: 1479

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

في المقال السابق عن التهاون بالمواعيد تعرضنا لعدة عناصر منها:

حث الشرع على الوفاء بالوعد ، وأهمية الالتزام بالمواعيد المضروبة وعدم الإخلال بها، وأمثلة من وفاء السلف في مواعيدهم، وأسباب التهاون بالمواعيد. 
وفي هذا المقال نتعرف على أهم الآثار المترتبة على إخلاف المواعيد وعلى علاج هذه الآفة كما يلي: 

الآثار المترتبة على إخلاف المواعيد:
إن قضية الخلف بالمواعيد ليست قضية سهلة أو هينة حتى تتجاوز، بل هي مشكلة إيمانية تربوية اجتماعية ينبغي النظر في أسبابها والآثار الكبيرة التي تتركها في الأفراد والمجتمعات، فمن هذه الآثار السيئة ما يلي:
1- عدم الاعتماد على من يتخلف عن موعده وعيب صنيعه: وهذا أمر خطير إذا انتشر بين الناس أن فلاناً ليس بجادّ، ولا هو ممن يعتمد عليه، ولا ينبغي الالتزام معه بموعد مضروب، إذ نتيجة ذلك أن يعرض الناس عن هذا الشخص فلا يشارك في أمر ذي بال.
2- عدم الثقة بما يُضرب من مواعيد: وهذه مشكلة شائعة، إذ ينتشر بين الناس ألاَّ سبيل إلى الحضور في الموعد المضروب فإذا لم يكن الموعد في الثامنة فلا بأس أن يكون في التاسعة أو العاشرة.
3- تفلت الجادين من الالتزام بمواعيد العابثين: فإذا رأى الشخص الجاد أن المجموعة التي التزمت بالموعد قد اعتادت أن تتخلف عنه وألا تعيره الاهتمام اللائق، فإنه قد ينصرف عن الالتزام معهم في أي موعد يضربونه، بل قد يعتذر عن عدم حضوره واستمراره مع تلك المجموعة، فإذا انسحب الشخص الجاد وبقي الضعاف، فهل يُرجى لهذا العمل أي تقدم وإنتاج؟! وهل يُعقل أن يبقى شخص جاد مع أولئك العابثين اللاهين؟!.
4- تعطل إنجاز الأعمال: فإذا انتشر في الناس التخلف عن المواعيد أو التأخر عنها فإن ذلك يؤدي في المنظور المتوسط والبعيد إلى تعطيل إنجاز أعمال كثيرة، أو التأخر في إنجازها تأخراً يُعد أخاً للتعطيل، وينبني على ذلك عدم الوفاء بكل ما أريد تنفيذه من خطط وأهداف، وفي ذلك خسارة كبيرة للجهود وتضييع للأعمال.
5- عدم الفهم الكلي أو الجزئي لما يجري في اللقاء: وهذا يكون عندما يتأخر القادم تأخراً يؤدي به إلى أن يفقد المتابعة المؤثرة الصحيحة لما يجري بسبب تأخره وعدم فهمه للنقاش الدائر. ( راجع: كتاب ظاهرة التهاون بالمواعيد محمد الشريف بتصرف يسير. ص(78-80).
6- إلغاء أو تأجيل اجتماعات هي غاية في الأهمية، قد يترتب عليها خسارات مادية واعتبارات شخصية .. وخلل اجتماعي ... 
7- اتصاف هذا الشخص أو ذاك بأنه كذاب وأنه يخلف الوعود .. وهذه صفة من صفات المنافقين.

العلاج:
إذا كنا قد شخصنا المرض فما علينا بعده إلا أن نكتب العلاج لهذا المرض الخطير والداء العضال الذي يتفشى في أوساط المجتمعات بمختلف شرائحها وتوجهاتها حتى الملتزمين منها فالعلاج هو كالتالي:
1- التربية الإيمانية الجادة: وهذه التربية كفيلة- بإذن الله- أن تقضي على هذه الظاهرة كليّاً أو تخفف من آثارها تخفيفاً كبيراً. فالمرء عندما يتربى على التربية الإيمانية الجادة يجد دافعاً إيمانياً يدفعه للوفاء بالوعد، وللدقة في الحضور.
2-المصارحة وعدم المواربة والمجاملة والمداهنة: فإن مواجهة أولئك الذين يضيعون أوقات الآخرين، ولا يأبهون لأمر حتمٍ لازمٍ، لا تنفع معهم المواربة والمجاملة، ولا يليق فيه إلا المصارحة وعدم المداهنة.
3- تكريم وتشجيع من يلتزم الموعد تكريماً معنوياً أو مادياً مناسباً: وهذا سهل التحقق في الشباب الصغار والناشئة الأحداث حيث يقوم مربوهم والمسئولون عنهم في شتى المجالات الرياضية، والتربوية، والدينية، والعلمية بتكريمهم. وهذا يغري الآخرين ويشجعهم على الوفاء بالمواعيد، والحضور في الوقت المحدد.
4- التزام القدوات بالمواعيد المضروبة: ليس أنجع في حل هذه المشكلة ولا أعظم أثراً من أن يضرب القدوة المثل بنفسه، فيسارع في الحضور والالتزام بالموعد المضروب التزاماً يغني عن أي كلام، ويقوم مقام توجيهات شفهية كثيرة.
5-الالتزام بالبدء في الموعد وعدم انتظار المتأخر: وهذا علاج ناجح لأنه يحقق عدة أمور منها:
أ‌- شعور المتأخر بالخجل من تأخره. 
ب‌- إشعار المتأخر أن القوم ليسوا في حاجة ماسة إليه، وأنهم يمكن أن ينصرفوا إلى ما جاءوا له دون انتظار حضوره، وهذا يشعره بنقص يلازمه لا ينفك عنه إلا بحضوره في الوقت المقرر سلفاً.
ت‌- يشعر الآخرين بأهمية ما جاءوا له، وأن الموعد محترم.
6-تحديد ساعة معينة للبدء. (ظاهرة التهاون بالمواعيد محمد الشريف ص(82)وما بعدها بتصرف يسير).

حكم الإخلال بالوعد:
اختلف العلماء في حكم الوفاء بالوعد، فقد قال النووي:"قد أجمع العلماء على أن من وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهي عنه فينبغي له أن يفي بوعده، وهل ذلك واجب أو مستحب؟ فيه خلاف بينهم، فذهب الشافعي، وأبو حنيفة، والجمهور على أنه مستحب، فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة تنزيه شديدة، ولكن لا يأثم.. وذهب جماعة إلى أنه واجب"( النووي في الأذكار ). وحكى الخطابي عن الإمام أحمد القول بالوجوب، وذكر النووي أن ابن العربي ذكر قولاً ثالثاً للمالكية إلى أنه إذا ارتبط الوعد بسبب كقوله: تزوج ولك كذا، وجب الوفاء بالوعد، ونحو ذلك، وإن كان وعداً مطلقاً لم يجب. انتهى. فيتبين من هذا الكلام المتقدم أن الخلف بالوعد أقل أحواله عند الفقهاء الكراهة الشديدة، وأن القول بحرمة إخلاف الوعد ووجوب الوفاء به للمستطيع قول وجيه وله أدلته الوجيهة، فينبغي للعاقل والحالة هذه أن يفي بوعده ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وألا يعزم على الإخلاف والنكث فإنه في أقل أحوال مذهب للمروءة.
تَيَمَّمْتُ ما أرجوه من حسن وعدكم    فكنت كمن يرجو منال الفراقد( نجوم السماء)
هَبُونيَ لم أســـتأهل العُـــرفَ مـنكمُ    أما كنتمُ أهلاً لصدق المواعدِ
وأخيراً: أخي الكريم :إنك إذا وعدت صديقاً لك قال أوعد عربي أم إنكليزي، لأن الموعد العربي-حسب زعمهم- متصف دوماً بالتأخير واللامبالاة والاستهتار، بل والإخلاف بالوعد على نقيض الموعد الإنكليزي الذي يعني دوماً دقة الموعد وضبطه .. حتى صار مجالاً للمدح والإطراء ... 
إنه لمؤسف جداً أن يتسم غير المسلمين ببعض صفات الخلق الاجتماعي، كالوفاء بالوعد، والالتزام بالاتفاق، ونتسم نحن المسلمين بعدم الوفاء بالوعد، والالتزام بالاتفاق.
إن كثيراً من أبناء المسلمين نسوا أن الوقت ليس ملكهم خاصة وأن المواعيد ملك للمتعلقين بهذا الوعد ، فيترتب عليها مفسدة بل مفاسد وأضرار كما قدمناه.
وإنه لجديرٌ بنا ونحن أمة القرآن وأمة الإسلام أن نسترد عزيمتنا ونقوم سلوكنا ونربي أنفسنا ونغير منهجنا ووفق منهج الحق ، والصلاح، والاستقامة، وأن ننشئ الجيل القادم على الفضيلة والصدق والوفاء، وأن نمتثل ذلك فينا لنكون قدوة حسنة وأسوة طيبة، قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: من الآية11). 
أسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يعلي شأنهم، وأن ينصرهم على عدوه وعدوهم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.
 




- انشر الخبر -