"إسرائيل" ما بعد قرار اليونسكو.. إعادة صياغة لإرهاب الدولة


تم النشر 12 نوفمبر 2016


عدد المشاهدات: 1423

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


فيما اعتبر الكثيرون قرارات اليونسكو الأخيرة بشأن المسجد الأقصى والبلدة القديمة قرارات لا سابق لها، ووصفوها بـ"القرارات التاريخية"، اعتبرها آخرون زوبعة في فنجان، أو من السابق لأوانه اعتبار أن "إسرائيل" قد خسرت المعركة في اليونسكو. حيث سبقها عشرات القرارات الأممية التي لم تغير ساكناً. بينما ذهب آخرون إلى أقصى اليمين فاعتبروا أن اليونسكو قد جرّ إلى إصدار هذه القرارات، وأن وراءها مخططا سياسيا مبرمجا ومتفقا عليه بهدف ترسيخ واقع تهويدي جديد.

لكن يعنينا هنا تسليط الضوء على الموقف الفلسطيني الذي اعتبر قرارات اليونسكو إيجابية، فالفلسطينيون بالإجماع رحبوا بالقرارات، واعتبروها خطوة صحيحة أعادت العدالة إلى نصابها. والفلسطينيون يرون في قرارات اليونسكو تفنيداً للادعاءات الاسرائيلية الكاذبة والرواية التلمودية المفتراة بشأن المسجد الأقصى المبارك وساحة البراق، وأنه ليس لإسرائيل (وهي القوة المحتلة) أو للمستوطنين اليهود، أي حق في المسجد الأقصى، وأن أي دخول للإسرائيليين للمسجد الأقصى هو تعدٍّ على المواثيق والقوانين الدولية. ويعتبرون في القرارات جرعة إضافية للمقدسيين والفلسطينيين في مواجهة الاحتلال وتعزيز الدفاع عن القدس عامة، وعن المسجد الأقصى المبارك على وجه الخصوص.

كما يرى الفلسطينيون أن هذه القرارات تؤكد للجهات الراعية للمقدسات، فلسطينية كانت أو أردنية، أن استخدامها لحقها في الدفاع عن المقدسات أمر طبيعي ولا يجوز تأخيره، كما يؤكد للفلسطينيين تحديداً، أن العمل الدبلوماسي الصحيح ليس بالاكتفاء برفع التقارير التقليدية للجهات الأممية، وإنما من خلال المطالبة باسترجاع الحقوق وفرض العقوبات على المحتل. إضافة إلى أن هذه القرارات تفتح مجالاً جديداً أمام المدافعين عن الحقوق الفلسطينية، من أنصار حركات المقاطعة لإسرائيل، ليطالبوا بفرض المزيد من المقاطعة والعقوبات على الكيان، وكذلك سحب الاستثمارات منه؛ وذلك على قاعدة أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن تكاتف الجهود من الأطراف العربية والإسلامية كافة، ووقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة سيحدث مزيداً من الحراك الدولي الإيجابي لصالح القضية الفلسطينية وشعبها المظلوم.

كما تضمن القرار الأخير لليونسكو الصادر يوم الأربعاء 26/10/2016 تحت عنوان "البلدة القديمة في القدس وأسوارها "، وذلك حسب رأي مديرية الأوقاف في مدينة القدس، عدداً من البنود المهمة، ومنها التأكيد على عدم شرعية أي تغيير أحدثه الاحتلال في بلدة القدس القديمة ومحيطها، ومطالبة سلطات الاحتلال بالوقف الفوري لجميع أعمال الحفريات التي تنفذها مجموعات المستوطنين، وإدانة اقتحامات المتطرفين اليهود وقوات الاحتلال المستمرة للمسجد الأقصى، وحث سلطات الاحتلال لمنع جميع الإهانات والانتهاكات لقداسة الـمسجد الأقصى، ومطالبتها بتسهيل تنفيذ مشاريع إعمار الـمسجد الأقصى، وبإزالة القطار الخفيف من جوار أسوار القدس القديمة، وبوقف جميع مشاريع التهويد في محيط المسجد والمصاعد الكهربائية والتلفريك الهوائي وإزالة آثار الدمار الناجم عن هذه الـمشاريع، وبإعادة الآثار الـمنهوبة وتزويد مركز التراث العالـمي في اليونسكو بتوثيق واضح لـما تمت إزالته من آثار، إضافة إلى أربعة بنود أخرى.

إعادة صياغة الإرهاب المنظم


لكن لا يستبعد أن السّاسة الإسرائيليين تركوا قرارات اليونسكو تأخذ مجراها دون جهد حقيقي في منعها، وذلك بقصد إعادة صياغة ردة الفعل الاسرائيلية على المؤسسات الأممية وإرهابها. فالإسرائيليون يتقنون هذا الفن ويسابقون إليه. وبمعنى آخر إعادة صياغة إرهاب الدولة المنظم، في بيئة إقليمية مشتعلة قد تصل نيرانها لأطراف "إسرائيل" بشكل أو بآخر.

فقد عاجلت سياسة الاحتلال بالتشكيك في "نزاهة وحيادية" المؤسسة العالمية، واتهمتها بالهلوسة واللاسامية، وأعلنت قطع جميع أشكال التعاون مع منظمة اليونسكو. تلا ذلك تهديد نتنياهو وإعلانه عن نيته المشاركة بنفسه في الحفريات أسفل المسجد الأقصى. ثم تبع ذلك فعاليات يهودية متعددة؛ حيث تم الإعلان عن افتتاح مقهى لجنود الاحتلال لتقديم الخدمات الترويحية للجنود مجاناً في البلدة القديمة، وتمّ استئناف الاعتداء على قبور أموات المسلمين في مقبرة باب الرحمة فجرفت ستة قبور، وحطمت شواهد قبور أخرى، كذلك أعلنت المؤسسة الإسرائيلية عن خطة لربط القدس بمستوطنة تل أبيب بالقطار الخفيف عبر نفق يلتف حول أسوار البلدة القديمة وساحة حائط البراق، ثم استئناف السماح لأعضاء الكنيست الصهاينة باقتحام المسجد الأقصى عبر قرار جديد يجرى إقراره.

وكان إرهاب الدولة المنظم قد طال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون راضياً غير مكره، والمعروف بتشجيعه لسياسة الاحتلال في تنكرها للقرارات الأممية، إذ شجب بان كي مون قرار اليونسكو وندّد به، فكانت تفوهاته كفيلة بتشجيع نتنياهو والسّاسة الإسرائيليين للإعلان عن مزيد من الإجراءات العنيفة والصّادمة. كذلك تابعت مديرة اليونسكو "إيرينا بوكوفا" نهج بان كي مون بالعمل لصالح "إسرائيل"؛ حيث صرحت أنها تؤمن "بعلاقة الشعب اليهودي التاريخية بأرض إسرائيل، والتي تمتد لأكثر من 3500 سنة"، وتعهدت فيها بالعمل على تغيير القرار و"منع تزوير التاريخ"، والعمل كذلك على منع فعاليات وقرارات "ضد السامية وضد إسرائيل"، كما قالت "سأعمل ضد كل من يسعون للعمل ضد وجود دولة إسرائيل". ولم يتأخر بابا الفاتيكان أن يزعم أن الله وعد شعب "إسرائيل" بالأرض المقدسة. وكان رئيس الـ"كنيست" الإسرائيلي يولي إدلشتاين، قد ناشد الفاتيكان بالتدخل في رسالة بعث بها إلى أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين حيث جاء فيها: "إن القرار الخاص بالقدس الذي تبناه مؤخرا المجلس التنفيذي لليونسكو، يعتبر اعتداء على التاريخ وإهانة عميقة لكلتا الديانتين المسيحية واليهودية"، وأنه "باسم أرض وشعب الإنجيل، نحث حاضرة الفاتيكان على استخدام أفضل مساعيها لمنع تكرار حدوث مثل هذه التطورات".

ما سبق من السياسات الإسرائيلية وغيرها ممّا هو قادم، سيكون منعطفاً في فعاليات التهديد الحقيقي للمسجد الأقصى المبارك، وستشكل غطاءً مكتمل الأركان للحركات اليهودية المتطرفة نحو مضاعفة نشاطاتها الإرهابية تجاه المسجد الأقصى وتجاه المقدسيين عامة، وذلك في ظل منظومة حكومية هي الأشد تطرفاً منذ نشأتها سياسياً وعسكرياً وقضائياً وتشريعياً. ومن ضمن هذه الفعاليات الإعلان عن نية الأجهزة الإسرائيلية تخفيض صوت الأذان المنبعث من العديد من المساجد التي استوطنت بجانبها بؤر يهودية، وأخيراً وليس آخراً ما حصل يوم الاثنين ٧/١١/٢٠١٦، إذ عقدت جلسة في مقر "الكنيست" بهدف تعزيز الوجود الإسرائيلي اليهودي في المسجد الأقصى، والدعوة لتغيير الترتيبات القائمة مع الأردن فيما يخص إدارة المسجد، أو ما يسمى "الستاتوس كفو".

وقد جاء موقف المحكمة العليا الإسرائيلية مؤخراً ليحذر مما زعمناه من انعطافة في تهديد المسجد الأقصى، حيث وصفت المحكمة نشاطات إحدى الحركات اليهودية المتطرفة وتسمّى "عائدون إلى الجبل"، بأنها "لعبٌ بالنار"، و"من شأنها أن تشعل حريقاً هائلاً في المنطقة تسفك فيها دماء غزيرة".

* وزير القدس الأسبق

 جميع الحقوق محفوظة - المركز الفلسطيني للإعلام




- انشر الخبر -