على ضفة الوجع بقلم أ. محمد عبد الحميد الأسطل


تم النشر 17 ديسمبر 2020


عدد المشاهدات: 1128

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


عندما أجلس مع بعض الأخوة من المحاربين القدامى، ونشاهد تقاطيع العجز وهي تُحفر اخاديد على وجناتهم، وتشاهد البؤس ينغمس في اعماقهم، بحيث يرسم معالم الوجع والخيبة بين نياط قلوبهم، وتبدأ كلماتهم المتهجدة تعتلجع بين شفاههم، لتختلط ببقايا دموعهم المتحجرة التي اقستها كرامتهم، وبقايا الكبرياء على جباههم العزيزة، تنقلك مباشرة إلى ذلك التاريخ المجيد الذي عاشتها أمتنا وشعبنا وهو يذود عن أول وآخر القلاع، حيث انكمش الشجعان خلف مترايسهم الموهومة، وما تبقى غير بعض الرجال الذين اطلقوا عليهم المتهورين، حيث انقادوا إلى ضمائرهم وإلى حقوق شعبهم، فذادوا بصدورهم العجفاء عن التراب المتآكل، وعيونهم تتقلب في محاجرهم لتذبل في قلوبهم تلك المعاني التي حفظوها في طفولتهم، وتنقشع غيمة السراب، وتبدأ الحقيقة تحط عليهم كصخرة بلال ولا أحد..
لعلك تجعل الشك او حتى الأكاذيب حكما مسبقا لما يقولون، فتبدأ تستمع إليهم وعن تاريخهم الغارق في قدم الأجيال وكأنك تستمع إلى أساطير اسبرطة وقرطاجة وحنابعل، وتتساءل بشيء من الضبابية المؤلمة، أيعقل ما يقولون؟؟ هل فعلوا كل ذلك، والآن هم بقايا عظام على قارعة الطريق، وهمهمات الفقر والفاقة تثب على اكتافهم الهزيلة، وسط تنكر من أصحاب القرار.
حشرجات صوت الكبار عندما يختلط الألم بطعم المذلة، وتجرف حالة التنكر لهم بمعاولها الثقيلة بقايا أحلامهم المتكسرة، وينطوي الدثار على بقايا أجسادهم التي ارهقتها سنين المرارة، ويظل الأمل المكذوب يطرق رؤوسهم المنكسة من فعل الأيام البالية، تجعلك تسأل نفسك بشيء من اليقظة الحالمة، على الحقيقة الطاغية:
إن كان اليوم يتم التنكر لبعضنا البعض ونحن نعيش حالة واحدة، وعشنا معا ألما واحدا، فلا غرابة بنسيان هؤلاء البؤساء الذين اضطروا أن يكونوا في وقت مختلف، بعدما حكم عليهم البقاء بذلك..
لكن صوتا آخر يقول:
إن الشعوب التي لا تحمي كبارها ولا تعوضهم عن سنين الحرمان وخصوصا أولئك الذين طبعوا أجسادهم على ترابها عبر سنين الانتفاض الأولى، حريٌ بهذه الشعوب أن تفقد كرامتها؛ لأنها اهدرتها عن ما تناست هؤلاء المجهولين..



- انشر الخبر -