أهالي المواصي بين مطرقة السياسة وسندان القانون د. سامي الأسطل


تم النشر 02 يوليو 2020


عدد المشاهدات: 1359

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


أهالي المواصي بين مطرقة السياسة وسندان القانون
سامي محمد الأسطل
تتلخص التحديات التي تواجه اهالي المواصي على شاطئ بحر محافظتي خان يونس ورفح في ثلاث مشكلات أساسية؛ شكلت الحالة الشائكة التي يعاني ويلاتها أهالي المواصي, التي تتواجه دائما بالتنازع في حق الملكية بين أي سلطة أو حكومة من جهة وأهالي المواصي من جهة أخرى, سواء كانت على ملكية البيوت أو الأراض الزراعية؛ وتتمثل هذه المشكلات في الجوانب الآتية: السياسية, القانونية والملكية:
كانت البدايات الأولى لإحياء أراضي المواصي التي كانت تنطبق عليها أحكام الأرض الموات وفق سياسات هامة انتهجتها الخلافة العثمانية قديما, حيث بدأت الدولة العثمانية ترسي قواعد جديدة للعلاقة مع أهل فلسطين بعد تولي السلطان عبد الحمد الثاني الخلافة عام 1876م؛ حيث أشركتهم في الحكم, فظهر منهم كبار الموظفين ونواب في مجلس المبعوثان "البرلمان" في فترات متتابعة مثل: ضياء يوسف الخالدي, أسعد الشقيري, روحي الخالدي, سعيد الحسيني, حافظ السعيد, أحمد خماش, عثمان النشاشيبي, أحمد عارف الحسيني وحافظ طوقان...الخ حيث كان هم وأولوية هؤلاء النواب يتمثل في تنبيه الحكومة العثمانية حول مخاطر الصهيونية, بل كان النواب يستجوبون وزراء في الحكومة حول تنامي المستوطنات الصهيونية وسبل التصدي لها.
استشعرت الحكومة العثمانية خطر المشروع الصهيوني وخشية من الامتيازات الأجنبية وخطر الاستيطان أصدرت القوانين التي تملك المواطنين الفلسطينيين الأراضي حيث جاء في المجلة العدلية العثمانية مادة 1272 "أنه من أحيا ارضا ميتة بالإذن السلطاني أصبح مالكا لها" وهذا النص مأخوذ من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم القائل: " من أحيا أرضا مواتا من غير أن يكون فيها حق مسلم فهي له وليس لعرق ظالم حق" رواه البخاري, وقد حدد أصحاب الاختصاص في الأراضي من الكتّاب العرب والانجليز الأراضي الموات في فلسطين في الساحل الجنوبي لفلسطين التي كانت تعرف بالكثبان الرملية والمناطق السبخة حول البحر الميت التي كانت وقت ذاك في مجملها لا تصلح للزراعة.
لذلك يستند أهالي المواصي في أحقيتهم لهذه الأراضي للقانون العثماني, في هذا الإطار القانوني والسياسي والوطني وبناء عليه وفدت إلى الساحل العديد من العائلات الفلسطينية لفلاحة الأرض وزراعتها فزادت مساحات الأراضي المزروعة في يافا وغزة وخان يونس ورفح, ونشأت على الساحل قرى جديدة وتوسع الانتاج الزراعي وأضيفت مزروعات جديدة وقد تكون هذه السياسة سببا هاما في الحد من الاستيطان في المناطق الجنوبية من الساحل الفلسطيني, وأفنى المواطنون حياتهم من أجل استصلاح هذه الأرض الموات من الكثبان الرملية قبل الميكنة والكهربا حيث تكبدوا في ذلك الأعمال الشاقة.
اختلفت السياسة تماما بعد انتهاء الحكم العثماني وبدء الاحتلال البريطاني في فلسطين, حيث قام البريطانيون بإلغاء القوانين والأنظمة العثمانية الخاصة بالأراضي والتخلص من السياسة العثمانية العامة تماما واستبدالها بسياسة جديدة تتمثل بإقامة الوطن القومي اليهودي وتذليل كافة العقبات القانونية والسياسية لأجل هذا الهدف وسحب أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية وتسليمها للصهاينة.
أسندت بريطانيا لغلاة اليهود الصهاينة مثل هربرت صموئيل و نورمان بنتوييتش عملية تغيير القوانين العثمانية وسن قوانين الأراضي بحيث تخدم المشروع الصهيوني ومن هذه القوانين: قانون انتقال الأراضي رقم 39 لعام 1920م وقانون الأراضي المحلولة 1920م لحرمان الفلاحين الفلسطينيين من الاستفادة منها, وقانون الأراضي رقم 2 لعام 1921م وقانون الأراضي الموات لعام 1921م حيث قامت حكومة الانتداب بسحب كافة الأراضي التي استصلحها الفلاحون الفلسطينيون ولم يقوموا بتسجيلها في دائرة الطابو ومن ثم تم تسليمها للوكالة اليهودية مجانا طبقا للمادة السادسة من صك الانتداب, وكذلك قانون الأراضي رقم 28, ...الخ.
بالرغم من هذه السياسة المعادية عملت بريطانيا على تسجيل أراضي المواصي, ولأسباب مختلفة تم تسجيل بعضها ولم يسجل البعض الآخر, وقد فرقت بريطانيا بين أراضي المواطنين وبين الأراضي الحكومية من خلال وضع كتل إسمنتية مخروطية, كحد فاصل بين أملاك الحكومة من جهة وأملاك المواطنين المسجلة وغير المسجلة بدون استثناء من جهة أخرى.
أثناء الإدارة المصرية لقطاع غزة 1948-1967م لم تتغير القوانين المصرية كثيرا عما كانت عليه الأمور في قبل حرب عام 1948م أثناء الانتداب البريطاني, بل كانت الدولة مبنية على الفكر الاشتراكي ومحاربة الملكية الفردية والحد منها بكل الطرق فصادرت الملكيات الكبيرة فيما يسمى بمحاربة الإقطاع وأعلت من هيبة الدولة على حساب المصالح الفردية كسياسة عامة للبلاد.
في بداية الإدارة المصرية بقي واقع وضع اليد أحد سبل اكتساب الملكية إلى جانب العقود والمواريث في الأراض سواء كانت خاصة أو حكومية أو حتى أوقاف؛ وبعد ذلك تم إلغاء مبدأ التقادم؛ ففي العام 1960م تم إصدار قانون يلغي وضع اليد بالتقادم وتم تدعيم هذا القانون بقانون آخر في العام 1965م دون مراعاة للحقوق الفردية للذين بذلوا أعمارهم وأموالهم وأبناءهم لأجل هذه الأراضي, وفي هذه الفترة ظهر ما يسمى بالأقساط والمالية والحبال وهذه الحالات التي لم يكتمل تسجيلها, وبقيت المواصي على حالها رغم أن بعض المواطنين حصلوا على أحكام قضائية بحكم وضع اليد خاصة في بداية فترة الخمسينات من القرن الماضي.
استمر الاحتلال الإسرائيلي من العام 1967-2005م وطيلة هذه الفترة كان أهالي المواصي الدرع الوطني الواقي ضد مشروع الطوق الاستيطاني وناضل لأجل ذلك أهالي المواصي بكل قواهم من أجل الحفاظ على أراضيهم سواء كانت مسجلة أو غير مسجلة, وضربوا في سبيل ذلك أكثر المواقف وطنية وصمودا, ودفعوا ضريبة هذه المواقف من شهداء وأسرى وتحمل العقاب الجماعي المتنوع من فرض الإقامة والحصار الطويل ومنع التحرك ومنع بيع المنتجات الزراعية, وقد أصدرت مؤسسة بيت سيلم الإسرائيلية عام 2003م تقريرا يوضح هذه المعاناة عام, وبالرغم من ذلك بقيت الأراضي تحت أيدي المواطنين محافظين عليها بكل ما أوتوا بقوة ولم تستطع قوات الاحتلال بكل قواهم سحب هذه الأراضي من أهلها.
ورثت السلطة الوطنية الفلسطينية 1994م حتى الآن 2013م مجمل هذه القوانين وهذه القضية المعقدة بتعقيدات القضية الفلسطينية, والسياسات التي مرت عليها, ومع مرور الزمن وتزايد أعداد السكان وضيق مساحة قطاع غزة, فكان التفكير الحكومي يتجه دوما نحو نزع هذه الأراضي العالقة قانونيا والتي وضع السكان أيديهم عليها منذ عشرات السنين لتبقى خضراء يانعة, ولم يهملوها يوما بل كانت سلة غذاء الضفة والقطاع بل وصلت منتجاتها الخليج العربي وبعض الدول المجاورة, ولم يكونوا غائبين عنها في أوقات الشدة أو حتى الحروب, ومارسوا فيها كل أشكال تصرف المالك في ملكه.
هذه السياسات التي مرت على أراضي المواصي تستوجب على أصحاب القرار من أعضاء المجلس التشريعي والحكومة النظر لهذه القضية على أنها ضحية السياسات المتعاقبة, والقوانين السياسية, وأن أهلها يملكون ويتصرفون بهذه الأرض على مر الزمن وبينهم فواصل وحدود وشوارع, وأن الأراضي الغير مسجلة داخل الأراضي المسجلة ومن الناحية الفنية لا يمكن فصل الأراضي عن بعضها وفق مبدأ التسجيل, هذا وإن تسوية هذه الأراضي حق طبيعي للمواطنين ويمثل رأي عام بالنسبة لمحافظتي رفح وخان يونس...




- انشر الخبر -