حقوق المرأة بين الشريعة الإسلامية والاتفاقيات الدولية.


تم النشر 19 مارس 2016


عدد المشاهدات: 1617


كنت قد بينت للقراء الكرام في الحلقة الماضية أهم التحفظات على اتفاقية مناهضة جميع أشكال العنف ضد المرأة (سيداو) ؛ التي التزمت كثير من الدول بها بصور مختلفة كإصدار التشريعات التي تضمن تطبيق نصوصها ، وقد وقعت دولة فلسطين على هذه الاتفاقية قبل أقل من عامين وغيرها من المعاهدات والاتفاقيات الدولية .
وقد سبق أن تم إصدار وإقرار وثيقة حقوق المرأة الفلسطينية قبل ذلك ، وتأتي أهمية هذه الوثيقة في كونها تؤسس للثقافة الأسرية والاجتماعية ، ولتصويب بعض المفاهيم الخاطئة السائدة في المجتمع تجاه المرأة ، وللإسهام في تعريف المرأة بحقوقها ودورها الحقيقي ، وفي تمكينها لتأخذ وضعها المناسب في المجتمع والحياة الأسرية ، ولكن لا بد من توضيح المسائل التالية بشأنها :
أ- نرى أن معظم الحقوق الواردة في هذه الوثيقة راسخة في ديننا نصاً وفقهاً ، ومكفولة في معظم التشريعات النافذة في فلسطين منذ عدة عقود ، لكن لا بأس بتعزيزها في حياة مجتمعنا الفلسطيني ، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر مبدأ المساواة الذي سبق القرآن الكريم في إقراره التشريعات التي أقرها المجتمع الدولي المعاصر ، قال تعالى { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } البقرة 228 ، وقال صلى الله عليه وسلم { إن النساء شقائق الرجال } رواه الترمذي . 
ب- لكننا نتحفظ على عدد من بنود هذه الوثيقة لسبب عام هو مخالفتها لثوابت الشريعة الإسلامية ونصوصها القطعية في الثبوت وفي الدلالة ، ولتعارضها مع نصوص القانون الأساسي الفلسطيني كالمادة الرابعة التي تنص على أن [ مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع ] والمادة الأولى بعد المائة والتي تنص على أن [ المسائل الشرعية والأحوال الشخصية تتولاها المحاكم الشرعية والدينية وفقاً للقانون ] .
ومن أبرز البنود التي نرى ضرورة التعقيب عليها ما يلي :
أولاً : في الحقوق الجنائية
* الفقرة الثانية : تنص على [ إلغاء كافة أحكام قوانين العقوبات ... على نحو يحقق مساواة المرأة بالرجل في تنظيم هذه التشريعات ] ، نعم نرى في مجتمعنا اليوم مخالفات شرعية عميقة في هذا المجال ؛ فمثلاً تُقتل المتهمة بالزنا بكراً كانت أو ثيباً ؛ مكرهة كانت أو راضية ؛ بل يحدث ذلك قبل التأكد من ثبوت الجريمة عليها ، وفي الوقت ذاته يكرم قاتلها في مخالفة علنية صريحة لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ؛ وجهلاً بالدين وأحكام الشرع وافتياتاً عليه .
فالقتل بدعوى حماية الشرف هو من موروثات الجاهلية الأولى ! لكنه يحظى بحماية القانون المقتبس من القانون الغربي والفكر الغريب عنا ؛ والذي يمنح الزوج حق الانتقام أو الغفران لشرفه المُهان ، قال تعالى { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ " النور 6-9 ، فقد شرع الله تعالى الملاعنة للزوج ولم يشرع له القتل .
* الفقرتان الخامسة والسادسة : وتتضمنان [ تجريم مواقعة الزوج لزوجته رغماً عنها باعتباره شكلاً من أشكال العنف الأسري الواقع عليها ] ، يعتبر الإسلام الاستمتاع حقاً مشتركاً لكلا الزوجين لا للرجل وحده ، لذا لا يجوز لأحدهما حرمان الآخر إياه متى طلبه إلا بمبرر شرعي مقبول ومعتبر ، فقد اعتبر القرآن الكريم الإيلاء – وهو حلف الرجل على ترك معاشرة زوجته - ذنباً يفتقر إلى التوبة والغفران بالكفّارة ، فإن لم يكفّر عن يمينه فعليه أن يطلقها ، واعتبر الظهار– وهو أن يقول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي– تعدياً لحدود الله وذنباً عظيماً يستحق الكفّارة ، وفي ذات الوقت اعتبرت السنة النبوية الزوجة المجافية لزوجها الراغبة عنه دون عذر مستحقة غضب الله تعالى ، روى تميم الداري رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم { حق الزوج على الزوجة أن لا تهجر فراشه ، وأن تبر قسمه ، وأن تطيع أمره ، وأن لا تخرج إلا بإذنه ، وأن لا تدخل عليه من يكره } رواه الطبراني .
ولكن لا يَلِيقُ بأحدهما استيفاء حقه بما يتنافى مع آدمية الآخر وكرامته الإنسانية ، فإن وقع ذلك من أحدهما فإن حل هذه المشكلة التي تستحيل بسببها الحياة الزوجية يكون أمام المحاكم الشرعية في وقائع دعاوى التفريق المرفوعة من أحد الزوجين ؛ كدعوى التفريق للنزاع والشقاق أو دعوى التفريق للضرر وتطبيق نصوص قانون الأحوال الشخصية فيها .
* الفقرة الثامنة : وتنص على أن [ السلطة الفلسطينية تلتزم بمقاومة ... والمعتقدات الدينية التي تبيح العنف ضد المرأة ] ، المعتقدات الدينية تمنع العنف ضد المرأة وتحرمه وتجرمه وتعاقب عليه ، فإذا وقع فهو ناتج عن موروث ثقافي لا علاقة له بالمعتقدات الدينية الصحيحة ، وناتج عن سوء تطبيق المجتمع للتعاليم والأحكام والتشريعات الدينية ، وهنا لا بد من تكثيف الجهود لنشر الثقافة الدينية ومفاهيمها الصحيحة من مصدرها النقي .
ثانياً : الأهلية المدنية والأحوال الشخصية
* الفقرة الأولى : وتنص على أن [ للمرأة حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين، وهي متساوية مع الرجل في كافة الحقوق عند الزواج وخلال قيامه ولدى انحلاله ] .
أ- الجزء الأول من النص يتعارض مع الآيات القرآنية الكريمة التي لا تجيز تزوج المرأة المسلمة الرجل غير المسلم ، قال تعالى { َإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } الممتحنة 10 ، وهذا الزواج إذا تم وقع باطلاً ولا يترتب عليه أي أثر شرعي أو قانوني لمخالفته النصوص القطعية .
ب- الجزء الثاني من النص يقرر تساوي المرأة مع الرجل في كافة الحقوق عند الزواج وخلال قيامه ولدى انحلاله ، وهذا التساوي يحمّل المرأة أعباء إضافية فوق ما تتحمله من مسؤوليات ، ويمثل نقضاً لمبدأ القوامة التي كلف بها الزوج في قوله تعالى { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } النساء 34 ، فالقوامة حق للزوجة وليس العكس كما هو سائد من مفاهيم خاطئة وبالأخص لدى الرجال ، فإذا قصر الزوج فيها فهو مبرر كاف لها لتطلب إلى القاضي التفريق بينها وبين زوجها مع احتفاظها بكامل حقوقها المترتبة على الطلاق .
* الفقرتين الخامسة والسادسة : وتتضمنان أنه [ يجوز للقاضي استثناء السماح للرجل بالزواج من ثانية شريطة إبداء أسباب ضرورية وملحة ] ، لم يفرض الدين الإسلامي الحنيف تعدد الزوجات ولم يوجبه ولم يمنعه ؛ بل أباحه بشروط وقيود ، قال تعالى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا } النساء 3 ، فقد ترك القرار والخيار فيه لكل إنسان لوحده ما دام ملتزماً بالقيود والشروط فيه ومادام يفي بمسؤولياته فيه .
إن أحداً لا ينكر ما للتعدد من آثار نفسية واجتماعية ومادية على الأسرة وعلى المرأة بوجه خاص ، ولا يعود ذلك إلى التشريع ؛ بل إلى سوء التطبيق ، ففي هذه الحالة للزوجة أن تلجأ إلى القاضي الشرعي لطلب التفريق بسبب الضرر الذي يصيبها نتيجة المساس بحقوقها . كما أن للمرأة ابتداء أن تشترط على الزوج في وثيقة العقد ألاَّ يتزوج عليها فإن تزوج فلها طلب الفسخ ، ولها أيضاً اشتراط امتلاك العصمة ؛ بحيث يمكنها تطليق نفسها منه لو تزوج عليها ، ولكن لا يكون الحل بمنعه ، بل بتصويب المفاهيم والسلوكيات .
* الفقرة الثامنة : نرى أن صياغة الفقرة غير موفقة ، ونقترح أن تكون على النحو التالي [ يعمل المشرع الفلسطيني على عدم حرمان المرأة حقها في النفقة عند رفضها الانضمام إلى الولي ] ؛ إذ إن نفقة البنت التي لا تملك المال تظل واجبة على وليها ولا تسقط لأي سبب .
* الفقرة التاسعة : وتنص على أن [ للمرأة حق المساواة في التوريث ] وهذا النص مخالف تماماً للنصوص القرآنية التي فرضت أنصبة الورثة في تركة المتوفى وحددتها ، ومنعت تجاوز هذه الفرائض أو مخالفتها ، فقد قال تعالى عقب الآيات التي نصت على الفروض وأصحابها { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } النساء 13-14 ، فالمواريث من المسائل التي تضيق فيها دائرة الاجتهاد ؛ فضلاً عن التغيير أو التعديل .
صحيح ان المشاهد في واقع معظم المجتمعات العربية والإسلامية حرمان المرأة حقها الإرثي أو التحايل عليها في تقديره أو إرغامها على التنازل عنه ، إلا ان الحل يكمن في توجيه المرأة إلى المطالبة بحقها في تركة مورثها والتصرف فيه تماماً كما يفعل الرجل لا فرق بينهما في ذلك .
* الفقرة العاشرة : وتنص على أنه [ يحق للمرأة اختيار محل إقامتها ومسكنها الدائم ] نعم يحق للزوجة إن أرادت أن تشترط ابتداء في وثيقة العقد أن تقيم في المكان الذي تختاره ، فإن وافق الزوج على ذلك فلا مشكلة ، أما ما نص عليه الشرع فالواجب في سكنى الزوجة أنها في بيت الزوجية وهو حقها ؛ ثبت ذلك بقوله تعالى { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ } الطلاق 6 ، وكذلك سكنى الزوج في بيت الزوجية ، وليس من المنطق أن يقيم أحدهما في بيت آخر لأنه يضيع معنى الزوجية القائمة على المساكنة والمعنى الحقيقي للأسرة ، ولو اختار كل منهما مكان السكن بإرادته المنفردة فسينشأ التعارض ؛ وفي هذه الحالة سينشأ نزاع بينهما على الحق الأولى بالاعتبار !
* الفقرة الحادية عشرة : وتنص على أن [ المرأة تتساوى مع الرجل في الولاية على الأطفال ] الولاية حق للطفل وواجب يتحمله الولي ويحاسب على التقصير فيه من قبل القاضي الشرعي ، ومن أبرز مسؤوليات الولاية النفقة بكافة عناصرها ، ولو تحملت الأم هذا الواجب فستكون تحت طائلة المساءلة القانونية لو قصرت فيها ، فيكفيها ما تتحمل من مسؤوليات عظيمة أخرى تجاه أولادها صغاراً وكباراً .
ومن الملاحظ أن تناول مسألة حقوق المرأة يتم باعتبار المرأة في معسكر معارض ومخاصم بل مضاد للمعسكر الذي يقف فيه الرجل ، وهذا أمر خطير للغاية يعرض الأسرة والمجتمع بكامله للخطر ، ويعرض نسيجه للتفكك ، فالصحيح أن المرأة والرجل كلاهما يشكلان الأسرة ، ويشكلان المجتمع ، ويكمل كل منهما دور الآخر في الأسرة والمجتمع ، وهذا هو عنصر القوة في المجتمع الذي قرر ديننا الحنيف أسس بنائه ودعائم استمراره .




- انشر الخبر -