حصاد اقتصاد قطاع غزة خلال عام 2016 د.ماهر تيسير الطباع


تم النشر 28 ديسمبر 2016


عدد المشاهدات: 1448

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


مع نهاية عام 2016 ما زال الاقتصاد في قطاع غزة يعاني من سياسة الحصار التي تفرضها "إسرائيل" على قطاع غزة  للعام العاشر على التوالي، هذا بالإضافة إلى الحروب و"الهجمات" العسكرية الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة، والتي عمقت من الأزمة الاقتصادية نتيجة للدمار الهائل التي خلفته للبنية التحتية وكافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية.

كما أن التأخر في عملية إعادة الإعمار أدى إلى تداعيات خطيرة على الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، حيث حذرت العديد من المؤسسات الدولية من تداعيات إبقاء الحصار المفروض على قطاع غزة و تأخر عملية إعادة الإعمار على كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية.

واستمرت "إسرائيل" خلال عام 2016 باتباع سياساتها وإجراءاتها العقابيىة بحق قطاع غزة، والتي تمثلت بتشديد الخناق على تنقل التجار ورجال الأعمال عبر معبر بيت حانون، وتجاوزت ذلك باعتقال العشرات من التجار ورجال الأعمال، كما أضافت "إسرائيل" العديد من السلع والبضائع إلى قوائم الممنوعات، وكل هذا يأتي في إطار سياسة "إسرائيل" بتشديد الحصار وخنق قطاع غزة.

معدلات البطالة
وشهد عام 2016 ارتفاعًا في معدلات البطالة، وبحسب مركز الإحصاء الفلسطيني فإن معدل البطالة في قطاع غزة قد بلغ 43.2% في الربع الثالث من عام 2016 وتجاوز عدد العاطلين عن العمل ما يزيد عن 218 ألف شخص، وبحسب البنك الدولي فإن معدلات البطالة في قطاع غزة تعتبر الأعلى عالميا، وارتفعت معدلات البطالة بين فئة الشباب والخريجين في قطاع غزة لتتجاوز 50%.

الفقر وانعدام الأمن الغذائي
كما ارتفعت معدلات الفقر والفقر المدقع لتجاوز 65% ، وتجاوز عدد الأشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من الأونروا والمؤسسات الإغاثية الدولية أكثر من مليون شخص بنسبة تصل إلى 60% من سكان قطاع غزة، وتجاوزت نسبة انعدام الأمن الغذائي 72% لدى الأسر في قطاع غزة. وبحسب آخر إحصائية صادرة عن مركز الإحصاء الفلسطيني للفقر في الأراضي الفلسطينية في منتصف عام 2012، أي قبل تعرض قطاع غزة لحربي 2012 و 2014 ، فإن  38.8% من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر الوطنى في فلسطين والذي يبلغ 2293 شيكلا، و21.1% يعيشون تحت خط الفقر المدقع والذي يبلغ 1832 شيكلا.

عملية إعادة الإعمار
بعد مرور أكثر من عامين على انتهاء عدوان صيف 2014 ، فإن عملية إعادة الإعمار تسير ببطء شديد بسبب إدخال مواد البناء وفق آلية إعمار غزة  GRM التي ثبت فشلها بالتطبيق على أرض الواقع حيث إن إجمالى كميات الإسمنت الواردة عبر معبر كرم أبو سالم للقطاع الخاص لإعادة الإعمار قد بلغت حوالى 1,160,776 مليون طن خلال الفترة السابقة، وهذة الكمية تعتبر دليلا قاطعا على البطء الشديد في عملية إعادة الإعمار وفشل الآلية الدولية لإدخال مواد البناء GRM ، كما أن هذة الكمية لا تمثل سوى 33% من احتياج قطاع غزة من الأسمنت، حيث يحتاج قطاع غزة إلى ما يزيد عن 3 مليون طن خلال الفترة السابقة في الوضع الطبيعي.

وانعكس ذلك بشكل واضح على بطء شديد في عملية الإعمار، وعلى سبيل المثال ما تم إنجازه في الوحدات السكنية المدمرة كليا: إعادة بناء 2167 وحدة سكنية من جديد من أصل 11000 وحدة سكنية دمرت كليا، وهي تمثل فقط 19.7% فقط من كافة الوحدات التي تم تدميرها بشكل كلي، وبلغ عدد الوحدات السكنية التي في مرحلة البناء 3002 ، والوحدات السكنية التي يتوفر لها تمويل لإعادة إعمارها 1839 ، والوحدات السكنية التي لا يتوفر لها تمويل لإعادة إعمارها 3992.

أما على صعيد القطاع الاقتصادي فهو مغيب كليا عن عملية إعادة الإعمار؛ حيث بلغ عدد المنشآت الاقتصادية التى تم استهدافها في كافة القطاعات (التجارية والصناعية والخدماتية ) 5153 منشأه اقتصادية، وبلغ حجم ضررها مايزيد عن 152 مليون دولار، وذلك وفقا لتقديرات الفريق الوطنى للإعمار، وقدرت تكاليف إنعاشها وإعادة إعمارها بحسب ما تم رصده في الخطة الوطنية للإنعاش المبكر وإعادة الاعمار بحوالي 566 مليون دولار، لكن للأسف الشديد حتى يومنا هذا فإن المبالغ التي تم تخصيصها لإعادة إعمار القطاع الإقتصادي تقدر بحوالي 25 مليون دولار فقط من خلال المنحة القطرية والكويتية، وهي لاتتجاوز 16.5% من إجمالى أضرار القطاع الاقتصادي، وتم رصد معظم تلك المبالغ لإعادة إعمار وتعويض 3200 منشأه من المنشآت الصغيرة التي تضررت بشكل جزئي بسيط.
 
معبر كرم أبو سالم – الواردات و الصادرات
لم يشهد عام 2016 أي تغير في واقع المعابر، فكافة معابر قطاع غزة التجارية مغلقة باستثناء معبر كرم أبو سالم وهو الوحيد الذي يعمل حتى اللحظة وفق الآلية السابقة لما قبل الحرب على قطاع غزة، فلم يتغير أي شيء على آلية عمل المعبر من حيث ساعات العمل، عدد الشاحنات الواردة، نوع وكمية البضائع الواردة، والزيادة التي حدثت في عدد الشاحنات الواردة نابعة من زيادة عدد الشاحنات الواردة للمساعدات ودخول مواد البناء للمشاريع الدولية والمشاريع القطرية العاملة في قطاع غزة وكميات مقننة من مواد البناء للقطاع الخاص لإعادة إعمار قطاع غزة.

وما زالت "إسرائيل" تمنع دخول العديد من السلع والبضائع والمواد الخام والمعدات والآليات والماكينات وعلى رأسها مواد البناء والتي تدخل فقط وبكميات مقننة وفق آلية إعمار غزة لإدخال مواد البناء (الاسمنت – الحصمة – الحديد – البوسكورس).

ومن خلال رصد حركة الشاحنات الواردة عبر معبر كرم أبو سالم وأيام الإغلاق خلال عام 2016، فقد بلغ عدد أيام إغلاق معبر كرم أبو سالم 132 يومًا خلال عام 2016  وهو ما يمثل 36% من عدد أيام العام.

وبلغ عدد الشاحنات الواردة إلى قطاع غزة 107479 شاحنة خلال عام 2016، مقارنة مع 93123 شاحنة واردة إلى قطاع خلال عام 2015 من مختلف الأصناف المسموح دخولها إلى قطاع غزة، وبلغت نسبة الارتفاع في عدد الشاحنات الواردة 13.5% خلال عام 2016، وبلغ متوسط عدد الشاحنات اليومية الواردة إلى قطاع غزة 294 شاحنة خلال عام 2016.

وعلى صعيد خروج البضائع من قطاع غزة، فقد بلغ عدد الشاحنات الصادرة 2129 شاحنة إلى أسواق الضفة الغربية والأسواق الإسرائيلية والخارج، وهذا يمثل 42% من عدد الشاحنات الصادرة من قطاع غزة قبل فرض الحصار.
 
التوقعات الاقتصادية للعام القادم 2017
السيناريو المتشائم
يستند هذا السيناريو إلى فرضية أن الوضع السياسي والاقتصادي سيشهد مزيدا من التدهور خلال عام 2017 وهو المتوقع والمرشح للحدوث في ظل المؤشرات الحالية الداخلية والخارجية، فعلى الصعيد الداخلى ما زالت حالة الانقسام الفلسطيني مسيطرة على أرض الواقع ولا يوجد مصالحة حقيقة، حتى على صعيد حكومة الوفاق الوطنى لم يشعر المواطن في قطاع غزة بأي تغيرات جوهرية، وما زال المواطن يعاني ويدفع ثمن عدم الوفاق و استمرار الحصار.

أما على الصعيد الخارجي لا يوجد أي حلول تلوح بالأفق؛ فالمفاوضات مع "إسرائيل" متوقفة ومتعثرة والأوضاع قابلة للاشتعال مرة أخرى وفي أي لحظة في ظل التعنت الإسرائيلي، حتى على الصعيد الإقليمي فالأوضاع غير مستقرة.

كما أن استمرار وبقاء الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عشر سنوات، والتباطؤ في عملية إعادة الإعمار سوف يؤديان إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية لقطاع غزة، وسوف تزداد الأوضاع الاقتصادية سوءا في عام 2017، ويؤدي ذلك إلى مزيد من الارتفاع في معدلات البطالة والفقر وانخفاض في معدلات النمو الاقتصادي يؤدي إلى انخفاض قيمة الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض إجمالي الاستهلاك وإجمالي الاستثمارات الخاصة و العامة.
 
السيناريو المتفائل
يستند هذا السيناريو إلى افتراض تحسن الوضع الاقتصادي والسياسي في فلسطين وإلى تطبيق المصالحة الفلسطينية على أرض الواقع وإنهاء آثار الانقسام الفلسطيني، وتفعيل دور حكومة الوفاق الوطني في قطاع غزة، وإنهاء الحصار وفتح كافة المعابر التجارية، وإدخال كافة احتياجات غزة من السلع والبضائع والآليات والمعدات دون قيود أو شروط أو رقابة وعلى رأسها مواد البناء، والسماح بتسويق وتصدير منتجات قطاع غزة الصناعية والزراعية لأسواق الضفة الغربية والعالم الخارجي دون قيود أو شروط، والبدء بعملية إعادة إعمار حقيقية لقطاع غزة سوف توفر فرص العمل لعشرات الآلاف من العمال العاطلين عن العمل، وحل الأزمات التي يعاني منها قطاع غزة ومن أبرزها: استمرار انقطاع الكهرباء، وشح المياه.

كل هذا سوف يساهم في تحسن الأوضاع الاقتصادية وانخفاض معدلات البطالة والفقر وزيادة في النمو الاقتصادي تنعكس بالإيجاب على الناتج المحلى الإجمالي وعلى نصيب الفرد، وانتهاء حالة الركود الاقتصادي التى يمر بها قطاع غزة.

وفي النهاية فإن كافة المؤشرات السابقة تؤكد بأن قطاع غزة حاليا دخل في مرحلة الانهيار الاقتصادي، وأصبح نموذجا لأكبر سجن بالعالم؛ بلا إعمار، بلا معابر، بلا ماء، بلا كهرباء، بلا عمل، بلا دواء، بلا حياة، بلا تنمية، ويجب أن يعلم الجميع بأن الخناق يضيق بقطاع غزة والانفجار قادم لا محالة، وأصبح  المطلوب من المؤسسات والمنظمات الدولية الضغط الفعلى على "إسرائيل" لإنهاء حصارها الظالم لقطاع غزة وفتح كافة المعابر التجارية وإدخال كافة احتياجات قطاع غزة من السلع والبضائع وعلى رأسها مواد البناء دون قيود وشروط.  
 
* مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة تجارة وصناعة محافظة غزة




- انشر الخبر -