الحُضنُ الأخير.. بقلم أ.عبدالله بن محمد الأسطل


تم النشر 03 أغسطس 2018


عدد المشاهدات: 1702

أضيف بواسطة : عبدالعال محمد


وما التأنيث الاسم الشمس عَيب .. وَما التذكيرِ فخر للهِلال) أما قبل: لجُبناء الصهاينة: إن استطعتم أن تقتلعوا الشمس -ولن-، وتهدموا القمر -ولن-، وتعتصروا الرياح -ولن-، وتشقُوا قماشة السماء -ولن-، وتحرقوا دفاتر النجوم -ولن-، وتفقئوا عيون الأفق -ولن-، وتكسروا جمجم الليل -ولن-! فإننا نقول لفخامة نجاستكم: دون ما تبغون دماء الساجدين الأحرار، الذين يوّد أحدهم أن تكون رأسه لبنة في جدار الأقصى! أحدثكم عن صاحبة القلم السيال العاري مِن الذل والخضوع الكاتبة (لمى خاطر)، والتي أسرها العدو الصهيوني من بيتها ومن أحضان طفلها ! هي التي تلتزم (شِعْبَ الصبر)، تُرتل مزامير الشهادة، وتغزل أكفان الحياة! وتعبث بأحلامهم، لتهدمها على رؤوسهم النتنة، بأيديها المتوضئة! أما بعد: كان الحُضن الأخير بين الكاتبة (لمى خاطر) مع طفلها، هُنا نادت الروح وابتهلت: أنت يا ولدي اليَوم شاهِدي الوحيد، عيناكَ التي تُراقب المَشهَد اللحظة، سترقُب عيونهم فيها وأنت تُذل جبروتهم! اسمع جيداً دبيبَ خوفهم رغمَ تمادِهم.. انظر جيداً، انظُر ! وعليه حصّن قلبك فتهزمهم بطيفِك قبل وجودِك.. يا صغيري الآن وقائدي القادِم لكَ الثأر والنّصر فلا تنسى ! كانت عين طفلها للإنصات واذُنه للتحديق، أمّا عن أنفه فهو لإدراك الحريق باكراً في داخله بفقد أمه، فنظراته البريئة كانت تود لو تبتهل: أمي أيتها الغريقة الجميلة، إن ما يجرفُه النهرُ في اللوحة، نظرتي الشاردة! عندنا بفلسطين -أحياناً- تتكىء البِلاد على كتِف امرأة.. تحتضن المجد المُصاب في الأقصى.. هي التي كانت تُحارب العدو بقلمها لسنين طويلة، كرائحة الحُزن في بقايا الصخور العتيقة؛ فإنها لم تترك قلمها.. تعلقت في عُنق الأقصى الحزين كعقد ثمين.. تتجرع جُرحاً كبيراً، وقهراً ثقيلاً، وأجراً كثيراً! فسلام للأرواح المغدورة في الأقصى (سابقاً ولاحقاً)، سلام لأديم أرضها وهوَ يرتشِف دماء أبناءها الأبرياء بلوعة المحزون، سلام لام تودع ابنها إلى مرقدها في السجون، سلام لصوت الأحرار الشادي بشمس الحق مهما اشتدت الحلكة! هكذا يا صغيري تسرق الخفافيشُ الوردَ ليلاً! (أينع بروحك صبراً يُزمل عزائمها .. فكُل ثغرِ مع الأيّام يبتسمُ) خطفوا أمك لكنهم لم يستطيعوا أن يخطفوا الذي بداخلها ، إنها الريشة المعبقة برياحين السماء وحبر الدماء، خطفوها.. والصمت يمتدّ.. جداراً صخرياً عربياً.. وتمازجت الألوان والريشة واحدة! إنها المرأة الفلسطينية المجاهدة المحكوم عليها بالضيق دائماً.. مثل حبل المشنقة، كُلما شعر بالإرتياح؛ أحضروا له جُثة! ما للعروبة تبدو مثل أرملةٍِ .. أليس في كُتبِ التاريخ أفراحُ ؟! هذه الخُشُبُ المُسَنّدة يابسة الحراك، لا تأوي إلا إلى الكراسي وموائد الشهوات، فشبيه الشيء مُنجذب إليه! لا تفقه هذه الخُشُبُ المُسَنّدة أن العبورَ إلى الأقصى لا يكون إلا من فوهة البندقية وبرفقة محبرة ورصاصة وبطاقة سفر إلى السماء! لا تعلم هذه الخُشُبُ أن المرابطين لا ينتظرون إدانتهم المتشائِبة وشحبهم الشاحب إثر المؤتمرات والمؤامرات.. إنّ الأخشابَ لا تنبت ورداً، والدمَ الراكِدَ لا يحرر أرضاً، وإذا فارَ سُرْعان ما ينطفىء لزِجاً بارداً لا قيمة له! إنها أختك: بعضاً من صدق أيّها الزيف الأعوج (فوااامعتصماه)؛ لن يحررها الدجل الكاذب، والتديُن المغشوش! إنها أمك: التي نزفوا عرضها.. بعضاً من كرامةٍ أيها الدم القابِع في خلايا الإنسان! إنها ابنتك: بعضاً من يقظةٍ أيُها المصفود في قلعة الغفلة! إنه الأقصى: يا سماسرة البيع والشّراء، أيّها المهزومون في جلودهم، المرابطون على أرصدتهم المادية، إنها الأقصى الحزين.. إن لم يكُن لله، فللإنسان! إنه الأقصى: العصفور -ذلك الرقيق- عن عُشّه أيتها الأغربة السود، وأنتم بلا حراك ! إنه الأقصى: تحركت لأجله امرأة.. تحرك لأجله الطفل مُهند الحلبي.. تحرك لأجله الشيخ رائد صلاح.. تحرك لأجله عصفور! إنه الأقصى: مواطن العرُوجُ إلى السماء، ولذا لن يُحرره تُرابيّ رابض بالأرض.. ولو استطاع بُنيانه طولاً وعرضاً! يتّصل وجودها الحي بنياط القلوب، فإذا شُرخت -تلك القلوب- واتسعت فيها الأخاديد، وغلب عليها الضعف المشقوق، تلاقت أصداء تلك الشروخ والإنكسارات في أبنية الأقصى وجدرانه ! هو الأقصى إذاً: حيث يرتجف ها هناك شاب على الحواجز خشية أن يسبقه شهيد؛ يسجل اسمه على أسوار البراق ! هو الأقصى إذاً: حيث يسقط نصف عاشق؛ لم يكتمل حبه، ويؤجل موعد الزفاف للقاء في عليين ! هو الأقصى إذاً: حيث كل خطوة هي حياة لا رواية للموت، إما الحياة وإما الشهادة ! هو الأقصى إذاً: حيثُ قلب (لمى خاطر) المُشتعل بنيران الألم عليه! فما بين الكاتبة الفلسطينية (لمى خاطر)، وقبلها في مصر (أسماء عبدالحميد) التي اعتقلها السيسي؛ تجد اللون الواحد الممزوج بسياج الظُلم! إنهم يُخربون الأرض، ويُفرقون بين الطفل وأمه، ليعتو عتواً كبيرا ! فلم يرحموا من قبلها زوجها المقدسي (حازم الفاخوري) من الإعتقال والتعذيب، إنها الأسرة التي ذاقت الويلات، لأنها رفضت الإنحناء والذُل! كم قد كتبنا في القرض مدائحاً .. خلنا غروراً أنها عصماء حتى اقتربنا من مشارف مجدكم .. فإذا المديح لغيرك استهزاء فجلبابك الأسود الطاهر وحجابك الأبيض الساطع لا أدري من نجسهم ؟! هل أيدي العدو على ظهرك.. أم نظرات الحسد على طُهرك ؟! إن الرّشوة الخفية أن يكون الغضب لها ولكل حرة أبية موسمياً مُحاطاً بالطقس، يوم وينتهي، شهر وينقضي! فالغضب الصادق يموت إذا خضع لطقوس الإنفعالات المُحاصرة بسياج اللحظة، ينبغي أن يلتصق غضبنا بجدار القلب، مغروساً في اللحم، متغلغلاً في العروق، سابحاً في الدم! إن الأقصى ليس ترفاً ملحمياً ولا مهرجاناً إنشادياً ولا مؤتمراً تنديدياً تتعانق فيه الكاميرات والياقات الملونة.. كي تُدافع عنها (لمى خاطر) لوحدها، بقلمها المُبارك ! إنها تحتاج منا دُعاءً دائماً يدفئها ويدثرها في زنزانتها.. كحاجتك أنت للإعتذار كلما ارتطم كتفك بكتف أحدهم في طريقٍ مزدحم بالعابرين..! فاللهم اربط على قلوب أطفالها وأهلها.. وكن معهم ناصراً مغيثاً!




- انشر الخبر -