صِل هذه النقاط الأربع وستعرف إلى أين يقود ترامب الولايات المتحدة: توماس فريدمان


تم النشر 18 سبتمبر 2019


عدد المشاهدات: 1380

أضيف بواسطة : أ. مهند محمد


فقط عندما تعتقد أنَّك قد رأيت وسمعت كل شيء من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ينحدر إلى مستوًى متدنٍ جديد يجعلك عاجزاً عن الكلام، فتتساءل: هل هو مجنون؟ هل هو شرير؟ هل لديه التزام جنوني بتفكيك وإلغاء كل شيء جيد فعله الرئيس السابق باراك أوباما، أم أنَّه مجرد رجل غبي فحسب؟

أقصد بهذا ما يحاول الرئيس فعله لتخفيف معايير الانبعاثات الكربونية، وبذلك تتمكّن السيارات الأمريكية الصنع من إحداث المزيد من التلوث، ويستطيع أطفالنا تنفس هواء أكثر تلوثاً في عصر تغيّر المناخ، وفي وقتٍ تصبح فيه الطاقة المتجدّدة النظيفة هي الصناعة العالمية الكبرى القادمة وتركّز الصين للسيطرة عليها.

مَن قد يفعل ذلك؟

لكن هذه هي المبادرة التي عكف عليها ترامب مؤخراً، سياسة صناعية لإحياء جميع صناعات الماضي القذرة وتقويض صناعات المستقبل النظيفة.

إنَّها مبادرة سياسية ليست فاسدة في ظاهرها فحسب، لكنَّها تفشل تماماً في الربط بين العديد من النقاط التي تضر الآن بأمننا القومي واقتصادنا ومناخنا ومنافستنا مع الصين.

فكّر في النقاط التي يرفض ترامب ربطها ببعضها البعض:

النقطة الأولى: انس مصطلح «الاحترار العالمي» . من الأفضل وصف ما يحدث فعلياً بأنَّه «غرابة المناخ العالمي» . يؤدي ارتفاع درجة حرارة الجو إلى جعل الطقس غريب الأطوار. أولاً، المناطق الساخنة تزداد سخونة، مما يؤدي إلى زيادة عمليات التبخّر، مما يعني زيادة كمية بخار الماء الموجودة في الهواء، التي هي أساس تشكيل السحاب من أجل هطول الأمطار. لذا، تزداد رطوبة المناطق الرطبة بالفعل وتتسع دائرة الفيضانات. في الوقت نفسه، تزداد حدة الجفاف في المناطق الجافة.

وقد تصبح بعض المناطق الباردة أكثر برودة، كما هو الحال عندما تسمح دوامة قطبية ضعيفة، التي عادةً ما تعمل على إبقاء الهواء البارد محصوراً في القطب الشمالي، بدفع مزيدٍ من الهواء القطبي المتجمد باتجاه الجنوب إلى الولايات المتحدة الأمريكية. في الوقت نفسه، تشتد قوة الأعاصير، التي يغذيها ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات.

لهذا السبب ترى تقلّباتٍ مناخية شديدة التطرف والغرابة في جميع الاتجاهات. وأفادت صحيفة The Washington Post الأمريكية بأنَّ «درجة الحرارة في ولاية مونتانا الأمريكية قد انخفضت بصورةٍ تقشعر لها الأبدان في يوم 3 مارس/آذار لتبلغ  32 درجة تحت الصفر في مدينة غريت فولز. وانتهى اليوم بانخفاضٍ هائل في درجة الحرارة دون المعتاد لتصل إلى  50 درجة مئوية تحت الصفر» . عاشت المدينة في ذلك الوقت أطول فترة ممتدة على الإطلاق في درجات حرارة تحت الصفر.

وذكرت الصحيفة الأمريكية في وقتٍ لاحق أنَّ درجة الحرارة في يوم 11 مايو/أيّار قد «ارتفعت في بلدةٍ واقعة في شمال غرب روسيا بالقرب من مدخل المحيط المتجمد الشمالي لتصل إلى 84 درجة فهرنهايت، ما يعادل تقريباً 28 درجة مئوية» . وحدث هذا في نفس الوقت الذي «تخطّت فيه نسبة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي 415 جزءاً في المليون لأول مرة في تاريخ البشرية» .

 

الآن دعونا نذهب إلى النقطة الثانية: أعلنت الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية في 30 مايو/أيَّار أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية وعدداً من الأجزاء المجاورة في قارة أمريكا الشمالية «لم تشهد قط فترةً  أكثر رطوبة من تلك الفترة التي شهدتها طوال أشهر العام المنصرم» خلال 124 عاماً، منذ بدأت تحتفظ بسجلاتٍ عن الأرصاد، وذلك حسبما أفادت شبكة CNN الأمريكية. لكنَّ «غرابة المناخ العالمي» لم تبطش بمزارعي الغرب الأوسط الأمريكي فحسب، مما يتطلب دفع تعويضاتٍ تأمينية ضخمة، بل عصفت أيضاً بالجيش الأمريكي.

 

إذ تعيَّن على القوات الجوية طلب 4.9 مليار دولار لإصلاح قاعدتين تضرّرتا بسبب الأحوال الجوية السيئة. وأفادت محطة NPR الإذاعية الأمريكية بأنَّ «حوالي ثلث قاعدة «أوفوت» الجوية الواقعة شرق ولاية نبراسكا الأمريكية قد غُمرت بالمياه في وقتٍ سابق من هذا الشهر، حيث اجتاح الفيضان مساحاتٍ شاسعة من الغرب الأوسط. وكذلك ألحق إعصار مايكل أضراراً جسيمة بقاعدة تيندال الجوية في ولاية فلوريدا الأمريكية في أكتوبر/تشرين الأول» .

وأعلنت هيذر ويلسون، وزيرة القوات الجوية الأمريكية آنذاك، أنَّ «61 مشروعاً -تتألف إلى حد كبير من مشاريع تتعلّق بعمليات التشغيل والصيانة- في القواعد العسكرية التابعة لسلاح الجو الأمريكي في 18 ولاية لن تُنفّذ إذا لم يُقر تمويلٌ إضافي لمواجهة الكوارث» .

 

النقطة الثالثة: أقرَّ ترامب في 6 يونيو/حزيران تمويلاً بقيمة 19.1 مليار دولار لجهود الإغاثة في حالات الكوارث، وقال متباهياً: «لقد وقَّعنا للتو على مشروع قانون مساعدات للإغاثة في حالات الكوارث، لمساعدة الأمريكيين الذين تضرَّروا جراء العواصف الكارثية الأخيرة. وهذا أمر مهم للغاية بالنسبة لأصحاب المزارع ومربِّي الماشية الأمريكيين العظماء» .

 

 

النقطة الرابعة: أفادت صحيفة The New York Times في نفس اليوم بأنَّ «أكبر شركات صناعة المركبات في العالم حذَّرت الرئيس ترامب يوم الخميس من أنَّ خطته لخفض معايير انبعاثات العوادم الكربونية تُهدّد بخفض الأرباح، وخلق حالة من عدم الاستقرار «لا يمكن تحمّلها» في أحد القطاعات التصنيعية الحاسمة. وفي خطابٍ وقَّعته 17 شركة عالمية لصناعة المركبات، من بينها Ford وGeneral Motors وToyota وVolvo، طالبت الشركات ترامب بالعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن التراجع المخطط له عن إحدى السياسات المُعتمدة للرئيس السابق باراك أوباما لمكافحة تغيّر المناخ» .

 

وأوضحت القصة أنَّ قانون ترامب الجديد «سيلغي تقريباً القواعد المُنظّمة للانبعاثات الصادرة عن السيارات التي حدَّدتها إدارة أوباما، إذ يجمِّد بشكلٍ أساسي معايير متوسط عدد الأميال التي تقطعها المَركَبات لكل غالون من الوقود، لتقل إلى نحو 37 ميلاً للغالون الواحد، بعدما كان المعيار المستهدف يبلغ 54.5 ميل للغالون الواحد بحلول عام 2025 حسبما أقره أوباما» . وستلجأ ولاية كاليفورنيا و13 ولاية أمريكية أخرى إلى المحكمة للتأكّد من قدرتها على ذلك، لأنَّها ملتزمة بالوفاء بمعايير أوباما أو غيرها من المعايير الأعلى، الأمر الذي بدوره سيقسم سوق صناعة السيارات إلى قسمين، وهي مشكلة كبيرة لمصنِّعي السيارات.

أنا شخصياً ليس لدي أي تعاطف مع مصنِّعي السيارات. لقد جلبوا هذا لأنفسهم، إذ يملكون، جنباً إلى جنب مع أعضاء الكونغرس الذين يدلِّلونهم، تاريخاً طويلاً من دفع البلد بأكمله إلى الهلاك.

لقد دفعوا الحزب الجمهوري بصورةٍ أو بأخرى إلى تجميد معايير متوسط عدد الأميال المقطوعة المُعتمدة في ثمانينات القرن الماضي، والتي انبثقت عن أزمة النفط في السبعينيات، زاعمين أنَّ مواصلة التحسين ستكون مكلِّفةً للغاية بالنسبة لهم. وماذا جنى الشعب الأمريكي من ذلك سوى مزيدٍ من التلوث، ومن ثمَّ مزيدٍ من حالات الإصابة بالربو عند الأطفال، وغيرها من التكاليف الصحية، بالإضافة إلى إفلاس صناعة السيارات وحاجتها إلى الإنقاذ عام 2008، جزئياً بسبب تفوّق القدرات الإبتكارية لليابانيين في هذه الصناعة خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات، عبر التمسُّك بمعايير أعلى لانبعاثات المسافة بالأميال، وإنتاج المزيد من أساطيل السيارات ذات الكفاءة في استهلاك الوقود.

ويريد حالياً نفس مسؤولي صناعة السيارات الحمقى الأنانيين في ديترويت، بالاقتران مع وكالة حماية البيئة الأمريكية بقيادة اللوبي المؤيد لاستخدام الفحم الحجري، أن يعيدوا إنتاج نفس السيناريو. لم تكن الشركات تريد من ترامب سوى التريُّث وعدم التراجع عن المعايير بهذه السرعة كما فعل.

وكما سيخبرك أي مُصمّم صناعي، فإنَّ إقرار معايير بيئية دقيقة ومتزايدة على نحوٍ مطرد يُحفّز الابتكار، ويُلهم الشركات للتسابق نحو القمة، وتحقيق الريادة والقيادة في السوق العالمية. إذ حفّزت معايير أوباما بشأن الحد من الانبعاثات الكربونية صناعة السيارات الأمريكية على اللحاق بالركب، والآن يريد ترامب من الشركات أن تصبح أقل ابتكاراً وأكثر تلويثاً من أجل زيادة أرباحها على المدى القصير. يشبه الأمر اللجوء إلى حرق أثاثك لتدفئة منزلك.

وفي مقالٍ نُشر على موقع the Conversation الأسترالي بعنوان «لماذا التفاف وكالة حماية البيئة الأمريكية إلى الاتجاه المعاكس بشأن قواعد كفاءة السيارات يمنح الصين الأفضلية؟»، أشار غريغ دوتسون، أستاذ القانون بجامعة أوريغون وأحد كبار موظفي الطاقة بالكونغرس، إلى أنَّ «التراجع عن معايير وكالة حماية البيئة بشان انبعاثات العوادم الكربونية يُهدّد بتخلِّينا عن هذه الميزة التنافسية لصالح دول أخرى. إذ تتجاوز أهداف الصين المُعتمدة مؤخراً للمركبات ذات المحرك الكهربائي بالكامل برنامج «المركبات ذات الانبعاثات الصفرية» في ولاية كاليفورنيا من خلال المطالبة بنشر مكثف للمركبات ذات المحرك الكهربائي بالكامل بدايةً من عام 2019، بهدف بيع 7 ملايين سيارة كهربائية جديدة سنوياً بحلول عام 2025. وتناقش الحكومة الصينية علناً الموعد المناسب لوقف مبيعات السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي في الصين» .

نعم، لنجعل الصين عظيمةً مرة أخرى!

إذا كنتَ تريد معرفة ماذا كان سيفعل رئيسٌ حقيقي، فما عليك سوى النظر إلى مبادرة «ما بعد الكربون» التي أطلقها عمدة نيويورك السابق مايكل بلومبرج، والتي خصّصت 500 مليون دولار لأكبر حملة مُنسّقة على الإطلاق لتعزيز الطاقة النظيفة.

انتُخب تسعة حكام ولايات جُدد في عام 2018 بناءً على برامج لتحويل ولاياتهم إلى استخدام الطاقة المتجددة النظيفة بنسبة 100%، وكانت ولاية كاليفورنيا قد ألزمت نفسها بهذا الهدف بالفعل. تُعد بعضها ولاياتٍ صغيرة مثل نيو مكسيكو، وقد تحتاج إلى مساعدةٍ فنية لدعم خططها. وصُمّمت مبادرة «ما بعد الكربون» لدعم مثل هذه الولايات. وتهدف المبادرة أيضاً إلى تقديم مساعدات للمرافق والمدن والشركات التي تحتاج إلى مساعدة أو موظفين لتبني برامج مبتكرة لتنظيف الهواء والماء وخفض انبعاثات الكربون، لا سيما عن طريق إغلاق محطات توليد الطاقة بالفحم لتحل محلها محطات تعمل بالطاقة النظيفة.

 

للأسف، عند توصيل جميع النقاط ببعضها البعض، سترسم خطاً يشير إلى التراجع إلى الخلف مباشرةً:

يحاول ترامب خفض معايير الانبعاثات الكربونية، التي كانت تجعل شركات صناعة السيارات الأمريكية أكثر قدرة على المنافسة ضد شركات السيارات الصينية واليابانية الكُفء، وتجعل هواءنا أنظف. ويحدث ذلك بالتزامن مع توقيع ترامب على خطط إنقاذ بمليارات الدولارات للمزارعين والقواعد الجوية العسكرية التي تضررت بشدة جراء الطقس القاسي، الذي تضَّخمت تداعياته نتيجة تغيُّر المناخ، الذي تزداد حدته بسبب التلوث الكربوني. وفي حين يُلزم ترامب أعضاء حكومته البيروقراطية بإخفاء أدلة التغيُّر المناخي، يجبر الأميركيين على دفع رسوم جمركية بمليارات الدولارات على الواردات الصينية، لأسبابٍ كثيرة، منها حماية المنافسة المستقبلية من المركبات الصينية الكهربائية، التي لا تصدر عنها أي انبعاثات، ولا تستهلك أي وقودٍ نفطي.

 

هذه كلها إجراءات لا تمت بصلة إلى الاستراتيجية أو الانتصار أو الوطنية، إنَّها مجرد خطوات غبية حمقاء مُدمرة تثير السخرية.

 

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأمريكية.




- انشر الخبر -