بين القنوت والقنوط الشيخ محمد سليمان الفرا


تم النشر 20 نوفمبر 2016


عدد المشاهدات: 2118

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


بين القنوت والقنوط
الشيخ محمد سليمان الفرا
مع بدء موسم الشتاء في كلِّ عام تسمعُ عدداً من الناس يدعو ربه راجياً نزول الغيث بقوله: ( اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانتين ) [ بحرف التاء ]، كما أن عدداً من المصلين يسأل: ( يا شيخ ما حكم دعاء القنوط ) [ بحرف الطاء ]، وكلاهما خطأٌ بيِّنٌ في اللغة العربية، ولذلك وجب التنبيه إلى الفرق بين الكلمتين؛ ذلك أن الاختلاف بينهما في المبنى يقود إلى اختلافٍ كبيرٍ في المعنى، والفرق بينهما على النحو التالي:
أولاً: معنى القنوت:
( القنوتُ ) مصدرٌ من الفعل الثلاثي اللازم ( قنتَ )، وتأتي في اللغة على عدّةٍ معانٍ، منها الدُّعَاء وَالْقِيَام، والخشوع وَالصَّلَاة، والخضوع وَالسُّكُوت، وَإِقَامَة الطَّاعَة.
ومن ذلك حديث أنسٍ رضي الله عنه ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَلْعَنُ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) متفق عليه، والمعنى يدعو عليهم في صلاته.
وحديث جابرٍ رضي الله عنه مرفوعاً ( أَفْضَل الصَّلَاة طُول الْقُنُوت ) أخرجه مسلمٌ، والمعنى: طول القيام على ما ذكره النووي، أو طول الدعاء على ما رجَّحه غيرهُ.
وقد ورد ذكر القنوت في القرآن الكريم في عدة مواضع كلُّها تدور على المعاني السابقة، منها قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} آل عمران، 43، أي: أطيعي ربكِ، أو داومي على طاعة ربِّكِ، وكذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًاالأحزاب، 31.
وقوله جلَّ وعلا: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} البقرة، 116، والمعنى: خاضعون له, مسخَّرون تحت تدبيره، وقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} البقرة: 238، أي خاشعين أو ساكتين لا تتكلموا في صلاتكم.
وعليه فكل المعاني التي تكور عليها كلمة ( القنوت ) هي معاني خيرٍ مطلوبةٌ منا بنص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
ثانياً: معنى القنوط:
أما ( القنوط ) فيدور معناه في اللغة على اليأس، أو شدةِ اليأس، وانقطاع الأمل عن الخروج من الحالة التي يكون الانسان عليها، ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ) متفقٌ عليه، والمعنى ما يئس الكافر رحمة الله تعالى فأقبل عليه تائباً لينال الجنة.
وقد جاء في قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر، 53، معناها: يا محمد قل للعصاة من عبادي الذين تمادَوا في الذنوب, وأسرفوا على أنفسهم باقتراف كلِّ ما دعتهم إليه شهواتهم: لا تَيْئسوا من رحمة الله؛ فإن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت, إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده, الرحيم بهم الذي يرحم ضعفهم واستكانتهم.
وكذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} الشورى، 28، أي من بعد ما اشتدَّ يأسهم من نزوله.
وبهذا يتبين أن الكلمتين يكاد يكون بينهما تضادٌّ في المعنى، فالقنوت يحمل معنى الرجاء، والقنوط دائرٌ معناه على الياس او أشدِّ اليأس.
والله تعالى أعلم



- انشر الخبر -